كسندباد.. ناصر بوريطة يحلق ببساط الدبلوماسية من تاونات إلى سماء الأمم المتحدة!!

كسندباد.. ناصر بوريطة يحلق ببساط الدبلوماسية من تاونات إلى سماء الأمم المتحدة!! ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي
كلما سمعت انتصارا دبلوماسيا، لابد أن تتذكر هزائمنا السابقة ضد الجزائر وحلفائها. تتذكر بالضرورة سعد الدين العثماني الذي وجد نفسه يحمل حقيبة ثقيلة بحجم وزارة الخارجية. حظنا "المنحوس"، وديمقراطيتنا "الكسيحة"، وصناديقنا الانتخابية "الملعونة"، هي التي أفرزت هاته التشوهات والنتوءات السياسية، لنشهد ميلاد كائنات حزبية "هجينة" أوصلت "العثماني" و"صلاح الدين مزوار"، على سبيل الذكر وليس الحصر، إلى "سدّة" وزارة الخارجية. من حسن الحظ أن الوزيرين معا خُلِعا في الوقت المناسب قبل حصد المزيد من النكسات والكبوات!! 
لكن والحقّ يقال عاشت الدبلوماسية الخارجية "سنوات من الرصاص" في زمن هذين الوزيرين، وعرفت قضية المغرب الأولى، وهي قضية الصحراء المغربية، مذلّة وخرابا!!
الرياح التي قادت ابن مدينة تاونات ناصر بوريطة إلى وزارة الخارجية رياح طيبة. من ينظر إلى بناية الوزارة الزجاجية من الخارج لا يرى مجرد إسمنت ومعدن وزجاج لامع، بل حتى من الداخل المكاتب والصّالونات والرفوف تنبض بالحياة. الوزارة من الداخل خلية نحل وحلبة ماراطون. بوريطة يقود هذا "الكوماندو" بقلب عداء للمسافات الطويلة، لا يتوقف لالتقاط نفس. الأحداث متسارعة ولا تكاد تتوقف مثل نبضات القلب.
منذ اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه في 10 دجنبر 2020، المغرب أصبح تحت المجهر، وبرز اسم ناصر بوريطة كنجم تلفزيوني في نشرات الأخبار كبريات المحطات التلفزيونية. من لا يعرف بوريطة ها هو يحدثكم، رجل قصير القامة لكنه طويل الهامة، بعنفوان مغربي وكبرياء "وطن" يحمل ثقل تاريخ وأمجاد قرون. لذا من يحمل حقيبة وزارة الخارجية، يحمل أثقالا، وكتابا من صفحات تاريخ ناصع البياض، وحضارة بنبض المدافع وصليل السيوف وبريق الرماح وهدير المعارك.  
فوق بساط هذا التاريخ يمشي ناصر بورة بخطوات ثابتة، مستنيرا بتعليمات الملك محمد السادس، مهندس الانتصارات الديبلوماسية للمغرب. 
كل الصخور تتفتت، كل المسالك الدبلوماسية الوعرة اجتازها ابن تاونات القصير القامة، لكن بنفس طويل وثقة ودهاء محارب. كل فخاخ الجيران المنصوبة تخطاها بإصرار، وها هو يدير أزمة تطهير معبر الكركرات من  الانفصاليين باقتدار، واستلّ عصابة البوليساريو من المعبر الحدودي كالشعرة من العجين من دون أن تسقط قطرة واحدة من دماء مقاتل مغربي. بالإصرار نفسه قاد معركة المغرب بتركيع إسبانيا في قضية تهريب الانفصالي إبراهيم غالي بهوية مزورة بتواطؤ مع الجزائر. رمى كرة اللهب في ملعب إسبانيا التي أكل العار وجهها بعد استضافة مجرم حرب على أراضيها ومنحه "مظلة" دبلوماسية مقابل براميل من الغاز الجزائري. الغاز لم ينفجر إلّا في وجه إسبانيا وأسقط القناع الذي تخفي خلفه وجها بشعا ودمويا. هذا هو بوريطة، رجل لا يهادن، ومحارب شرس لا يستسلم، ولا يرفع الراية البيضاء.
ولد ناصر بوريطة في 27 ماي 1969 بمدينة تاونات. مدينة ساحرة تنبت  في مقدمة جبال الريف الشامخة، وتفوح بعطر رائحة الزيتون. من هذه اللوحة الطبيعية الفاتنة، قضى بوريطة طفولته، وتفوّق  الاختبارات الدراسية بنجاح، قبل أن يلتحق بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس أكدال بالرباط. ثلاث سنوات كانت مصيرية في مساره الدبلوماسي:
1991: حصل على شهادة الإجازة في القانون
1993: حصل على شهادة الدراسات العليا في العلاقات الدولية
1995: حصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون الدولي العام.
بعد هذا المسار العلمي القصير، تفتحت "وردة" بوريطة في حقل دبلوماسي من الألغام. لكن الوردة استطالت لترسم بستانا أخضر. 
تسلق ناصر بوريطة المناصب في السلك الدبلوماسي بانطلاقة سهم لم يعد إلى قوسه قبل أن يصيب أهدافه. 
أول التعيينات بمصلحة الهيئات الرئيسية بالأمم المتحدة سنة 2002، ثم عين مستشارا دبلوماسيا ببعثة المغرب لدى المجموعة الأوربية في الفترة الممتدة بين 2002 إلى 2003. 
توهّج اسم بوريطة وأهّله هذا التوهج لرئاسة قسم بمنظمة الأمم المتحدة، وبعدها عين مديرًا للأمم المتحدة والمنظمات الدولية داخل وزارة الشؤون الخارجية والتعاون في الفترة الممتدة بين 2006 و2009. وارتقى في زمن قياسي ليسند له منصب مدير عام للعلاقات متعددة الأطراف والتعاون الشامل. مسار دبلوماسي حافل توج  بتعيينه كاتبا عاما لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون عام 2011، منصب جعله يكسب ثقة الملك  محمد السادس لتعيينه وزيرا منتدبا لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، ثم وزيرا للشؤون الخارجية والتعاون الدولي في حكومة سعد الدين العثماني، ليحمل ابتداء من ذلك التاريخ مشعل الدبلوماسية الخارجية، مشعل لم ينطفئ إلى اليوم. 
بدبلوماسية ناعمة خالية من التشنج، وبتوجيهات ملكية، بدأ يسحق ناصر بوريطة خصوم المغرب في كواليس الأمم المتحدة. وضع المغرب في مكانه الحقيقي والمرتبة التي يستحقها كفاعل سياسي يمسك بخيوط الدمى التي تحيط به على ركح مسرح سياسي ملتهب. بصلابة جبال الريف كان يصدّ ناصر بوريطة ضربات الخصوم، بلغة دبلوماسية هادئة ورزينة، وأعاد المغرب إلى مربّع الكبار، ووقف شوكة في حلق الجزائر وإسبانيا وألمانيا، وكلّ من يحاول حفر الأنفاق في قضيتنا الوطنية الأولى. 
إنجازات ناصر بوريطة لا تحصى، وفي ملفات متباينة ومتشابكة.
ماذا سنتذكر؟
إعلان ترسيم الحدود البحرية التي أعادت المغرب لتسيّد واجهته البحرية ومياهه الإقليمية، إدارته للمصالحة الليبية باقتدار.  
بوريطة مازال يكتب أفراح المغرب، يفتح المعابر والمسالك، يفتت الحجارة، ويطفئ النيران التي يشعلها جاران لذوذان يترقبّان سقوطك. 
سهام بوريطة انطلقت ولم تعد إلى قوسها، مازالت تبحث عن أهدافها. 
مشعل بوريطة لم ينطفئ فوق جبال الريف. 
فوق سماء أشجار الزيتون، ابن تاونات يحلق كسندباد ببساط الدبلوماسية، مخترقا الأعالي.