في ستينيات نفس القرن كان فضاء مقهى باليما مقصدا لفئة خاصة من الزبناء الذين يهتمون بنوع خاص من الأخبار أو بالأحرى إشاعات يتم ترويجها بشأن الحياة السياسية انطلاقا من مقهى باليما. كان هناك أناس يحلو لهم أن يطلقون من مقهى باليما إشاعات على أساس أنها أخبار حقيقية حول فلان الذي ستسند إليه وزارة معينة أو آخر مرشح لواحدة من العمالات وثالث ستسند له الإدارة العامة لإحدى مؤسسات الدولة. وكان آخرون يأتون إلى مقهى باليما لمعرفة ما إذا كانت هناك إشاعة ترشحهم لتولي هذا المنصب أو ذاك حتى أن جزءا من فسحة المقهى سار مخصصا كل يوم لترويج إشاعات باليما ونقلها إلى أماكن أخرى في العاصمة أو بعيدا عن مدينة الرباط. لا أتذكر شخصيا أنه واحدة من إشاعات باليما في تلك الحقبة السياسية قد تحولت يوما ما إلى خبر حقيقي، وأن أحدا من الناس أسندت له مهام بناء على إشاعة انطلق من مقهى باليما. لكن الحياة السياسية في عقد ستينيات القرن الماضي كانت في حاجة إلى ما يضفي عليها ما يكفي من الفكاهة والمرح. ودارت الأيام واختفت ظاهرة الإشاعات السياسية التي تنطلق من مقهى باليما وها نحن اليوم أمام ظاهرة أخرى هي الإشاعات التي يتم ترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونتذكر في هذا الصدد على الخصوص كيف أن هذه الظاهرة كانت قد احتدت على امتداد الشهور التي تسلسلت خلال الأزمة الوزارية الأخيرة، حيث تشكلت أنذاك على صفحات الفايس بوك عدة حكومات سرعان ما حلت محلها حكومات أخرى. كان لابد من التعرف على التشكيلة الوزارية من خلال شاشة التلفزة عندما تم تقديم تلك الهيئة الوزارية إلى جلالة الملك. كان لابد إذن من الوصول إلى هذه المرحلة لمعرفة الحقيقة في نهاية الأمر. قبل ذلك كان كل من يتمنى أن يصبح صديقه فلان، على رأس وزارة معينة يقوم بتقديم ترشيحه على صفحة الفايس بوك مع آخرين في تشكيلة وزارية محتملة، وكثيرا ما كان البعض يصدق تلك التكهنات إلى أن تظهر في اليوم الموالي أسماء أخرى فيدرك المتتبعون انعدام جدية حكومات الفايس بوك. ومع هذا لم تختف لحد الآن ظاهرة الإشاعات التي يقدمونها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وكأنها أخبار حقيقية حول إعفاء بعض الوزراء من مهامهم نتيجة لما جاء في خطاب عيد العرش، بينما ترشح إشاعات أخرى بعض الأشخاص لتولي مناصب سامية في هذا القطاع أو القطاع الآخر من مؤسسات الدولة ولا يستبعد أن يكون بعض الناس يمنون أنفسهم بالحصول على ترقية في سلم الدولة فيتكلف مقربون منهم بترويج إشاعة يأملون في أن تتحول إلى خبر حقيقي. ولهذا يجب التعامل اليوم مع أخبار الفايس بوك كما كان يتم التعامل في ما مضى مع إشاعات مقهى باليما.