إيبوركي يحلل انفصام شخصية الشباب المغربي بين حب البارصا والريال وكراهية إسبانيا المحتلة

إيبوركي يحلل انفصام شخصية الشباب المغربي بين حب البارصا والريال وكراهية إسبانيا المحتلة عمر الإيبوركي ولوغو البارصا وريال مدريد
وجهت جريدة "أنفاس بريس" سؤالا إشكاليا للباحث السوسيولوجي عمر الإيبوركي، يتعلق بـ "انفصام الشخصية" لدى فئة عريضة من الشباب المغربي الذي تجده يهيم عشقا وغراما بأندية إسبانية وفرقها في رياضة كرة القدم ويعبر عن ذلك بعدة وسائل. في نفس الوقت انخرط هذا الشباب عبر منصات التواصل الاجتماعي ضد إسبانيا كدولة محتلة لمدينتي سبتة ومليلية المغربيتين، فضلا عن معاكستها لقضية وحدتنا الترابية من خلال ملف أزمة دخول إبراهيم غالي لإسبانيا باسم مزور. الجريدة تتقاسم مع القراء تحليل الظاهرة بعين السوسيولوجي عمر إيبوركي.

"في الحقيقة هذه الإشكالية مهمة وملاحظة في المجتمع. وفي اعتقادي بأن هذه المفارقة هي ظاهرة، وواقعية وموجودة وخاصة أن (المفارقة) بين ما هو سياسي وما هو نفعي.
اعتقد أنه من الناحية السوسيولوجية هناك تباعد بين الأجيال. نحن ندرك مثلا أن جيل بداية الاستقلال (جيل الستينيات) أو الجيل الذي عاش مرحلة الاستعمار، هو الجيل الذي تربى فعلا على شكل من أشكال الوطنية الصادقة التي يعبر عنها في كل آن وفي كل حين بإخلاص.
لكن هناك إشكالية أخرى موجودة عند الأجيال الحالية التي تعيش في عالم افتراضي، لأن هناك كما نعلم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا التأثير قد يؤدي أحيانا إلى نوع من ردود الأفعال، مثلا تابعت قضية تفاعل المغاربة مع الموقف الإسباني بخصوص الوحدة الترابية، حيث كان المغاربة ينتقدون.. وخاصة أنهم ينتقدون الطرف الجزائري الذي يحرك هذه العملية من خلال ملف علاج زعيم الإنفصاليين إبراهيم غالي.
في اعتقادي أن هذه المواقف ليست مبنية ومؤسسة على مبادئ سياسية، ومبادئ صحيحة، بقدر ما هي عبارة عن ردود أفعال إنفعالية وآنية، غالبا ما تندثر مع الوقت ومع الزمن وهذا ما لاحظته في كثير من التدوينات والتعاليق خلال هذه الأيام. وخاصة أن التأثير لا يكون مباشرة عبر مؤسسات المجتمع بل أن التأثير يكون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
اعتقد بأن الشباب لا يفكر إلا بطريقة نفعية، والتي تجعله يتمثل إسبانيا التي يعيش المغرب هذه الأيام في صراع منطقي وسياسي معها، هذه المواقف تتعدد، أو أن تصورات وتمثلاث هذه الفئة العريضة من الشباب هي تمثلاث مركبة وليست على صيغة واحدة. 
من بين هذه التمثلات مثلا هناك "إسبانيا العدوة، وإسبانيا المنافسة، والدولة الاستعمارية (استعمرت الكثير ومازالت تستعمر سبتة ومليلية). وهناك أيضا إسبانيا الرفاهية. بمعنى أن الكثير من الشباب يحلمون بالذهاب إليها والعيش فيها، وهناك إسبانيا الخلاص من البطالة والفقر، باعتبار أن إسبانيا هي بوابة القارة الأوروبية. أيضا إسبانيا هي المتعة والفرجة على مستوى رياضة كرة القدم، وهنا يأتي ويظهر الحب الجارف والتعلق بفُرُقِهَا وأنديتها الرياضية. وهذا ما نلاحظه في المقاهي وعلى مستوى الأسر، ونلاحظه كذلك في الشارع، وفي المدارس وحتى في الجامعات، هناك مؤيدين ومحبين ومغرمين بهذا الفريق أو ذاك.
اعتقد أن الإستنتاج الذي يمكن أن نخلص له هو عدم القدرة على تأطير الشباب الذي يمثل فئة عريضة. لذلك هذه الفئة لا تستطيع أن تتخذ موقفا موحدا، لماذا؟ لأنه لم تعد هناك المؤسسات الأساسية في المجتمع هي التي تؤطر .
لم تعد المدرسة هي المؤطر الوحيد، ولم تعد الأسرة هي المؤطر الوحيد، حتى الشارع تخترقه كثيرا من الأشياء التي تلعب دورها في توجيه أفكار الشباب وتوجيه تصرفاته وسلوكاته وتوجيه مواقفه التي غالبا ما تكون مواقف مضطربة، مواقف متغيرة ويمكن القول أن مواقفهم نفعية برغماتية.
وأربط هذه المسألة بقضية أساسية اشتغل عليها الكثير من الفاعلين والمهتمين وهي قضية الهروب مما هو سياسي، أو العزوف عن الانتخابات لأنهم (الشباب) يعتقدون في مرحلة ما أنهم غير معنيين، وبأن هذا الأمر يخص فئة معينة (المنتخبون والمصوتون) أو هؤلاء الذين يستغلون فترة الانتخابات لمنفعة مادية أو مصلحة شخصية.
أعتقد أن ما ذكرته يكشف أن هناك مفارقة بين المواقف السياسية، بين الحاجيات والقضايا السياسية الكبرى للوطن، وبين فئات عريضة من المجتمع. على اعتبار أن ذلك ـ كما قلت ـ يعود إلى تلون واختلاف المواقف واختلاف في الفهم أحيانا، وهنا يأتي تأثير مسألة اللامبالاة وقضية العزوف عن كل ما هو سياسي.
أضف إلى ذلك، غالبا ما نجد أن مجموعة من الشباب يربطون بين بعض الأزمات الاقتصادية والإجتماعية الموجودة في المجتمع وبين السياسيين وبين السياسة فلذلك غالبا ما يحدث هذا التباعد وتحدث هذه المفارقة .
كلنا مسؤولون، وكل المؤسسات مسؤولة، والمطلوب اليوم يجب أن يكون لدى كل المؤسسات شكلا من التناغم حتى تؤدي دورها وحتى تؤثر في ما يمكن أن نسيمه بالإتجاهات. لأن اتجاهات الشباب بصفة عامة قد تخلقها وتبلورها وتؤسسها المؤسسات الإعلامية والتربوية والأسرية... وبطبيعة الحال إن كانت هذه المؤسسات متناغمة ومنسجمة نحو توجهات واحدة، واعتقد أن هذه هي المسؤولية.
نعم، المؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية هي مسؤولة أمام الإختراق الواقع مع العولمة ومع الثورة التكنولوجية، حيث يرى علماء الاجتماع المعاصرين الذين ينتقدون الحضارة، أننا أصبحنا نعيش في عالم تتحكم فيه الصور. في عالم تتحكم فيه التكنولوجيا، وأصبحنا نعيش هذا العالم (سمي بعالم ما بعد الحداثة) وأصبحنا نعيش في مجتمع من الفوضى. لذلك لا يمكن أن نجد مجتمعا واحدا منسجما له نفس التوجه" .