محمد البالي: جنوح حزبي (6)

محمد البالي: جنوح حزبي (6) محمد البالي
الحزب أيضا مؤسسة ديمقراطية؛ مكون في الحياة السياسية، تتمكن في النظام الديمقراطي من اقتراح برامج لإدارة الحكم، إذا مكنها الناخبون من أغلبية أصواتهم مطلقا أو نسبيا. وبما أنها ركيزة في النظام الديمقراطي، فلا يفترض أن تكون لا ديمقراطية. لذلك لا يسمح لها بالانحراف عن الديمقراطية في قوانينها وممارساتها. فلا يمكن لحزب، مثلا، أن يطالب بإلغاء التعددية داخل المجتمع الوطني العام، ولا بتعطيل الممارسة الديمقراطية داخل مجتمعه الداخلي. ورغم مغالطات كشفناها، في حلقات سابقة، عن انزياح دستور 2011 عن مبادئ الديمقراطية، وتقييد بنود فيه لممارسة حقوق ثقافية وسياسية، فقد ورد في فصله السابع:يجب أن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية.
ولأن المؤسسة الحزبية كذلك، فهي موضوع للمتابعة وللنقد، شأنها شأن مختلف المؤسسات الديمقراطية العامة؛ أي المؤسسات المنبثقة عن النظام الديمقراطي، كمؤسسة رئاسة الدولة أو مؤسسة البرلمان أو مؤسسة الحكومة. وكلها مؤسسات وإدارات، تمول من الميزانية العامة.
ولذلك، حق لكل مواطن إيجابي، يؤدي واجبات ويمارس حقوقا، تتبع عمل هذه المؤسسات ومحاسبة أدائها. وحق لكل مؤمن بالديمقراطية ومتطلع إلى تمثيلها في الكلام وفي الممارسة، متابعة خطاباتها بالنقد وبالتحليل، لكشف مدى التزامها بالمبادئ العامة للديمقراطية، وباحترام آلياتها وأساليب تدبرها وتدبير مجتمعاتها. ومدى التزام خطاباتها بمبادئ الصدق وبمعايير التواصل السليم.
وسنهتم في هذه المتابعة، بالكشف عما في الخطاب الحزبي من جنوح، للتنبيه إلى ما قد يكون عائقا أمام تحقيق تواصل سليم يحترم المخاطَب؛ لتتحقق له المصداقية، وليتجنب المتحاورون داخل المجتمع الحزبي ما قد يُحسَب انحرافات أو مغالطات سائدة.
وقد ارتأينا أن ننظر في خطاب يصنفه المتابعون معارضا، ويحبذه منتجوه يساريا. وبمقارنته بالأمثلة السالفة، يبدو أنه خطاب نقدي للخطاب الرسمي ولامتداداته في خطاب المدافعين والموالاة. وقد اخترنا خطاب حزب من هذا اليسار المعارض هو الاشتراكي الموحد لاعتبارات هي:
حزب تشكل في سيرورة توحيدية اندماجية بين مكونات من اليسار المغربي.
يجمع بين النضال الجماهيري والعمل المؤسساتي.
تنص قوانينه على تنظيم اختلاف الرؤى والبرامج في تيارات.
مكون في تحالف ثلاثي الأحزاب، هو فيدرالية اليسار الديمقراطي.
وبهذا، نراه يمثل ظاهرة حزبية مغايرة في الحياة السياسية المغربية، لفتت الانتباه، وحق أن يكون محط
متابعة تحليلية ونقدية.
والمدونة الخطابية التي اخترناها للمتابعة هي:
- وثائق المؤتمر الوطني الرابع (يناير 2018)؛ المجموعة في كتاب صادر عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، في طبعة أولى سنة 1442 ه/ 2001 م. ويتضمن الكتاب أشغال المؤتمر، وأرضية هذا الحزب المصادق عليها نسبة 79.64% من أصوات المؤتمرين، مقارنة ب 16.21% لأرضية اليسارالمواطن والمناصفة، و 4.15% لأرضية التغيير الديمقراطي.
- نماذج من مقالات أعضاء المكتب السياسي الحالي، المؤسسة التنفيذية المنبثقة عن المؤتمر الوطني الرابع.
- نماذج من ندوات مبثوثة عبر قنوات تلفزية ووسائط تواصلية.
وللوقوف على صدقية خطاب هذه المدونة، سنقوم بمقابلة تتداخل فيها: أولا، مقارنة نصوص مختلفة من الخطاب المكتوب. ثانيا، مقارنة الخطاب المكتوب بالخطاب الشفهي المنقول عبر وسائط التواصل. ثالثا، متابعة الإنجاز، باعتبار الخطاب كلاما مصرحا به لغويا وإشارات ومثيرات، يتوخى القيام بأفعال وتحركات. وهو ما يسمح، بعد ذلك بمقارنة الكلام بالممارسة.
مكونات أم تيارات؟
ليس الحديث هنا عن قوانين الحزب الاشتراكي الموحد، الذي ينص نظامه الأساسي على إمكانية نشوء تيارات، في إطار وحدة الحزب وفي احترام تام لقوانينه ومبادئه وأهدافه العامة، إذا حصلت أرضية في مؤتمر أو في مجلس وطني على نسبة 5%. إنما عن حركات وحساسيات سياسية، راكم أغلبها أدبيات ومواقف، قبل ائتلافها في الحزب الاشتراكي الموحد. تبرز، أحيانا تعبيرات وممارسات، ذات صلة بهذا الموروث السياسي والنضالي والتنظيمي، وتنجلي في خطاب الأرضيات وفي التحاليل المبثوثة عبر
منشورات وتصريحات. بقصدية توحيدية أحيانا، أو بدافع الحنين، حين يشتد وجع الحاضر، أو حين يجنح خطاب، أوغِبَّ ممارسة تحسبها أسرة من عائلة الرفاق شرودا عن منطق الأخوّة مُؤلّف الاختلاف. أوتراها عيون إبحارا بمجذاف في محيط أمواجه قد أغرقت سفنا وطوحت بأحلام زاغت عن مشترك النضال.
بعد تجربة اليسار الاشتراكي الموحد، سنة 2002، تشكل الاشتراكي الموحد، في اندماج ثان سنة 2005، من روافد إيديولوجية وتجارب سياسية، جمعت مكونات من اليسارَين الثوري والديمقراطي في مؤتمر الأمل. هي مكونات، في الاصطلاح الحزبي. تنعت، أحيانا، تيارات باعتبار توظيف هذا الوصف في التداولِ الخِطابي بين شفاه وتدوينات:
- منظمة العمل الديمقراطي الشعبي: سليلة منظمة 23 مارس التي انتقلت إلى الممارسة السياسية العلنية بداية الثمانينات، وشاركت في الانتخابات.
وظلت في ارتباط وثيق بحركات اليسار الجذري وفي حوار مع الحركة الإسلامية الرافضة. وفي الوقت ذاته كانت مكونا من مكونات الكتلة الديمقراطية لكنها قاطعت دستور 1996. وظلت تعتمل داخلها أطروحتان: ديمقراطية ثورية وديمقراطية تكتيكية.
وفي المؤتمر الوطني الثالث. وإبان حراك 20 فبراير، رأى مجموعة من هذا المكون الموحِّد، أن الحزب الاشتراكي تماهى مع هذه الحركة بدل توجيهها إلى النضال المؤسساتي. فعمدوا إلى إدماج مجموعة من شبابها الوافدين في تأسيس تيار "اليسار المواطن، وحازت أرضيته على نسبة 18%، مقابل نسبة 82% لأرضية الأغلبية. وظلت أغلبية منظمة العمل ضمن المشترك السياسي بين مختلف المكونات، في أرضية المؤتمر الثالث: الديمقراطية هنا والآن... وفي أرضية الأفق الجديد في المؤتمر الرابع، متمسكة بقوانين الحزب، حريصة على وحدة سياسية. وعلى مسافة مع رغبة من يريد عودة إلى الماضي.
- الديمقراطيون المستقلون: من حركة طلابية يسارية قاعدية، إلى حركة ديمقراطية، وفاعلة في نقاشات التجميع، ثم إعلانها مكونا جديدا في الساحة الحزبية، منذ ملتقاها الوطني العلني سنة 2001، معلنة انتقالها إلى النضال الديمقراطي، وانفتاحها على أحزاب الكتلة وسعيها إلى وحدة يسارية على قاعدة النضال الجماهيري.
وقد كان محمد مجاهد أمينا عاما للاشتراكي الموحد حين لجأ جزء من رفاقه المستقلين وأعدوا أرضية، كان اسم الفقيد أيمن المرزوقيرأس قائمة موقعيها، وهي خط النضال الديمقراطي الجدري، تحضيرا للمؤتمر الوطني الثالث. ثم اندمجت مع غيرها في أرضية الديمقراطية هنا والآن... ضمن سياق حراك 20 فبراير، الذي وحّد أغلبية الاشتراكي الموحد، من منظميين
ومستقلين وحركيين ووفائيين وفبرايريين ومواطنين حزبيين وفعاليات.
وقد اجتمع الديمقراطيون المستقلون، عقب المؤتمر الثالث، على انتقاد تدبير الأمانة العامة للشأن الحزبي، وعلى خطاب رأوه خروجا عن المشترك السياسي. وسحبوا توقيعهم من أرضية الأغلبية في المؤتمر الوطني الرابع. ورغم تحييد هذا المكون من تشكيلة المكتب السياسي، ظل حضوره بينا في قطاعات وفي منظمات شبيبية ونقابية وحقوقية. ومن أحد وجوهها، النائبمصطفى الشناوي، برز
في الآونة الأخيرة انتقاد لقيادة الحزب والفيدرالية في شأن العلاقة بمُمَثّلَيْها في البرلمان.
- الوفاء للديمقراطية: من تيار في الاتحاد الاشتراكي، مقاطع للدستور ومنتقد للمشاركة في الحكومة إلى جمعية سياسية، سعت إلى تخليق الحياة السياسية والحزبية. منفتحة على اليسار المناضل.
كان لها تنسيق سابق مع منظمة العمل، ومع تيارات اليسار الراديكالي في مواقع نضالية مختلفة. رفض، أحد رموزها،محمد الساسي، مقترح الأغلبية المنبثقة عن المؤتمر الثالث، باختياره أمينا عاما، سعيا لإحداث تميز في الحياة الحزبية المغربية بقيادة نسائية. فاقتُرحت نبيلة منيب للأمانة العامة، وإن لم توقع أرضية.
يقترح هذا المكون انفتاح الحزب على كفاءات وفعاليات وديمقراطيين مختلفي المشارب، لبناء الحزب الاشتراكي الكبير. بدا من أحد وجوهه، محمد حفيظ، نقد علني لبيانات صادرة باسم المكتب السياسي،ولبعض مواقف أمينته العامة، وهو نائبها.
- الحركة من أجل الديمقراطية: رغم توزع مناضليها بين أنصار البيئة وحقوق الإنسان، والتحاق جزء آخر بالاتحاد الاشتراكي، بعد تصدع اليسار الاشتراكي الموحد، استمر مناضلون مكونا داخل الاشتراكي الموحد، وبتمثيلية في مكتبين سياسيين، حتى المؤتمر الوطني الرابع، حيث تمثلوا في المجلس الوطني.
مؤمن بالنضال الجماهيري لتغيير موازين القوى لصالح الديمقراطية. وظل جزءا من نسيج الأغلبية، متآلفا مع مختلف مكوناتها التي اجتمعت حول أحد رموز هذه الحركة، محمد العيساوي، ليتحمل
مسؤولية كاتب جهوي لجهة الرباط سلا القنيطرة.
- تعبيرات مدنية: استجابة لشعار وحدة اليسار وتوسيع الأفق الديمقراطي، انتظمت في الاشتراكي الموحد تعبيرات سياسية ذوات تجربة في العملين السياسي والجمعوي. برزت منها تجربة ممارسين سياسيين جمعويين.
من أبرز وجوه هذا المكون الجديد البرلماني عمر بلافريج، الذي ترأس، سابقا، مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد وجمعية وضوح- طموح- شجاعة. واهتم كثيرا بالجانب التواصلي في علاقته بالمواطنين والناخبين. وقد لوحظ تركيز وسائط الإعلام على اختلافات، في الخطاب وفي السلوك السياسي، بينه وبين الأمينة العامة.
ويركز هذا المكون المتنوع على ضرورة الانفتاح وتمكين الشباب من المسؤوليات، وعلى عصرنة آليات العمل السياسي وتجديد خطابه، كما يرى تسريع اندماج مكونات الفيدرالية وفاء بالتزام سياسي أمام الرأي العام والمواطنين. ومن جيل الشباب الجديد، اختارت هيئة الفيدرالية بالرباطعمر الحياني وكيل لائحتها للانتخابات الجماعية بمقاطعة أكدال الرياض.
- أرضية التغيير الديمقراطي: لم تتمكن هذه المجموعة من الحصول على نسبة تشكيل تيار. وتعتبر أن الحزب الاشتراكي الموحد حاد عن النهج الاشتراكي، وعوض النضال الثوري باستراتيجية نضال ديمقراطي.
وجاء في متن هذه الأرضية، المقدمة إلى المؤتمر الرابع، أنه حزب ماركسي اشتراكي منفتح على اجتهادات لا تناقض هذا الأساس. وتدعو الأرضية إلى التحالف مع حزب النهج ومع فيدرالية اليسار، وخطابها ضد تحالف مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، كما ينشر قائدها حميد مجدي، صاحب كتاب أوهام الاندماج.
(يُتبع)