حبلت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 بأجهزة ومؤسسا ت للحكامة الجيدة، والمؤطرة ضمن بابه الثاني عشر. والمهيكلة تحت العناوين التالية:
أولا: تذكير بالمقتضيات الدستورية لأجهزة ومؤسسا ت للحكامة الجيدة
1ــ هيئـات حمايـة حقـوق الإنسـان والنهـوض بهـا(الفصـول من 161إلى 164 )، وتهم :
ـالمجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال.
ـ الوسيط (وسيط المملكة) مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية.
ـ مجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي يبدي الرأي حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه.
ـ الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، التي تسهر، على احترام الحقوق والحريات المنصوص عليها في نفس الفصل المذكور، مع مراعاة الاختصاصات المسندة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
2 ـ هيئـات الحكـامـة الجيـدة والتقنيـن(الفصـول من 165إلى167 ).وتشمل الهيئات التالية:
ـ الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التي تسهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري، وذلك في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة.
ـ مجلس المنافسة ، وكهيئة مستقلة، فتتكلف ، في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة ،بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.
ـ الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وتناط بها على الخصوص، مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة.
3ـ هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية (الفصـول من 168إلى 170 ). وتطال المجالس الموالية:
ـ مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.، وهو بمثابة هيئة استشارية، مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التعليم والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وتسييرها. كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال.
ـ المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، واختزلت مهمة تأمين تتبع وضعية الأسرة والطفولة، وإبداء آراء حول المخططات الوطنية المتعلقة بهذه الميادين، وتنشيط النقاش العمومي حول السياسة العمومية في مجال الأسرة، وضمان تتبع وإنجاز البرامج الوطنية، المقدمة من قبل مختلف القطاعات، والهياكل والأجهزة المختصة.
ـ المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، وله دور استشاري في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية. وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين، وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي، يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح المواطنة المسؤولة.
و بعد التذكير بالمقتضيات الدستورية ذات الصلة بالمؤسسات والأجهزة المذكورة، يسترعي الانتباه ،وعلى سبيل المثال، بعض الأحكام التشريعية ذات الامتداد الدستوري(القوانين التنظيمية)، ومنها بالأساس تلك المهيكلة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والتي تفتقر للحكامة التشريعية.
ثانيا: المجلس الأعلى للسلطة القضائية و مؤسسات الحكامة الجيدة " التشويش التشريعي".
1 ـ المجلس الأعلى للسلطة القضائية وحالات التنافي
تناولت مقتضيات الفصل 115 من الدستور مسألة تأليف المجلس الأعلى للسلطة القضائية،كما سبق الذكر، و التي أكدتها وطابقتها أحكام المادة السادسة من القانون التنظيمي رقم 13-100 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و حسب المادة الثامنة من هذا الأخير، فلا يجوز الجمع في عضوية المجلس الأعلى للسلطة القضائية ،بالنسبة للشخصيات المعينة من لدن الملك، وبين الانتماء أو العضوية في الحكومة أو البرلمان(المنافية لمبدأ السلط)، أو المحكمة الدستورية، أو المجلس الاعلى للحسابات أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ،أو كل هيئة أو مؤسسة من الهيئات أو المؤسسات المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور.بالإضافة إلى حالات أخرى من حالات التنافي.
2 ـ تأطير حالات التنافي و التشويش التشريعي
تثير مقتضيات المادة 8 من القانون التنظيمي رقم 13.100 بعض التساؤلات، فالإحالة على الهيئات أو المؤسسات المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور، لا تهم مباشرة هاته المؤسسات ،بل تطال حتى المبادئ العامة للحكامة الجيدة(الإنصاف في تغطية التراب الوطني، الاستمرارية في أداء الخدمات، معايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، ميثاق للمرافق العمومية...)، والمؤطرة بموجب الفصول من 154 إلى 158، والمندرجة ضمن الباب الثاني من الدستور. بيد أن الهيئات أو المؤسسات المعنية بحالات التنافي فهي المعنية بالفصول من 161 إلى 170 ،وعددها 10 مِؤسسات، وهي المذكورة أعلاه). فلماذا حشر الفصول من 154 إلى 158 ضمن حالات التنافي، والإحالة بالتالي على الباب الثاني برمته، و الذي يضم 18 فصلا، بيد أن المؤسسات المعنية هي تلك المؤطرة فقط ب 10 فصول.. فهل هو ضغط السرعة والإكراه، والارتكان إلى التعميم ؟ بينما كان المشرع دقيقا بعض الشيء، و هو يتناول حالات التنافي المنصوص عليها بموجب المادة 9 من القانون رقم 12 .113 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. إذ تتنافى العضوية في مجلس هاته الهيئة مع العضوية في الحكومة أو مجاسي البرلمان، أو المحكمة الدستورية، أو في الهيئات أو المؤسسات المنصوص عليها في الفصول 161 إلى 170. فيبدو أن هذا القانون التنظيمي الأخير صادر قبل الأول، وكان بالأحرى أن يقتدي اللاحق ( الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6456 في 14 أبريل 2016)بالسابق(الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6374 في 2 يوليوز 2015)، أو يختلف عليه في تحري الدقة و الوضوح ،لا تقنين الغموض والالتباس(التشويش التشريعي). هذا من جهة أخرى، فما معنى إقرار عضوية الوسيط و رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ضمن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بحكم القانون، وبشكل تحكمي (الفصل 115 من الدستور و المادة 6 من القانون التنظيمي رقم 13-100 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية )، وفي ذات الآن التنصيص على عدم الجمع في عضوية المجلس بالنسبة للشخصيات المعينة من لدن الملك، و عضوية كل هيئة أو مؤسسة من الهيئات أو المؤسسات المنصوص عليها في الباب الثاني عشر من الدستور،( والتي من ضمنها الوسيط و رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، وحتى إذا تم التسليم بأن حالة التنافي تطال الشخصيات المعينة من لدن الملك، فإن عمومية المادة الثامنة المذكورة أعلاه لا نتساهم إلا في" التشويش التشريعي"، والتي تجاهلها حتى قرار المجلس الدستوري رقم 16/991 في 16/1473 بمناسبة مراقبة وفحص مدى دستورية القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.