توصل موقع "أنفاس بريس" برد من محمد كريم، أستاذ مؤهل بكلية الحقوق بسطات، على مقال "أي انحراف للموظف عن خدمة الإدارة يؤسس لجريمة اللصوصية" من توقيع محمد خمريش، أستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق بسطات، المنشور بالموقع يوم 15 غشت 2017، معتبرا أن المقال يتضمن "سبا وقذفا واتهامات باطلة" تمس شخصه وكرامته. وبما أن "أنفاس بريس" ينشر "الرأي" و"الرأي الآخر"، فإننا ننشر في ما يلي رد ذ.محمد كريم بدون زيادة ولا نقصان؛ مع الاشارة إلى أننا توصلنا بالرد مرفوقا بنسخة من الحكم القضائي الذي انتصر للأستاذ محمد كريم:
"نشر موقع "أنفاس بريس" بتاريخ 15 غشت 2017 مقالا تحت عنوان "أي انحراف للموظف عن خدمة الإدارة يؤسس لجريمة اللصوصية"، لصاحبه محمد خمريش، الأستاذ بكلية الحقوق بسطات.
وحيث وردت في هذا المقال الذي يعنيني بشكل مباشر كثير من المغالطات والافتراءات التي لا تمت للحقيقة والواقع بصلة، فإن الأمر يتطلب الرد عليها وفق ما يقتضيه القانون وأعراف الانتصار للحقيقة في هذا النطاق. وبصرف النظر عن عدم ذكري بالاسم، فانه من السهل معرفة أنني أنا المقصود بما تضمنه المقال السالف الذكر، نظرا لأن الحكم الإداري موضوع تعليق السيد محمد خمريش، والقاضي بإلغاء قرار العزل من سلك التعليم العالي، يخصني وتتقاطع حد التطابق في بعض جوانبها كليا بعض الإشارات مع وقائع وحيثيات الحكم الصادر لصالحي من طرف المحكمة الإدارية بالدار البيضاء. ولئن كان من حق صاحب التعليق التعبير عن وجهة نظره، فانه كان من المفروض أن لا يستغل غطاء التعليق على حكم قضائي لإهاننتي وللنيل من كرامتي والمس بشرفي. وفي تقديري المتواضع كان لزاما أن يستحضر الحدود الدنيا المؤطرة لأدب مهاجمة الخصوم طبقا لقاعدة "العداوة ثابتة والصواب يكون". وفي كل الأحوال إن كان إبداء وجهة النظر وتقييم حكم قضائي عملا مشروعا بل ومطلوبا، فإن ذلك لا يعفي من الالتزام بالحياد المعرفي عبر أخذ المسافة اللازمة من موضوع التعليق وطبيعة العلاقة مع المعني به، بعيدا عن القراءة الغرائزية، العدائية، الانتقامية، ومن ثم صياغة تعليق على حكم مسطر بمداد الكراهية البدائية والعدوانية الرخيصة ما ظهر منها وما بطن.
تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن كل مقومات ومستلزمات التعليق على الأحكام القضائية المتعارف عليها أكاديميا غائبة كليا، عن جهل أو عن جبن أو ربما عنهما معا، بدءا بتغييب ذكر البيانات الأساسية المتمثلة في رقم الملف ورقم الحكم وتاريخه والجهة المصدرة له والأطراف المتنازعة المعنية به، وانتهاء بتقييم الحكم قانونيا وفقهيا، ومرورا طبعا ببسط الوقائع والحيثيات...الخ.
في هذا الإطار:
- يزعم صاحب التعليق أنه من خلال إطلاعه شخصيا على وثائق الملف وعلى جميع المستندات الثبوتية المدلى بها، الخ، أن حكم المحكمة الإدارية القاضي بإلغاء قرار العزل الصادر لصالحي خالف القانون وجانب الصواب، والحال أن الأجدر به، منهجيا وأخلاقيا، كان هو الاطلاع أولا على الحكم لتفادي اجترار الترهات والتفاهات، لأن ما ورد في التعليق مجرد تخيلات وتخمينات وأوهام وما يشبه خواطر لا علاقة لها بتاتا بمضمون وتعليل الحكم. فهل يعقل يا ترى أن يغامر شخص عاقل بالتعليق على قرار لم يطلع عليه أصلا؟
- يدعي صاحب التعليق على القرار أن المحكمة تجاهلت إثارة صواب القرار المركزي الصادر عن وزير التعليم العالي والقاضي بإعفائي "وهو القرار المرتكز على سبب صحيح من الواقع والقانون"، والحال أن قرار العزل (وليس الإعفاء)، بصرف النظر عن الجدل حول مدى ارتكازه على سبب صحيح من عدمه، موقع بدون تفويض قانوني من طرف السيد الكاتب العام لوزارة التعليم العالي، مما يشكل اغتصابا للسلطة وسببا موجبا للإلغاء. ذك أن المرسوم عدد 768 - -05 - 2 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2008 بخصوص تفويض الإمضاءات نص في المادة التاسعة منه على وجوب تضمن قرارات التفويض في الإمضاء اسم أو أسماء المفوض لهم والوثائق التي يشملها التفويض، على اعتبار أن السيد وزير التعليم العالي لم يفوض للسيد الكاتب العام للوزارة (قرار عدد 15. 1278 بتاريخ 14 أبريل 2015) بأي شكل من الأشكال حق التدخل في مجال تحريك المسطرة التأديب التي يؤطرها الفصل 65 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالقرار قضى بعزلي وليس بإعفائي، لأن هناك فرق شاسع بين الإعفاء والعزل على مستوى المس أو عدم المس بالمركز القانوني، ومن ثم على مستوى حق الطعن بالإلغاء من عدمه. وبالتالي وجب ضبط المفاهيم القانونية الأساسية وامتلاك الحس القانوني قبل خوض مغامرة التعالم غير المحسوب العواقب.
- يدعي صاحب التعليق أن مسطرة عزلي تقيدت بجميع الضمانات التأديبية الجاري بها العمل، والحال أنه لو اطلع فعلا على الملف التأديبي من جهة وعلى الملف القضائي من جهة ثانية، بما في ذلك المقال الافتتاحي لأدرك أن ما أثرته من دفوعات ووسائل أسست بناء عليها طلبي في إلغاء قرار العزل، يشير بشكل صريح إلى تعنت الإدارة وامتناعها خلال المرحلتين الإدارية والقضائية عن مدي بوثائق ومستندات تخصني طلبتها منها من خلال وضع طلبات عادية تارة وعن طريق مفوضين قضائيين تارة أخرى، دون أن تعيرها في جميع الأحوال أدنى اهتمام. ومن بين هذه الوثائق والمستندات على سبيل المثال لا الحصر هناك التقرير الذي فبركه ضدي عميد الكلية ورئيس الجامعة والذي على أساس ما ورد فيه من تهم مقززة تقرر توقيفي عن العمل واحالتي على المجلس التأديبي من جهة، ثم هناك قرار توقيفي عن العمل وقرار عزلي واللذان لم أتوصل بنسخ منهما إلى اليوم من جهة ثانية. وبالمناسبة وجب التذكير أن الإدارة امتنعت عن مدي بنسخة من قرار عزلي وفي نفس الوقت طعنت في قانونية الطعن بإلغاء قرار العزل أمام المحكمة الإدارية على اعتبار أنني أدليت للمحكمة فقط بالإشعار بعقوبة العزل وليس بقرار العزل الذي لم اتوصل به. وهذا في حد ذاته يشكل مخالفة صريحة لقانون الوظيفة العمومية (الفصل 72) ولقانون المسطرة المدنية الذي ينص في المادة الخامسة منه على وجوب التقاضي بحسن نية. وعلاوة على ما سبق ذكره أدلى ممثل جامعة الحسن الأول بوثيقة مزورة تمت محاصرته بحقيقتها فاضطر للاعتراف بوجودها. فهل يمكن هكذا بجرة قلم تقديم شهادة حسن السيرة والسلوك لإدارة غارقة في الاستبداد والجهل بالقانون؟
- يدعي صاحب التعليق أن المحكمة جانبت الصواب حينما استبعدت وثيقة حاسمة في الملف تفيد بما لا يدعو مجالا للشك، حسب زعمه، وجودي في حالة تلبس بممارسة أنشطة تجارية مدرة للدخل، مما يشكل، حسب زعمه دائما، "خرقا سافرا للقانون يدخل في إطار السرقة واللصوصية الممنهجة للاعتداء على المال العام ويندرج في عموميتها"، والحال أن المحكمة لم تستبعد أي وثيقة بعينها، والبينة على من ادعى.
- يدعي صاحب التعليق أن الترخيص المدلى به للمحكمة غير قانوني لأن القانون، حسب زعمه، يمنع ويجرم بشكل صريح واقعة الجمع بين المهام، والحال أن إمكانية الترخيص منصوص عليها بشكل صريح من خلال ما ورد في الفصل 15 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على الشكل التالي: "ممنوع على كل موظف أن يمارس بصفة مهنية أي نشاط يدر عليه مدخولا، ولا يمكن مخالفة هذا المنع إلا بموجب استثنائي وبموجب مقرر يتخذه، لكل حالة على حدة الوزير الذي ينتمي إليه الموظف المعنى بالأمر، بعد موافقة رئيس الوزارة. ويبقى هذا المقرر المتخذ بصفة مؤقتة قابلا للإلغاء لصالح الإدارة".
وفي حالة الأساتذة الباحثين فإنه تطبيقا لرسالة الوزير الأول، عدد 760 الصادرة بتاريخ 07 أبريل 2003 الموجهة للسيد وزير التعليم العالي والمتعلقة بالجمع بين المهام والأنشطة الحرة (مهام الاستشارة والخبرة والتدريس في مؤسسات خصوصية)، خول لرؤساء الجامعات حق البت في طلبات الترخيص المقدمة من طرف الأساتذة الباحثين. في هذا الإطار حظي طلب الترخيص الذي تقدمت به بموافقة السيد رئيس الجامعة، ومن ثم فإن المحكمة ارتأت أن الترخيص الذي أدليت به ترخيص قانوني من جهة، وأن الإدارة لم تدلي من جهة ثانية بما يخالف ما التزمت به من تعهدات ممثلة في "الاستمرار في مزاولة مهامي وعدم الاخلال بواجباتي الوظيفية" و"عدم المس باستقلالية المرفق الذي انتمي إليه" وبـ"حصر المهام الاستشارية في موضوع وفترة محددين" وبعدم تحويل هذه المهام إلى وظيفة موازية قارة" .
- يدعي صاحب التعليق أن الترخيص بالجمع بين المهام باطل على اعتبار كونه غير موقع من طرف رئيس المؤسسة، والحال أن مذكرة السيد الوزير الأول بهذا الخصوص لم تتطرق أبدا لتوقيع رئيس المؤسسة وإنما جعلت الترخيص، حكرا على رئيس الجامعة دون أن يقاسمه في ذلك أي شخص آخر. وعلاوة على ذلك لم تقترح ذات المذكرة نموذجا خاصا ملزما لطالبي الاستفادة من الترخيص يفرض عليهم التقيد بشكلياته.
- يدعي صاحب التعليق أنني جمعت بين الوظيفة العمومية و"الأعمال التجارية" لمدة ليست بقصيرة "يمكن توصيفها بجريمة مستمرة في الزمان والمكان". لذا ومن أجله ينبغي في هدا الإطار، ورفعا لكل لبس أو التباس، الإشارة إلى ضرورة التمييز بين ممارسة التجارة الصرفة وممارسة مهنة حرة تتخذ في هذا الإطار، دون حصر للائحة، شكل تقديم استشارة جبائية أو محاسباتية أو انجاز دراسة مشروع، أو تشخيص وضعية أو تقييم استراتيجية/ برنامج/سياسة معينة، الخ. وممارسة هذه المهنة الحرة، بشكل مؤقت طبعا، هي القابلة للاستفادة دون سواها من الترخيص للجمع بين المهام. كما تجدر الإشارة كذلك أن طلب الترخيص الذي تقدمت به حضي بموافقة السيد رئيس الجامعة بتاريخ 20 أبريل 2010 ولم أبدأ رسميا في ممارسة الجمع بين المهام إلا بتاريخ فاتح شتنبر 2010 بعد انقطاع لمدة ثلاث سنوات، علما أن ممارستي تتم في إطار شركة محدودة المسؤولية تم تأسيسها سنة 1993، وعلما كذلك أن كوني مساهما رئيسيا في رأس مال هذه الشركة لا يعني بالضرورة أنني كنت دائما مشرفا على إدارتها وتسييرها والتوقيع باسمها، وعلما أخيرا أن القانون لا يمنع الموظف من امتلاك رأس مال شركة كليا أو جزئيا لأن حق الملكية الفردية حق دستوري لا يجال فيه إلا أمي. وبالتالي، فجمعي بين المهام، حسب ما صرحت به الحكمة، تم في احترام تام للقانون ولالتزاماتي البيداغوجية والإدارية.
- يدعي صاحب التعليق أن تشديد العقوبة من قبل رئيس الحكومة من خلال رفعها ( من الحرمان من الأجرة لمدة خمسة أشهر إلى عقوبة العزل) تبرز بالملموس خطورة الأفعال المرتكبة، دون أن يسرد لنا السيد المعلق هذه الأفعال الخطيرة المنسوبة لي من جهة، ودون أن ينتبه إلى أنه يسلم بشكل ضمني من جهة ثانية أن السيد رئيس الحكومة (المعزول حقيقة) كان رجل دولة لا يشق له غبار في مجال التشبث باحترام القانون ولا شيء غير القانون، على اعتبار أن قراره القاضي، في ظروف مشبوهة لا مجال لذكرها الآن، بالموافقة على تشديد العقوبة انبنى على أسباب تم استبعادها من طرف اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المنعقدة بمثابة مجلس تأديبي بعد أن تراجعت الإدارة عنها. كما أن الإدارة في كل مراحل النزاع لم تقيم الدليل على صحة الأفعال المنسوبة لي لا أمام اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء ولا أمام المحكمة الإدارية أثناء البحث الذي تطلب حوالي 5 أشهر وما واكب ذلك من مذكرات وجلسات ومواجهات تكسرت فيها النصال على النصال.
- يستشهد صاحب التعليق بما وقف عليه المجلس الأعلى للحسابات في تقريره المؤقت وغير العلني، وليس التقرير السنوي خلافا لما يعتقد صاحب التعليق، من وجود حالات للجمع خارج سياق الاستشارة والخبرة يجرمها القانون ، وقد كان الأجدر به في تقديري أن يمتلك الشجاعة ولو لمرة ليفضح حالات الجمع غير القانونية الجاري بها العمل على الأقل على مستوى كلية الحقوق بسطات ويذكر لنا أسماء من يتوفر على الترخيص من بين الجامعين والجامعات ومن ضمنهمم أصحاب وكالات الأسفار وأصحاب المطابع والأدوات المكتبية وبائعي الخشب وبائعي التبن والمضاربين في الأعلاف، وبائعي الإجاص، وسماسرة السيارات، الخ. وفي هذا الإطار يسعى صاحب التعليق، وبشكل مفضوح، إلى إيهام القارئ أن قرار معاقبتي تم فقط لأنني كنت أجمع بين المهام وليس لأهداف شخصية أو انتقامية.
- يدعي صاحب التعليق أن حكم المحكم الإدارية اتسم بنقصان التعليل الموازي لانعدامه لأنه، حسب زعمه، لم يكن معللا تعليلا صحيحا...الخ، والحال أن قول مثل هذا الكلام يشكل قمة الوقاحة والسخافة والكذب والعبث والدناءة، لأنه لا يمكن لمن لم يطلع على الحكم موضوع التعقيب أن يسمح لنفسه بترويج مثل هذه الادعاءات والخرافات.
- يعبر صاحب التعليق عن خيبة أمله لكون المحكمة لم تلغي قرار العزل فحسب، وإنما لم تعمل كذلك على مطالبتي بإرجاع ما تقاضيته من أجرة طيلة مدة الجمع بين المهام، وهي الأجرة التي يعتبرها صاحبنا أموالا متحصل عليها عن طريق النهب. كنت سأتفق مع صاحب التعليق على فكرة ضرورة إرجاع الأموال لأصحابها الشرعيين بما فيهم الطلبة الذين يجبرهم بعض أشباه الأساتذة على اقتناء مطبوعاتهم/خردتهم لاجتياز الاختبارات الشفهية بسلام، لو أدلى بما يفيد أنني كنت أستاذا شبحا أو أستاذا غشاشا، سارقا للحصص، أو متاجرا في بيع ومقايضة النقط والديبلومات، أو مسؤولا مستغلا بفضل الريع الحزبي للسكن الوظيفي بدون وجه حق، أو بدون وضع عدادين خاصين للماء والكهرباء ، أو مسؤولا يستفيد من تعويضات مقنعة وغير قانونية كما يستفيد في تنقلاته المنزلية من البنزين ومن استبدال قطاع الغيار لسيارته وسيارة حرمه على حساب المال العام، أو أستاذ يستفيد من صفقات عمومية مبرمة مع المؤسسة والجامعة التي ينتمي إليها في تعارض تام مع مبدأ تعارض المصالح، الخ. أما في حالتي فأتحدى أي كان أن يعثر على أثر لأي استفادة حصلت عليها، حتى ولو كانت في شكل استهلاك سندويتشات أو قنينات ماء معدني أو كبسولات قهوة، سواء لما كنت نائبا للعميد أو مكلفا بمهمة، أو في شكل ساعات إضافية، أو بطائف سفر، الخ، بصفتي المجردة كأستاذ. بل الأكثر من ذلك فقد تخليت وبشكل مكتوب عن الاستفادة من أي تعويض أو مقابل حتى لا تصادر حريتي واستقلاليتي وحتى أستطيع قلب الطاولة دون تردد ولا خشية أي كان. وهذا ربما ما يزعج الكثيرين من في بطونهم العجين.
وفي جميع الأحوال على صاحبنا أن يعلم أن المحكمة لن تطالبني عكس ما كان يأمل ويمني به النفس بإرجاع ما تقاضيته من أجرة، بل ستحكم لي بحول الله وقوته بالتعويضات عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بي سواء من خلال إثارة المخالفات ذات الطابعي المرفقي أو سواء في إطار إثارة الخطأ الشخصي لكل من سولت له نفسه المس بحقوقي وبحريتي وبكرامتي.
- يدعي صاحب التعليق أن العمر الافتراضي للترخيص، بصرف النظر عن قانونيته من عدمها، محصور في سنة جامعية، والحال أن مذكرة السيد الوزير الأول رقم 760 المشار إليها أعلاه لم تحصر مدة الترخيص في سنة فقط إلا فيما يخص طلبات الترخيص التي يتقدم بها الأساتذة من اجل السماح لهم بالتدريس في مؤسسات خصوصية إلى جانب اشتغالهم كموظفين عموميين في مؤسسات عمومية.
- يدعي صاحب التعليق أن إلغاء قرار العزل تم فقط بفضل قبول المحكمة للدفع بانعدام الصفة في التقاضي (بالنسبة لجامعة الحسن الأول وكلية الحقوق)، والحال أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصدرة قرار العزل، نصبت منذ بداية مسطرة التقاضي نفسها طرفا في النزاع. وبالتالي، كان من العبث القول بأن إلغاء قرار العزل إنما اتخذ فقط لوجود عيب شكلي يتمثل في غياب الصفة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمحكمة من خلال التأسيس لحكم الإلغاء لم تتطرق أبدا وبأي شكل من الأشكال لمسألة انعدام الصفة. وبالرجوع إلى الحكم موضوع التعليق فالمحكمة ألغت قرار العزل لأربعة أسباب وجيهة تتمثل في:
- عيب الاختصاص، نظرا لأن قرار العزل تم توقيعه من طرف الكاتب العام للوزارة دون أن يتوفر على التفويض القانوني اللازم من طرف وزير التعليم العالي؛
- عيب السبب، لأن المحكمة اعتبرت أن الجمع بين المهام كان جمعا قانونيا مسنودا بترخيص كامل المعالم وأن الإدارة لم تدلي بما يفيد عدم تقيدي بالتعهدات التي التزمت بها حينما التمست الترخيص لي بالجمع بين المهام. وبخصوص باقي التهم فقد أصبحت وكأنها لم تكن بسبب تراجع الإدارة عنها.
- عيب مخالفة القانون، لان المحكمة اعتبرت أن اعتماد الإدارة في تبريرها لتشديد العقوبة التأديبية على أسباب تم استبعادها بمناسبة انعقاد المجلس التأديبي يشكل عملا مخالفا للقانون وللضوابط التأديبية في مجال الوظيفة العمومية. وللتذكير فعميد الكلية ومعه رئيس الجامعة كانا قد أنجزا تقريرا ضدي يتضمن تهما خطيرة (تحريض الطلبة ضد أساتذة ومسؤولين، استغلال المحاضرات لكيل الانتقادات والسب والشتم في حق اساتذة ومسؤولين واقتحام بالقوة لجنة مناقشة الماستر وفرض حضور باللجنة، إضافة إلى مزاولة أنشطة تجارية بالموازة مع مهام التدريس)، تقرر، على اثر ما بلغ إلى علم السيد وزير التعليم العالي بخصوصها، توقيفي عن العمل وإحالتي على المجلس التأديبي. لكن تم التراجع عنها أثناء انعقاد المجلس التأديبي.
- عيب عدم التناسب، لأن المحكمة اعتبرت أنه وبصرف النظر عن عدم صحة الوقائع المنسوبة لي فإن عقوبة العزل تشكل عقوبة مبالغا فيها بحكم خلو ملفي من كل ما من شأنه ادعاء ارتكابي لأي اخلالات في إطار أداء مهامي.
وبالمناسبة أثير انتباه صاحب التعليق إلى أن مجال المعرفة العلمية، في غياب حس علمي لدى من يفترض أنه رجل علم، تتربص به من كل الجوانب موانع ابستيمولوجية ومخاطر محدقة حذر بعض الكبار من أمثال "باشلار" و"بورديوه" و"فيبير" و"بوبير"...الخ، من السقوط في فخاخها. وتأسيسا عليه يفرض الحس العلمي عدم إغفالها عبر وضع مسافة فاصلة كافية من أجل اتقاء شر تشويشها على "الحقيقة"، بدء برفض الركون لأحكام القيمة أو الأحكام المسبقة أو التحول إلى مفتي أو إلى معارض سياسي أو شيخ باحث عن استقطاب المريدين، الخ.. وهذه المبادئ تجاوزت على المستوى العملي طبعا نطاق الترف الفكري لتقتحم قلاع مجالات اجتماعية أكثر تجسيدا للواقع. ففي المجال القضائي مثلا تمت أجرأتها من خلال الإقرار بحق الدفاع وبضرورة تقديم وسائل الإثبات، وبجعل وضع البراءة هو الأصل وتكريس حق التجريح في القضاة واستبعاد بعض الشهود، الخ، للبحث عن الحقيقة وللانتصار لها. لذا فالانحياز والاصطفاف والقفز على الوقائع تنسف الحقوق وقيم العدل والإنصاف وترسخ للانتقام وتصفية الحسابات.
من هذا المنظور يبدو أن صاحب التعلق انسلخ كليا عن هذه الإشراطات والضمانات النبيلة، غير مكثرت ولا مبالي بثوابت ومقدسات ودعائم المعرفة العلمية متمثلة في احترام الأمانة العلمية واستحضار التجرد ومراعاة الموضوعية وقول الحقيقة مهما كانت مزعجة.
بقي أخيرا أن أشير إلى مسألتين أساسيتين:
المسألة الأولى تتعلق بواقعة تكالب إدارتين جامعيتين ومدافعين رسميين وغير رسميين ومستشارين من مختلف المشارب ومكلفين بمهام ومديرون مركزيون وكاتب عام لوزارة ووزير ورئيس حكومة وحزب سياسي ومنظمات موازية ومنتخبين وطفيليين ومتملقين ومرتزقة، وفي نهاية المطاف رجع الجميع بخفي حنين. وبالتالي، فمن الغباء مراهنة صاحب التعليق، ومن ثم مراهنة ولي نعمته، على تعليق أعرج مهزوز شكلا ومضمونا لطمس الحقائق وتغيير مجرى الأحداث.
2- المسألة الثانية تتعلق بكوني قبلت إلى حد ما ونسبيا بصدر رحب مناقشة المغالطات التي وردت في هذا التعليق وتصويبها ما أمكن، إلا أنني قررت عدم الرد في هذا الإطار على اتهامات متهورة ومجانية وطائشة من قبيل أن ممارستي لأنشطة مدرة للدخل "تدخل في إطار السرقة واللصوصية الممنهجة للاعتداء على المال العام"، وذلك لسبب بسيط يتعلق بكون هذه الاتهامات تجاوزت اللباقة لتمس بسمعتي وشرفي ومصداقيتي أمام عائلتي وأصدقائي وطلبتي ومعارفي والشرفاء من زملائي، وبالتالي تحولت إلى جرائم قذف وسب وإهانة يجرمها القانون. ولأن هذا التعليق، الذي ليس له من التعليق إلا الاسم، تجاوز أدبيات التعليق على الأحكام القضائية، فستكون له حتما تبعات قضائية وفقا لفصول القانون الجاني ومقتضيات القانون 13-- 83 المتعلق بالصحافة والنشر. إنها مسألة وقت فقط، والوقت يعرف جيدا لصالح من يلعب".