حميد النهري: ظاهرة الهجرة بالمغرب أخذت منحى خطيرا وتقتضي معالجة عملية ومسؤولة!!

حميد النهري: ظاهرة الهجرة بالمغرب أخذت منحى خطيرا وتقتضي معالجة عملية ومسؤولة!! الدكتور حميد النهري

مازالت تداعيات الأزمة بين الرباط ومدريد تلقي بظلالها على النقاشات العمومية في البلدين، وكان آخرها تدخلات نواب البرلمان خلال جلسة الأسئلة الاسبوعية بمجلس النواب ليوم الاثنين 24 ماي 2021 التي ركز أغلبها على مأساة الهجرة غير الشرعية التي عرفتها مدينة سبتة المحتلة، حيث حمل النواب المسؤولية في هذه المأساة للحكومة التي ردت بأن هذه الانتقادات الموجهة لها في هذه القضية ما هي إلا تسخينات انتخابية. في هذا السياق أجرت «أنفاس بريس» و«الوطن الآن» الحوار التالي مع الدكتور حميد النهري، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بطنجة:

 

ما تعليقك حول عملية بث عدد كبير من الصور والفيديوهات من طرف بعض وسائل الاعلام الأوروبية المرئية والورقية، وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي توثق لتدفق مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين تجاه سبتة؟

بداية نسجل أن هناك إجماعا على أن هذه الصور والفيديوهات تم استعمالها من طرف البعض أسوأ استعمال، وتمت فبركة بعضها من أجل الإساءة للمغرب، وانطلاقا من احساسنا الوطني لابد أن ندين ذلك.

لكن من جهة أخرى، وحتى نكون موضوعيين، يجب أن نعترف بأن بعضها يؤكد لنا بوضوح أن ظاهرة الهجرة أصبحت خطيرة وتهدد السلم الاجتماعي، لذلك تقتضي اليوم المعالجة الجريئة.

فعندما نجد الشوارع ممتلئة بعدد كبير من المواطنين من جميع الفئات، شبابا قاصرين نساء -ولا أتكلم هنا عن المهاجرين الأجانب من جنوب الصحراء-ولكن ما أقصده المغاربة من مختلف الأعمار ذكورا وإناثا الراغبين في الهجرة، وهم يتحركون في مسيرات حاشدة رافعين شعارا وحيدا هو الهجرة إلى الضفة الأخرى، كيف ما كانت الأحوال خير من البقاء في المغرب.

هنا في الحقيقة يجب أن نتوقف ونعيد حساباتنا بشكل شامل، لأننا أمام ظاهرة مروعة أصبحت تهدد مجتمعنا، ويجب على الجميع أن يتحمل مسؤوليته في معالجتها.

من يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع إذن؟

المسؤولية متعددة الأطراف كلنا مسؤولين على وصول التفكير لدى فئات عريضة من المواطنين بان ترمي بنفسها الى التهلكة وتختار الهجرة عوض ان تبقى في الوطن.

الدولة من خلال سياسات الحكومات المتعاقبة والتي تعتمد شعارا واحدا هو التضحية بالجانب الاجتماعي واهتمامها بالجانب الاقتصادي القائم على الريع سياسة كرست اللامساواة الفقر الفساد.

كما أن الأحزاب السياسية أغلبها لا تقوم بوظيفتها الحقيقية في تأطير المواطنين وتكوينهم، لذلك فاهتمامها منصب فقط على الانتخابات والتحكم في مصير الشعب وتحديده من خلال الاتفاقات داخل الغرف المغلقة. وبهذه الممارسات تزيد في تكريس العزوف السياسي حتى نصل يوما ما إلى أننا نجد نسبة المشاركة السياسية في مستوى مهين.

ومن جهة أخرى، فالمجتمع المدني أغلب هيئاته أصبحت فضاء لتكريس ثقافة الريع والمحسوبية والفساد دون الاهتمام بالمطالب الحقيقية للمواطنين.

وقد تعرضت الأسرة المغربية في هذا الإطار لضربات متتالية من خلال تعاقب السياسات اللااجتماعية للدولة حتى أجهزت عليها تداعيات جائحة كورونا التي أوصلت الأسرة، خصوصا المصنفة في الطبقات الاجتماعية الهشة إلى مستويات غير مسبوقة وتنذر بخطر تهديد السلم الاجتماعي.

وعلى مستوى المدرسة، كانت الكارثة العظمى، حيث أعطتنا السياسة التعليمية المُنْهَجة تعليما ازدواجيا وتمييزيا بين الفقراء والأغنياء خلف لنا -للأسف-أجيالا معطوبة لا تستطيع مواكبة التطور الذي يعرفه العالم، أجيالا محدودة العلم والمعرفة يسهل استغلالها والتحكم فيها.

هذه السياسة عرتها جائحة كورونا، وعلينا الاعتراف بكل صراحة بأننا مازلنا لم نستطع أن نوفر سياسة تعليمية عادلة لجميع المواطنين.

إذن، الإجابة عن هذه الأسئلة في الحقيقة معروفة لدى الجميع، وبالتحديد علينا فقط امتلاك الجرأة والمسؤولية لمناقشتها ومعالجتها وتفادي منطق التعويم داخل الإشكالات العامة.

ما فتيء بعض المسؤولين المغاربة تحميل المسؤولية كاملة في الأزمة للحكومة الإسبانية، كما صرح بذلك وزير الدولة في حقوق الإنسان الذي طالب بأن تراجع إسبانيا نفسها وسياستها. فإلى أي حد كانت الهجرة سببا في تأزيم العلاقة بين البلدين؟

للأسف، يظهر من خلال العديد من تصريحات المسؤولين المغاربة حول الأزمة أنهم لم يستوعبوا دوافع الهجرة، وأننا أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة هي رغبة فئات عريضة من المواطنين هجرة الوطن بأي ثمن وفي أي فرصة.

وهنا يجب أن نميز أننا، صحيح أمام أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع إسبانيا وأصبحت حاليا مع أوروبا، لكن يجب أن نعترف كذلك بأننا أمام أزمة اجتماعية خطيرة ستهدد السلم الاجتماعي ببلادنا وتزيد في تقليص منسوب الثقة للمواطن في الدولة.

وبالنسبة لتصريح الوزير الرميد، فاسمح لي أن أقول لك إنه بعيد كل البعد عن مستوى مسؤول مكلف بحقوق الإنسان، وهذا الأمر ليس غريبا عنه، لأن الوزير الرميد عودنا دائما في تصريحاته حول قضايا مهمة بأنها تكون بدون معنى. وللتذكير نشير إلى تصريحه عندما كان وزيرا للعدل حول قضية (وثائق بنما) سنة 2016، حيث ردد آنذاك تصريحا شهيرا (ما فراسيش وليست لي دراية بمساطر التهرب الضريبي) عوض أن يتحمل مسؤوليته كما تحملها نظراؤه في العديد من الدول.

كذلك تصريحه سنة 2018 عندما هاجم القضاء المغربي، وهو وزير في الحكومة واصفا أمر قاضي التحقيق بفاس بمثول أحد أصدقاء الوزير في حزب العدالة والتنمية أمام غرفة الجنايات (بالقرار الأخرق) وهو ما اعْتُبِرَ آنذاك تحقيرا لمؤسسة القضاء.

إذن كان على الوزير الرميد أن يناقش الموضوع من وجهة نظر القطاع المكلف به اي حقوق الإنسان عوض أن يلقي المسؤولية على أطراف أخرى.

كما أن كافة المسؤولين مطالبين بأن يتحملوا مسؤوليتهم الوطنية، كلنا مع صحرائنا ومع وحدتنا الترابية كلنا مع دور لبلادنا يتجاوز حدود لعب الدركي على الحدود مع أوروبا، لكن بتدبير معقلن لسياستنا الخارجية تضمن وضعنا ووزننا الإقليمي وعلاقتنا مع دول الاتحاد الأوروبي، وكل هذا ليس على حساب ملفاتنا الداخلية فمعالجة ظاهرة الهجرة اليوم عليها أن تأخذ مفهوما شاملا يقتضي الجرأة والصراحة.

فكم هو عدد العقول التي هاجرت بسبب سياسة الدولة، وكم من المسؤولين السياسيين ومسؤولي السلطة الذين يملكون جنسيات لبلدان أخرى سيهاجرون نحوها كم من الأغنياء وأصحاب اقتصاد الريع الذين هَجَّروا أموالهم وسيهاجرون عندما تجف منابع الريع في الدولة؟ وكم من الاسر التي تفضل مكان ازدياد أبنائها بدول أخرى لاكتساب الجنسية.

إذن، هذه هي ظاهرة الهجرة التي تقتضي المعالجة، لأن الوضع الاجتماعي أصبح خطيرا والشرخ كبير بين الطبقات الغنية والطبقات الفقيرة والهشة! لقد رحل أجدادنا دون أن يروا شيئا، وفقراؤنا اليوم هناك من يختار الهجرة على أمل أن يرى شيئا ويضمن العيش الكريم وهناك من يكتفي بالحلم من خلال العالم الافتراضي إن وجد من أجل أن يرى الحياة في دول أخرى.

للأسف، هذه هي حقيقتنا التي نريد من البعض أن يصمتوا ويبلعوا ألسنتهم، لأن تشويههم للحقيقة يؤدي إلى استغبائهم للشعب.

فلا داعي لنهج سياسة تغطية الشمس بالغربال، فظاهرة الهجرة بالمغرب أخذت منحى خطيرا وتقتضي معالجة عملية ومسؤولة قبل فوات الأوان.