عبد العالي بلقايد: هل يمكن اعتبار العيطة نوعا من الاحتفال والتمثيل؟

عبد العالي بلقايد: هل يمكن اعتبار العيطة نوعا من الاحتفال والتمثيل؟ بلقايد يتوسط مشاهد من أداء الفن الشعبي

حين تم الإصطلاح على موسيقى البدايات بالموسيقى التقليدية فلغاية أن يتم تخليصها من النظرة الإحتقارية التي كانت تسم المقاربة التي تهدف إلى جعل كل الفعالية البشرية استنساخ لتجربة الغرب،فإن خالفتها فهي بدائية واللاحضارية وهذا يهدف إلى ترسيخ الواحدية الثقافية، ولكن ببروز النقد الجدري ظهرت مقاربات في الأنثربولوجية والسوسيولوجيا أولت اهتماما كبيرا لثقافة غير الغربي واعتبرت إبداعها يصدر عن تعبير حضاري شأن ثقافة الغرب، ما جعل بعض المنظمات الدولية كاليونيسكو تولي ثقافة الشعوب الأصيلة اهتماما كبيرا، وأصدرت توصيات قصد توثيقها والمحافظة عليها، وذلك بغاية تكريس التعددية الثقافية وجعل الموسيقى والفن وسيلة من وسائل التواصل والحوار الحضاري بين الأمم.

 

لقد كان الإهتمام الذي أولاه عبد الكبير الخطيبي للثقافة الشفوية بالمغرب، تأثير على تغيير الرؤية لها، وهو ما جعل عبد الكريم برشيد يسعى إلى أن يؤصل للمسرح المغربي انطلاقا من الطابع الإحتفالي للثقافة المغربية والتي تتمظهر في الكثير من الأشكال الفُرْجَوِيًةْ كعبيدات اَلرْمَا، سْبَعْ بُو لَبْطَايَنْ، سُلْطَانْ اَلطًلْبَةْ، وكذلك بعض أشكال العيطة في صيغتها التي تؤدى على صورة عبيداتاَلرْمَا بالسهول التي جاورت الأطلس انطلاقا من اَلْحَوْزْ، تَسًاوْتْ، مرورا بِتَادْلَةْ ، واَلْغَرْبْ...والتي تميزت باشتباك روحي جميل بين اَلنًغَمْ واَلْحَرَكَاتْ، والأجساد بالكلمات، مشكلة لوحات يعيش فيها الفاعلون حالا تذوب فيها الذوات مع إحالات الكلام. لأن الفن الشعبي،ليست بينه، وبين الحياة الإجتماعية حواجز،بل هو حالة ثقافية،أو تعبير حضاري، صدر عن مجموعة بشرية، تعبر عن كينونتها الإجتماعية، بكذا طقوس،تختلط فيه الكثير من أشكال التعبير.

 

لم تكن العيطة غناء فقط، أو تجسيد لوحده، أو استعراض بمفرده، أو حكاية تريد نقل تجارب الماضي، هي كل هذا وأشياء أخرى يمكن النًبْشِ عنها في السياقات الحضارية التي تهم المجال المغربي .

 

حين نتكلم عن العيطة بشكل عام، وعن الحوزية بشكل خاص من حقنا أن نتكلم عن قبيلة الرحامنة وباقي القبائل العربية كحالة ثقافية، وخاصة في القرون الوسطى بسوس حين انخرطت في حركة الجهاد الكبير الذي قاده الشرفاء السعديين والزوايا وفي مقدمتها الزاوية اَلْجَزُولِيًةْ،بحيث كانت القبائل اَلْمَعْقِلِيًةْ قطب الرحى لهذا العمل التاريخي العظيم .

 

لم تكن العيطة إلا صدى فني لهذه الملاحم التاريخية، ولِمَا جاء من بعدها من ملاحم فكانت في بعض صورها تسعى إلى أن تكون تجسيدا لكذا تاريخ، كما أستحضرت الجانب الفكاهي والنقد الساخر للواقع.

 

هذه الخصيصة أي خصيصة التمثيل ميزت الفن الشعبي في الكثير من ألوانه، وهي ظاهرة تَكَرًسَتْ في العيط الحوزي، وحتى اَلْمَرْسَاوِي.

لقد قدم الشيخ بَنْ حْمَامَةْ الكثير من لوحات التمثيل بساحة جامع الفناء، بشكل فردي، وصحبة جماعته، إذ يعتبر من رواد المسرح الفردي، أو المونولوج. فالبسط هي الغلالة الفنية، التي يَتَفَكًهُ بها على حالات من الواقع، صحبة جمهور حلقته، والخصيصة نفسها نَلْحَظُهَا عند الشيخ اَلْمَارِشَالْقَيْبٌو، والشيخ عَبْدْ اَللهْ اَلْبِيضَاوِي الذي كان يتقن تقليد صوت النساء.

 

تعتبر مجموعة ناسالغيوان، و جيل جيلالة، الرواد الذين أرجعوا لهذا الموروث قيمته، كما أرجعوا للأغنية المغربية أصالتها وتفردها، وحرروها من التبعية للمشرق.