شيوخ "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ" بالشاوية مقصيون من سهرات التلفزيون من دون سبب

شيوخ "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ" بالشاوية مقصيون من سهرات التلفزيون من دون سبب الشيخ "اَلْمِيرْ"، رئيس مجموعة الشرفة البهالة

استضافت "الوطن الآن" رئيس مجموعة الشرفة البهالة الشيخ "اَلْمِيرْ"، للحديث عن "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ"، والنبش في ذاكرة شيوخ الشاوية من ثنائيات ومجموعات وأفراد أجادوا أداء غناء هذه "لَقْصِيدَةْ"، مدحا وإطراء بالأولياء والصالحين والشرفاء، والتمسح والتوسل ببركاتهم وكراماتهم.

إن "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ" يجسد فعلا خصائص هذا اللون الغنائي البدوي النابع من عمق تربة أرض الشاوية، من خلال التغني بأمجاد وشجاعة ومناقب وخصال وكرامات عدد مهم من الأولياء والصلحاء الذين احتضنت رفاتهم ومقابرهم وأضرحتهم أرض الشاوية وما جاورها من أراضي مناطق دكالة والحوز والأطلس. وتتميز بكائية / مرثية "اَلْقُبًةْ" أو قْصِيدَةْ "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ"، بنفحتها الصوفية والشعور بالإنتماء الجماعي الشعبي الشديد، والولع بقدسية الأرض والتراب المحلي، إنها بالتأكيد ملحمة أرض الشاوية.

 

ولد عازف آلة لوتار الشيخ "اَلْمِيرْ" سنة 1954 بمنطقة البهالة التي يعتبرها مدرسته الحقيقية في الحياة، استقر حاليا بمدنية سطات عاصمة الشاوية، بعد أن أنجب وربى وعلم رفقة زوجته خمسة أبناء (ثلاثة بنات وولدين) أغلبهم (ن) كَوًنُوا أسرهم (ن) بـ (المغرب و فرنسا والإمارات). لقد عاشت الأسرة بشموخ وكرامة بفضل "مِهْنَةْ" الفن الشعبي التي يعتبرها ضيف الجريدة "موهبة ربانية"، اكتسبها منذ نعومة أظافره ورسم بها مستقبله الأسري والفني حيث أفاد بالقول: "قضيت في المجل الفني كعازف على آلة لوتار أكثر من 50 سنة. وأترأس حاليا مجموعة الشرفاء البهالة التي تَعَرًفَ عليها الجمهور المغربي من خلال بعض المهرجانات الوطنية والمناسبات والحفلات والأعراس سواء بأرض الشاوية أو بمختلف المدن المغربية وخارج الوطن".

يعتبر رئيس فرقة الشرفاء البهالة أن الفنان الحقيقي هو "المنفتح على كنوز التراث الإنساني، الحافظ عن ظهر قلب لذاكرة الغناء، ويتواصل مع الشيوخ والفنانين من أجل اكتساب وتملك ذخائر الفن الشعبي الموسيقي والغنائي ويحافظ على الغناء الأصيل (النصوص) والأداء بالشكل الجيد والمطلوب".

بفضل آلة لوتار الأصيلة ابتكارا وصناعة مغربية، والتي تعتبر سفيرة الثقافة والتراث والفن الشعبي تمكنت مجموعة الشرفاء البهالة بقيادة الفنان الشعبي "اَلْمِيرْ" من تجسير روابط الحب والعشق مع الجمهور. حيث أوضح في تصريحه قائلا: "في البداية لم نكن نحلم أن نلتقي مباشرة مع الجمهور الواسع في بعض المهرجانات الفنية بعد تجربة إحياء حفلات المواسم والأعراس وبعض المناسبات، لكن بفضل نمطنا الغنائي والموسيقي الذي شربناه من ينابيع أرض الشاوية عن الرواد، وتلاقحه مع أنماط أخرى مجاورة وبفعل حرصنا على المحافظة على جمالية نصوص الأغاني (إيقاعا وعزفا وأداء) كما سمعناها وحفظناها (عَيْطَةْ وُسَاكَنْ وغناء شعبي..) وعدم التفريط في أصول الغناء (مِيزَانْ ومْسَاوْيَةْ اَلْبْهَالَةْ) واحترام ذكاء الجمهور في حضرة العائلات والأسر وأهاليهم وأحبابهم نساء ورجالا دون خدش للحياء والوقار (غْنَانَا نْقِي وُصَافِي مَا فِيهْ عَيْبْ)". كل هذه المعايير يعتبرها الشيخ "اَلْمِيرْ" هي التي ميزت مجموعة الشرفاء البهالة التي تألقت كذلك خارج الوطن في مرحلة معينة سواء بفرنسا أو بلجيكا وهولندا.

تحرص مجموعة الشرفة البهالة التي يترأسها الشيخ "اَلْمِيرْ" على ترجمة أصالة الفنون والحرف الشعبية والتقليدية في كل كبيرة وصغيرة خلال تواصلها الفني مع الجمهور، وبالخصوص ترجمة عمق الإنتماء والافتخار بالموروث الثقافي الشعبي، حيث أكد المتحدث نفسه أن مجموعة الشرفاء البهالة "نحترم ذوق الجمهور المغربي فنيا، ونؤدي عروضنا الفنية بحب وعشق، (جَبْحْنَا عَامَرْ وُكُلْشِي عَنْدْنَا)، ونحرص على اللباس التقليدي مثل فرسان الخيل (اَلْجِلْبَابْ اَلْأَصِيلْ وَاَلطًرْبُوشْ وَاَلْبَلْغَةْ)، والمحافظة على نفس الآلات الوترية والإيقاعية (لَوْتَارْ وَاَلْبَنْدِيرْ)، والتميز بالإيقاع والميزان المصاحب للعزف خصوصا عند أداء (سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ)، وقْصَايْدْ أخرى تنتمي لنمط (اَلسًاكَنْ) فضلا عن تمكننا من أداء فن العيطة المغربية (حَصْبَاوِي ومَرْسَاوِي وزَعْرِي..)".

وفي سياق الحديث عن علاقة الجمهور بالفنانين قال: "في أغلب عروضنا الفنية نحاول أن نرضي المتلقي ونتعامل مع ذوق الجمهور وطلباته بأريحية في كل المدن المغربية سواء في الجنوب أو الشرق أو الشمال.."، لذلك يؤكد الفنان "اَلْمِيرْ" أن الشيخ المتمكن من أصول الحرفة يجب أن "يقدم كل الأنماط الغنائية والتفاعل مع مخزون تراث الأرض والإنسان أينما حل وارتحل للتواصل مع الجمهور".

عن سيرته الفنية ومشواره كحامل مشعل "اَلْعَلْوَةْ" خلال انتشار ظاهرة الثنائيات قال: "في مرحلة الشباب اشغلت مع الفنان "اَلتْرَافَحْ" كثنائي مدة عشرين سنة، وكانت المنطقة مشهورة بالثنائيات مثل "قَرْزَزْ ومَحْرَاشْ"، و "قَشْبَلْ وزَرْوَالْ" و"اَلْعَوْنِي واَلْبَهْلُولْ"... قبل مرحلة الاشتغال بمكبرات الصوت...وفي مرحلة موالية قمت بتوسيع المجموعة الغنائية رفقة الشيخ "محمد بديع" الملقب "بفاكس" والشيخ "لَكْبِيرْ" وفنانين آخرين".

"الموهبة الربانية" في الميدان الفني صقلها ضيف الجريدة من خلال عشق آلة لوتار واحترام المشيخة، وحفظ الأغاني التراثية والإحتكاك بالرواد الأوائل، والتفاعل مع المحيط الاجتماعي والبيئي لمنطقة الشاوية على اعتبار أن كل الشيوخ والفنانين الشعبيين "لم يتعلوا أصول العزف والغناء في مدرسة موسيقية متخصصة ولم يكن لهم مدراء أعمالهم وكتاب كلمات وملحنين، بل عمق الإنتماء وعشق الموروث التراثي الشعبي في مدرسة الحياة.. راكمت تجربة غنية بعد أن تعلمت أصول اَلصًنْعَةْ عن شيخي "قَرْزَزْ" أطال الله في عمره، وتلقحنا وورثنا جينات سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ أبا عن جد".

وحسب ضيفنا فإن شيوخ منطقة "اَلْعَلْوَةْ" قد أتقنوا وتفننوا في أداء "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ"، وتألق في أدائه بالخصوص الثنائي "قَرْزَزْ ومَحْرَاشْ"، وتبعهم في ذلك شيوخ آخرون منهم من وافته المنية ومنهم من ينتظر أجله في صراع مع المرض والحاجة.

أول مرة التقطت مسامع شيوخ الشاوية كلمات قصيدة "اَلْعَلْوَةْ" كانت على لسان اَلْمَدًاحْ (وَلْدْ اَلْعَارْ مُحَمًدْ) كان يقوم بإنشاد قصيدة العلوة، مثل المجذوب و يمدح بها منشدا الصلحاء والسادات والأولياء. حيث سمعها عنه الثنائي "قَرْزَزْ ومَحْرَاشْ"، فأضافا إلى القصيدة تحسينات جديدة، موسيقية وإيقاعية وقاما بتسجيلها لأول مرة، ومن بعدهما قام الشيخ "اَلْمِيرْ" ومجموعته بتسجيلها (اَلتٌورْنْدِيسَكْ/ أُسْطْوَانَاتْ كَازَافُونْ) بعد إضافة تحسينات أخرى على مستوى الكلمات وتوظيف آلَتَيْ لَوْتَارْ واَلْبَنْدِيرْ بشروطها والمحافظة على ميزانها وإيقاعها الذي يليق بها كَسَاكَنْ. وقام بتوثيقها كذلك على مستوى التسجيل الشيخ المقتدر والهرم الكبير السي أحمد وَلْدْ قَدٌورْ.

عن الهرم أيقونة أرض العلوة الشيخ ولد قدور قال ضيفنا: "المحبوب ولد قدور سليل تربة بن أحمد، شيخ بمعنى الكلمة، أجاد العزف على آلته الوترية المتفردة بسحرها، رجل (شَارَبْ عَقْلُو) متمكن من صنعته الفنية إلى درجة قدرته وبراعته في أداء كل "اَلسْوَاكَنْ" وخاصة ساكن العلوة بدون إيقاع وبمفرده دون الإخلال بكلماته وميزانه أو إغفال صالح أو ولي من صلحاء العلوة. استطاع ولد قدور لوحده في كثير من المناسبات أن يضبط (عرس، حفل فني، مهرجان..) أمام جمهور يعد بالآلاف، يفرض شخصيته المرحة على المتلقي ويضفي على عروضه لمسة فنية منقطعة النظير بطبقات صوته الساحر، الشجي والمتميز، يصنع ويمنح الفرجة".

وشدد في حواره مع الجريدة بالقول إن "ثنائيات أرض الشاوية مثل (قَرْزَزْ ومَحْرَاشْ) و(قَشْبَلْ وزَرْوَالْ) و(اَلْعَوْنِي واَلْبَهْلُولْ) و(اَلشِيخْ وَلْدْ قَدٌورْ)... قد استثمروا موهبتهم الربانية في الميدان اعتمادا على الذات، وفي زمنهم أتحفوا الجمهور المغربي وأمتعوه بأدائهم المتميز باستعمالهم لآلات وترية وإيقاعية مغربية خالصة، كانت مطلوبة ومحبوبة عند الشعب في مناسباته الوطنية والاحتفالية".

ودليله على احترامه وحبه للشيخ ولد قدور فقد أكد الشيخ على أنه أصر على أن "يحضره رفقته في لحظة تكريمه ذات سنة بمدينة سطات من طرف مديرية الثقافة بتنسيق مع جمعية المغرب العميق التي تنظم مهرجان لوتار، وكان من ضيوفه الأوائل كرمز شامخ في ميدان الفن الشعبي بمختلف روافده". وفي هذا السياق أكد الشيخ "اَلْمِيرْ" أن المطرب الشعبي ولد قدور قد اعتزل الغناء والاشتغال في المناسبات والأعراس (قاَلَ لِي اَللهْ يَجْعَلْ اَلْبَرَكَةْ..عْيِيتْ)، مثله مثل الشيخ "قَرْزَزْ" بفعل عامل السن والمرض".

وأكد المتحدث نفسه أن الشيوخ الرواد قد ضحوا كثيرا من أجل صيانة وتحصين قصيدة "عَزْرِي اَلْعَلْوَةْ" بثرائها الفني والموسيقي (نَغْمَةْ حْنِينَةْ أُو حْزِينَةْ) الشيء الذي جعلها ذات بصمة عالمية، ومتفوقة على الكثير من "اَلسْوَاكَنْ" ومحبوبة ومطلوبة عند الجمهور داخل الوطن وخارجه نظرا لقوة نغمتها ونفاذ كلماتها التي تقدس الأرض والمكان وتثير الأحاسيس الإنسانية، من خلال التذكير بخصال ومناقب الأولياء الصالحين وكراماتهم وتمجيد الفرسان وشجاعتهم، بكلمات ذات نفحة صوفية نقية صافية صادقة القول والنظم.

عن سؤال للجريدة أوضح الشيخ "اَلْمِيرْ" أن ساكن العلوة يفرض على "شيوخ المنطقة التغني بجميع الصلحاء بمنطقة الشاوية وذكر مناقبهم وخصالهم وكراماتهم، وهذا ما ميزه عن باقي "السواكن" وعلى العيطة كذلك"، لكنه "لاحظ بأن بعض الفنانين الشعبيين يخلطون بين كلام العلوة وكلام أغاني أخرى ويقحمون كلمات غريبة لا علاقة لها بالنفحة الصوفية لقصيدة عزري العلوة (اَلْعَلْوَةْ وُمَالِيهَا وُالصًلَاحْ اَلِلي فِيهَا)".

وعلاقة بالموضوع شدد ضيفنا على أن "سَاكَنْ اَلْعَلوَةْ" لا يمكن أداؤه إلا بواسطة آلة لَوْتَارْ واَلْبَنْدِيرْ، وغير ذلك يحلق النشاز ويعكر صفو القصيدة قبل التشويش على ذهن المتلقي: "أرفض إدخال آلات موسيقية عصرية (لُورْغْ و اَلْبَاتْرِي) أو حتى ألة اَلطًعْرِيجَةْ خلال أداء ساكن العلوة". على اعتبار أن ميراث "السًاكَنْ" الشاوي شاع صيته عن طريق "لَوْتَارْ واَلْبَنْدِيرْ المغلف بجلد اَلْمَاعِزْ".(اَلطًارَةْ وُلْوْتَارْ فَرْجُو دَوًارْ)

ونبه في حديثه عن غناء وأداء "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ" على أن الجمهور يجب أن يسمع كلمات نظم قصيدة "عَزْرِي اَلْعَلْوَةْ"، وقال: "أداء ساكن العلوة يتطلب مجهودا خاص من طرف المغني على مستوى توضيح الكلمات (فَنْ اَلْقَوْلْ) خلال ذكر كرامات ومناقب الصلحاء والأولياء بمنطقة الشاوية (اَلْعَلْوَةْ) حيث يجب إعطاء الفرصة للشيخ حتى يوصل معاني الكلام دون التشويش عليه بضجيج الإيقاع الصاخب، لذلك فنحن نعمل على خفض إيقاع اَلْبَنْدِيرْ دائما وفسح المجال للغناء والعزف الذي يتخلل الأداء بمساوية بَهْلُولِيًةْ خالصة حتى يستوعي الجمهور رسالة "سَاكَنْ اَلْعَلْوَةْ" ومًالِيهَا وُالصٌلًاحْ اَلِلي فِيهَا.

في ختام هذا اللقاء تساءل ضيف الجريدة الشيخ "اَلْمِيرْ" عن سبب عدم دعوة مجموعة الشرفاء البهالة لبرامج وسهرات التلفزيون المغربية؟ وما هي الأسباب التي جعلتهم مقصيين وبعيدين عن الجمهور المغربي والمغاربي والعربي من خلال الشاشة المغربية؟