القضاء ينصف أرملة حرمتها "السكك الحديدية" من حقها في المعاش

القضاء ينصف أرملة حرمتها "السكك الحديدية" من حقها في المعاش منح رواتب التقاعد والتي تشترط ضرورة ألا تقل مدة الزواج عن خمس سنوات
في سابقة تعدّ الأولى من نوعها، قضت المحكمة الإدارية بالرباط مؤخّرا باستبعاد مقتضيات المادة 28 من النظام الجماعي المتعلق بمنح رواتب التقاعد والتي تشترط ضرورة ألا تقل مدة الزواج عن خمس سنوات، لاستفادة الأرملة من معاش زوجها الراحل.
وحسب موقع "المفكرة القانونية" التي نشرت حيثيات الحكم والتعليق عليه، فقد كان مُثيرا في حيثيات الحكم القضائي أنه أقرّ مبدأ ضرورة تفسير النصّ القانوني الداخلي على ضوء الاتفاقيات الدولية المصادقة عليها وفق ما يقتضيه مبدأ سمو المواثيق الدولية المكرس في الدستور. 
ملخص القضية 
تقدمت المدعية بتاريخ 13/10/2020 بمقال افتتاحي للمحكمة الإدارية بالرباط تعرض فيه بأنها أرملة لمستخدم كان يشتغل لدى المكتب الوطني للسكك الحديدية كعون من الدرجة الثانية، وأنها ومند وفاته وهي تطالب المدعى عليها بتمكينها من الاستفادة من راتب المعاش التقاعدي الذي كان يتقاضاه زوجها، إلا أن ذلك ظل دون استجابة. وأنه تبعا لذلك، فإن العارضة باعتبارها من ذوي حقوق الهالك، تلتمس الحكم بتمكينها من راتب التقاعد والحكم بغرامة تهديدية قدرها 500 درهم عن كل يوم تأخير، مع النفاذ المعجل. 
من جهتها، برّرتْ إدارة النظام الجماعي المتعلق بمنح رواتب التقاعد (وهي الجهة المدعى عليها) رفض الطلب لعدم توافر المدعية على الشروط المنصوص عليها في المادة 28 من القانون المحدث للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، والتي تشترط ضرورة ألا تقل مدة الزواج عن خمس سنوات. 
موقف المحكمة
استجابت المحكمة لطلب المدعية معتمدة على العلل التالية:
– الصكوك الدولية التي تكرس مبدأ المساواة بين الجنسين وخاصة المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والمادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والمادة 13 من اتفاقية السيداو؛ 
– مقتضيات دستور 2011 التي تكرس في ديباجته مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الداخلي، ومقتضيات الفصلين 19 و31 من الدستور اللذين يكرسان مبدأ المساواة بين الجنسين في التمتع بالحقوق، وينصّان على سعي الدولة في تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. 
– مدونة الأسرة باعتبارها النص الخاص الذي يؤطر العلاقات الزوجية لم تحدد أي أجل لعقد الزواج أو التمتع بحقوقه مما يعتبر أي مقتضى مخالف غير ذي أثر ولا يعمل به. 
– وظيفة القاضي الدستورية المتمثلة في حماية الحقوق وتطبيق القانون بصفة عادلة.
– نظرية تفسير النصوص القانونية التي تفرض تطبيق النص الأسمى محل النص الأدنى وتطبيق النص الخاص على النص العام مما يفرض استبعاد الفصل 28 جزئيا وعدم تطبيق شرط تحديد مدة الزواج لتعارضه مع حقوق الإنسان عامة وحقوق النساء خاصة بقصد ضمان كفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتها لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله وفقا لما سبق عرضه. 
وعليه، خلصت المحكمة إلى أن “الإدارة لمّا فرضت على المدعية شروطا تمييزية تخالف الدستور والمواثيق الدولية تكون قد أساءت تطبيق القانون وروح العدالة مما يتعيّن معه إرجاع الأمور لنصابها السليم والحكم باستحقاق المدعية لمعاش زوجها المتوفي”. 
تعليق على الحكم 
تكمن أهميّة هذا الحكم الذي وصف بالتاريخي في كونه يعكس تطوُّرا في فكرة اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وهو يقدّم نموذجا متقدما في إعمال مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الداخلي وقابلية تطبيق القضاء لها بشكل مباشر، دون انتظار تدخل المشرع لتغيير النصوص التشريعية وفق ما تستوجبه مستلزمات الملاءمة على خلاف التوجه القضائي التقليدي الذي يربط تطبيق الاتفاقيات بضرورة التدخل التشريعي، كما أنه يقدم تمرينا عمليا في استناد الدفاع على مقتضيات الاتفاقيات الدولية في مذكراتهم. 
اعتمدت المحكمة على تصوّر متقدّم لدور القضاء انطلاقا من وظيفته الدستورية كضامن للحقوق والحريات والتطبيق العادل للقانون، في انسجام مع التوجه الذي تحاول شرعة الأخلاقيات الحديثة رسمه للقضاء، انطلاقا من إعادة النظر في أهداف الوظيفة القضائية، على نحو يجعلها “أداة فاعلة في تحقيق الانتقال الديمقراطي”. فعلى نقيض تصوّر القاضي كخادم للقانون، تفرض التحوّلات الاجتماعية أن يؤدّي القاضي وظيفة رائدة في مجتمعه في اتجاه تطوير قيم المنظومة القانونية ككل ويتعزز ذلك بفعل الوسائل التي باتت متاحة للقاضي، وفي مقدماتها كمّ من الاتفاقات الدولية والمبادئ القانونية الدولية”. 
رغم أن المادة 28 من قانون إحداث نظام جماعي لمنح رواتب التقاعد صريحة في وضع شروط لاستفادة الأزواج من معاش شريكهم المتوفي، أهمها “أن يكون الزواج قد انعقد قبل انتهاء خدمة الزوج المتوفى بما لا يقلّ عن سنتين، أو أن يكون قد دام ما لا يقل عن خمس سنوات إذا سبق للهالك أن حصل على معاش تقاعد أو كان بإمكانه الحصول عليه…”، فقد اعتمدت المحكمة على تقنية تفسير النصوص، وأقرت ضرورة تفسير مقتضيات هذه المادة على ضوء الاتفاقيات الدولية المصادقة عليها. 
يعيد هذا الحكم إلى الواجهة إشكالية استمرار عدد من النصوص التمييزية داخل القانون المغربي والذي تطالب الجمعيات الحقوقية بضرورة تدخل المشرع لملاءمتها مع مستلزمات الدستور والاتفاقيات الدولية، خاصة أمام تعثر تنزيل قانون الدفع بعدم دستورية القوانين. 
وتجدر الإشارة إلى أن عددا من المنظمات الحقوقية المغربية رحّبت بصدور حكم إدارية الرباط. وفي هذا السياق، عبّرت “جمعية الدفاع عن حقوق الانسان” عن أملها في أن يتوسع “تبنّي هذا الاجتهاد القضائي المبدئي المتشبع بروح الاتفاقيات الدولية في اتجاه جميع القضايا المماثلة التي تشهد حيفا وتمييزا حقوقيا تزكيه بعض النصوص القانونية غير الدستورية والتي يتعين على المشرع الإسراع في إلغائها أو تعديلها وتنقية شوائبها في أفق منظومة قانونية ترسخ العدالة والمساواة وعدم التمييز وتبتغي التنمية الشاملة”.