الجزائر: هل هناك جديد في الانتخابات التشريعية المقبلة؟

الجزائر: هل هناك جديد في الانتخابات التشريعية المقبلة؟ يسقط المترشحون لهذا النوع من الانتخابات، في فخ تصديق ما تروجه السلطة عن انتخاباتها
إنه السؤال الذي لا يتفق الجزائريون على إجابة موحدة له، فالبعض يرى أنها مختلفة ولن تكون مثل سابقاتها، دليلهم في ذلك أننا لا نعرف من سيفوز فيها، عكس الانتخابات السابقة التي كان فيها الجزائري يعرف مسبقا من الفائز.
رأي يدافع بقوة - حسب مقال للكاتب الجزائري ناصر جابي، نشر على  صفحات " القدرس العربي" من ترشح لمثل هذه الانتخابات - 1500 قائمة انتخابية ـ كانت تقريبا مناصفة بين القوائم الحزبية والمستقلين. انتخابات يرى فيها من ترشح لها من المستقلين خاصة، فرصة لن تتكرر للوصول إلى البرلمان في عهد الغفلة هذا الذي تعيشه الجزائر، كابن شرعي لثقافة القفز واقتناص الفرص.
حجج المرشحين كثيرة ومتنوعة، منها أن أحزاب السلطة القديمة تعيش حالة اضطراب، تماما مثل النظام السياسي وبالتالي ففرصة المرور إلى البرلمان واردة جدا، خاصة بعد صدور القانون الذي يمنع النواب السابقين من الترشح لدورة ثالثة، وهو ما قد يعني بالنسبة للبعض أن هناك فرصة للمنافسة داخل الأحزاب وفي القوائم الحرة، للحصول على موقع النيابة البرلمانية، الذي تحول عند الكثير إلى حلم قريب التحقيق.
فرصة يحاول أن يقتنصها الكثير من أبناء الفئات الوسطى المتعلمة، التي فقدت الكثير على مستوى وضعها الاقتصادي وبريقها الاجتماعي، مثل الصحافيين وأساتذة الجامعات، الذين يريدون تعويض ما فقدوه من مكانة اجتماعية، على مدرجات الجامعات وفي قاعات التحرير، داخل قبة البرلمان، اعتمادا على شهرة فعلية أو متخيلة يراد لها ان تُستغل لدى المواطنين - المشاهدين. وهو ما يؤكد الدور الذي يقوم التلفزيون – الإذاعة أقل ـ في إنتاج نخبة سياسية، بعد أن فشل الحزب في ذلك.
نخب تلفزيونية كانت حاضرة في تاريخ المؤسسة التشريعية بمختلف مراحلها السياسية، استفاد منها بعض الوجوه التي نوّعت بين استعمال الحزب والشهرة والجاه، للتقرب من نظام سياسي يعيش أزمة شرعية كبيرة، وهو يحاول ان يجدد في قواعده الاجتماعية، وصل به الأمر إلى منح ما يساوي أجراً شهريا مسبقا، لكل مترشح شاب من باب المساعدة ضمن مصاريف الحملة الانتخابية.
كعادة المتعلمين، يسقط المترشحون لهذا النوع من الانتخابات، في فخ تصديق ما تروجه السلطة عن انتخاباتها
كعادة المتعلمين، يسقط المترشحون لهذا النوع من الانتخابات، في فخ تصديق ما تروجه السلطة عن انتخاباتها، هم الذين امتهنوا بيع الوهم للمواطنين داخل مؤسساتهم الإعلامية والجامعية لسنوات. فالصحافي الذي يترشح لهذا النوع من الانتخابات، يكتفي بقشور العملية الانتخابية، كما غطاها وتعامل معها إعلاميا، أو كما درّسها لطلبته كأستاذ علوم سياسية، لم يبتعد ولو لمرة واحدة عن قشور العملية، لكي يتحول إلى ضحية هذه المرة. فالمرشح الصحافي، أو الأستاذ لا يغوص في دهاليز العملية الانتخابية ليكتشف أن هناك خطابا حول الانتخابات، وهناك واقع الانتخابات التي تعتمد على المال بكل أشكاله الفاسد، والأقل فسادا، وأن هناك عرشا وقبيلة وشبكة مصالح هي التي تحدد نتائج هذا التنافس على أرض الواقع، خاصة أن هذا النوع من الانتخابات تقوم بعملية تحفيز كبيرة لهذه الانتماءات ما قبل وطنية في الريف، وحتى داخل المدينة المتريفة نسبيا. وهو ما قد يفسر التزاحم الكبير على الترشح في العاصمة والمدن الكبرى، ليس بسبب عدد المقاعد النيابية الكبيرة الممنوحة لها فقط، بل لاعتقاد ساذج من هؤلاء المترشحين بأن الشهرة المعتمدة على التلفزيون، أو الجامعة كافية للفوز بمقعد داخل هذه المدينة، التي منعها النظام السياسي منذ الاستقلال من الحفاظ على روحها السياسية وإنتاج نخبها الممثلة. ليستولي عليها أبناء الزحف الريفي، كما تقول الأغنية الشعبية المعروفة. عاشوا فيها لسنوات بدون ان يعرفوا أحيائها وأزقتها، اكتفوا بوسط المدينة بالقرب من الجامعة المركزية، مكان حصولهم على شرعية الشهادة التي يريدون أن يقايضوها مقابل موقع سياسي بمناسبة هذه الانتخابات، التي يترشح لها أكثر من فرد واحد من العائلة نفسها. كما فعل زعماء بعض الأحزاب المتعودين على الريع، الذين اقترحوا أبناءهم وبناتهم، بعد أن منعهم القانون من الترشح كنواب سابقين لأكثر من عهدتين.
المرأة لم تكن غائبة هي الأخرى في هذه المرحلة من الانتخابات، فترشحت بكثرة، هي التي مازالت تستفيد من دعم قانون الانتخابات، فترشحت في الريف والمدينة. ليكون النصيب الأكبر هنا كذلك لصالح بنات الفئات الوسطى اللائي استفدن بشكل واضح من التعليم الجامعي، تحديدا الإعلاميات وصاحبات المهن الحرة، كالمحاميات والمهندسات والطبيبات. امرأة مازالت تخفي وجهها وهي تتقدم لطلب النيابة في البرلمان في بعض المناطق الداخلية، وبعض المدن، لتكتفي بالاسم والمهنة كعربون شرعية جديد، رغم الزيادة الملحوظة في النساء غير المحجبات، اللائي زاد مستوى الجمال عندهن، إذا صدقت الصور بالطبع في انتخابات الغفلة هذه.
الترشح الذي لا يعني الفوز بالنسبة للمرأة، التي قد تدفع ثمن فاتورة قانون الانتخابات الجديد، الذي اعتمد على القائمة الإسمية المفتوحة، التي تعني أن الناخب يختار المرشح الذي يريد من القائمة، عكس ما كان حاصلا في نظام الكوتا القديم، الذي استفادت منه المرأة البرلمانية بقوة في العهدات النيابية السابقة، مقابل القانون الجديد الذي قد يقلص بشكل كبير من حظوظ النساء هذه المرة. في وقت تتزايد فيه عدوانية بعض الفئات المحافظة والذكورية ضد نجاح المرأة، الذي حققته بواسطة التعليم أساسا، ما سيمنح صورة ذكورية واضحة للبرلمان المقبل الذي سيضعف من الحضور الحزبي لصالح القوائم الحرة التي يفضلها صاحب القرار، الذي لم يؤمن يوما بدور الحزب السياسي، كما يبينه هذه الأيام وهو يحاول التضييق على بعض الأحزاب الرافضة لسياسته، قد تصل إلى التهديد بحلها كما هو حال حزب العمال الاشتراكي. أحزاب لا يفضل النظام السياسي حضورها داخل البرلمان خارج مقدار معلوم، لا يُخل بالتوازنات السياسية القائمة، وهو ما فهمته الأحزاب المقاطعة لهذه الانتخابات، التي ستعرف نسب مقاطعة لن تكون بعيدة عن تلك المسجلة أثناء الانتخابات الرئاسية والتصويت على الدستور، ما يمكن أن يكون فرصة إضافية للمرشحين في انتخابات الغفلة هذه، التي يمكن ان يفوز فيها المرشح بعدد قليل جدا من الأصوات، كما تؤكده بداية الحملة الانتخابية الباهتة، ونوعية الخطاب، والمرشحون الذين سيكونون عامل تنفير إضافي للمواطن من هذه الانتخابات، التي لا يرى فيها حلا جديا للمشاكل السياسية التي يتخبط فيها البلد، والتي تتطلب بالعكس انتخابات مفتوحة كجزء من عملية سياسية توافقية أوسع، لا تكتف بآليات انتخابية فاقدة للروح، يتم اقتراحها كحلول سحرية لأزمات النظام المستعصية منذ أمد طويل، في وقت يتزايد فيه منسوب التضييق على المواطنين، وغلق للمجالين الإعلامي والسياسي، لن يكون عامل تحفيز للذهاب نحو صناديق الاقتراع يوم 12 يونيو المقبل.