تعرف على الثلاثي المستفيد من إشعال النار بالقدس وغزة

تعرف على الثلاثي المستفيد من إشعال النار بالقدس وغزة عمال إنقاذ فلسطينيون يبحثون عن ناجين تحت أنقاض مبنى في غزة

هم ثلاثة أطراف تتغذى من تأجيج الاحتقان بالقدس وغزة حاليا. وحسب أبو وائل الريفي، فالطرف الأول المستفيد هو نتانياهو والتيار الليكودي، أما الطرف الثاني المستفيد فهم الرافضون لتوحيد الصف الفلسطيني داخليا، فيما يتجسد الطرف المستفيد من الاحتقان في حزب الله وإيران.

"أنفاس بريس"، تقدم قراءة أبو وائل الريفي للحدث...

 

"الملاحظ أن جهات كثيرة تغدي الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، لأن مصلحتها في استمراره وهي تشكل طوق نجاة له. وفي مقدمة هؤلاء نتنياهو الذي عجز عن حصد أغلبية مريحة في أربعة انتخابات في عامين، وفشل في تشكيل حكومة، ومهدد في كل لحظة بالمحاكمة في قضايا فساد. ولذلك فما يحدث اليوم تنفيس عن التيار الليكودي، وهو ما قد اتضح جليا بعد إعلان نفتالي بينت زعيم حزب “البيت اليهودي” إيقاف سعيه تشكيل حكومة مع يائير لابيد، وعودة المفاوضات مع حزب الليكود لتشكيل حكومة يمينية تحمي المواطنين الإسرائيليين وجنود الجيش الإسرائيلي.

وهكذا يبدو نتنياهو أكبر مستفيد من هذا التصعيد، على الأقل في الوقت الحاضر، لأن ما يحدث يؤجج الرأي العام العربي والإسلامي ويزيد من منسوب الكراهية وهو ما يعقد كل محاولات السلام في المنطقة.

 

أما المستفيد الثاني، فهو من لا يريد للصف الفلسطيني أن يتوحد ويجمع شتاته وكلمته خلف مؤسسات ذات تمثيلية قوية لكل مكوناته. فقد شكل هذا التصعيد رصاصة في وجه الانتخابات الفلسطينية التي كان يرجى منها الكثير. الآن، هل يتصور إجراء انتخابات فلسطينية؟ وهل ستشهد مشاركة واسعة تعكس المؤسسات المنبثقة عنها تمثيلية حقيقية للصف الفلسطيني؟ طبعا هذا غير وارد. وهنا يضيع الفلسطينيون فرصة تاريخية كان بإمكانها نقلهم إلى حالة هجوم على كل من لا يريد حلا سياسيا تفاوضيا لهذا النزاع الذي عمر طويلا ويتضرر منه الفلسطينيون في كل بقاع العالم.

 

وهناك جهات تغدي هذا الصراع وهي تقف متفرجة، وفي مقدمتها حزب الله وإيران. لقد تزامنت أحداث القدس مع الجمعة الأخيرة من رمضان التي تحمل عند هذا المحور رمزية عقدية وسياسية بسبب دعوة الخميني جعلها يوما عالميا من أجل القدس. فلماذا لم يتحرك حزب الله على جبهته إذن؟ وبالمقابل لماذا تحركت حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية في الداخل فقط؟ هل لا يزكي هدوء الساحة اللبنانية الإسرائيلية وجود حسابات سياسية تحرك هذا الطرف دون الآخر؟ وما هي هذه الحسابات؟ لماذا إذن تحضر هذه الحسابات وسط التيارات الشيعية وتغيب وسط التيارات السنية؟ إنها أسئلة لن تكتمل الصورة دون النظر فيها كذلك.

 

إن استهداف القدس وحرمة المسجد الأقصى ضربة أخرى لكل الجهات التي تسعى لتجسير الهوة وبناء علاقة الثقة في المنطقة وتبحث عن حل حقيقي لصراع عمر طويلا ولا يبدو له حل في الأفق المنظور.

لا يمكن تصور حل لهذا الصراع بدون جلوس كل أطرافه في مفاوضات مباشرة وجدية برعاية دولية وحسن نية وتوصيات عملية قابلة للتطبيق استفادة من التجارب السابقة ولو اقتضى الأمر فرض عقوبات على الرافض.

 

وبالتأكيد لن تحل الضربات الإسرائيلية لقطاع غزة المشكلة، والتجارب السابقة شاهدة على ذلك عامي 2008 و2014. هل يتذكر نتنياهو ماذا كانت النتيجة؟ هل أنهت الأجنحة العسكرية والصواريخ؟ بالطبع لا، ولكنها بالمقابل عمقت معاناة القطاع وسكانه.

لا يمكن تصور حل لهذا الصراع خارج حل الدولتين مع تأمين سبل الحياة لدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ولا يمكن تصور حل لهذا الصراع دون ضمان حق العودة للفلسطينيين الراغبين في العودة لأرض هجروا منها قسرا.

ولا يمكن تصور حل لهذا الصراع في ظل اتساع نطاق الاستيطان ومسلسل التهويد وطمس المعالم الإسلامية والمسيحية للقدس الشريف.

ولا يمكن تصور حل في ظل حالة توهج للتيارات المتشددة التي صارت مشكلة في كلا الطرفين وهي تدفع دائما نحو التأزيم وتوسيع رقعة النزاع والمستهدفين منه وتترك جروحا تزيد الكراهية وتصعب الوصول إلى حل. ولذلك فهذه التيارات جزء من المشكلة ولا يمكن أن تكون جزءا من الحل.

ولا يتصور حل لهذا النزاع في ظل مسارعة الكثير من الأطراف إلى التصعيد كأول خطوة عند أي خلاف لأن التصعيد يولد العنف، والعنف يولد عنفا مضادا، ورقعة العنف كلما اتسعت تولد كراهية وحقدا يصعب محو آثاره في مدة قصيرة.

 

لكل ما سبق، فضل المغرب دائما التمسك بالحل التفاوضي على أرضية حماية الحق الفلسطيني. وقد اتضح ذلك منذ بداية اقتحام المسجد الأقصى حيث “تابعت بقلق بالغ الأحداث العنيفة المتواترة في القدس الشريف وفي المسجد الأقصى وما شهدته باحاته من اقتحام وترويع للمصلين الآمنين خلال شهر رمضان المبارك” مع التأكيد بأن “الإجراءات الأحادية الجانب ليست هي الحل وتدعو إلى تغليب الحوار واحترام الحقوق” مع ضرورة “الحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس وحماية الطابع الإسلامي للمدينة وحرمة المسجد الأقصى المبارك".

 

لا شك أن أخطاء إسرائيل تقوض عملية السلام وتحرج العرب وتخدم إيران وأجندتها وتقلص الثقة في كل الجهات العاملة على إنجاح السلام في المنطقة. وعدم الاستدراك المبكر قد يؤدي إلى تمادي إسرائيل في عنفها بعملية برية ضد غزة مما ينذر بكارثة صحية وبيئية وإنسانية تضاعفها جائحة كورونا، وقد يتطور الأمر إلى انتفاضة ثالثة قد لا تقتصر على غزة وحدها ولن ينتج عنها إلا إقبار لخيار التسوية وتزايد الكراهية في المنطقة. والدرس الذي  على الجميع استيعابه أن الجيل الغاضب في القدس ليس إلا جيلا جديدا لم يعش لحظات المواجهة الحقيقية بل ربما جله من مواليد ما بعد تسوية اتفاق أوسلو.

ولا شك، بالمقابل، أن نقل محور الحدث من القدس إلى غزة لم يكن في صالح القضية التي كانت محرجة أكثر للإسرائيليين وخادمة لمظلومية كاملة للمقدسيين وأعطت مبررات لأصدقاء إسرائيل بتبرير ضربها غزة بالدفاع عن النفس وحماية أمنها. وهذا كلام لا يعني تبريرا لأن الضحية يبقى ضحية ولو أخطأ التقدير. ومرة أخرى نؤكد أن للقدس رمزية وقدسية تصنع الحدث وتتصدر العناوين مقارنة مع غيرها.

 

(أبو وائل الريفي، عن موقع "شوف تيفي" بتصرف)