المساوي: فاطمة بصور نغم في عالم الشعر

المساوي: فاطمة بصور نغم في عالم الشعر الفنانة فاطمة بصور
اقتحمت فاطمة بصور، الشاعرة والزجالة والممثلة الوفنانة، الوجود بكثير من الإرادة وبكثير من الأمل ...تأتي في زمن مغربي صعب وعسير ...تأتي لتبشر بعودة " السبع السمان " منتصرة على " السبع العجاف " ، لتملأ أرضنا خصبا ، وبيادرنا حبا وحبا ...تأتي لتهدي دفئا وجدانيا للكلمة ...جمعتنا الفرحة بولادتها في زمن القحط والعقم ، واحتفلنا بألحان النشيد المغربي ...رقصنا مستقبلين ميلاد بنت ستمتلك فن صيانة الذات ، الاعتماد على النفس، مقاومة كل الأنماط الاستسلامية الارتكاسية في الوجود....قد يكون الميلاد حلوا ...إنما المستقبل أحلى ...تأتي فاطمة لتكسر الصمت وتحطم المألوف، لتخرج عن المعتاد وتدمر سلطان العادة الطاغي، لترفض الجهل والخنوع وتناضل للعدالة والكرامة ...لتسمو عن دونية الحريم وخسة " العيالات والولايا " وتعانق شموخ الإنسان وكبرياء المرأة...
منذ بداية البدايات عشقت الشعر وداعبت الكلمة...عز عليها أن تسقط فتستجيب لطيور الظلام ...عز عليها أن تخفي وجهها الصبوح بأقنعة قذرة ...لم تطق لها سقوطا لهذا اقتحمت قطار الإبداع مهما غضب السيد والجلاد ...أصرت على أن تبقى الراية مرفوعة والوردة مزهرة حتى وان كان الزمن زمن جهل ورداءة...إذن فلا خوف علينا إذا ادلهمت بنا الآفاق من أن لا نجد زجالة مقتدرة تنبهنا وتهدينا ...فان فاطمة التي أطلقت في زمن الصمت صرخة ، قادرة على جعل الناس يعشقون الورد...
تعطرت بوعي فني مبكر، وضربت في الأرض في مرحلة حرجة من تاريخ المغرب ...في سن مبكرة بدأ تشكل الوعي الإبداعي والانخراط في الشعر...
عانقت الإبداع وهي بالكاد شابة.. شكلت وما زالت قيمة مضافة للشعر الهادف ...تحاصرها أسراب البوم كليالي النفاق طالعة من جحور القبيلة فتلقاها معتصمة باختيارها ...فاطمة صاحبة قضية، وعلى فنانتنا أن تواجه الأمواج والإعصار ...
فهذه قناعتها وهذا واجبها....وهذه مهمتها..وإلا فليرحل من هذا العالم الذي في حاجة إلى العواطف النبيلة وشيء من التضحية ...هكذا نرى فاطمة بصور ترى الأشياء ...وهكذا نتصورها تتصور العالم الذي نحن فيه ...فليخجل من أنفسهم أولئك الذين يحصدون ونحن الزارعون ....شافاكم الله ! لكم التين ولنا الزيتون...
وقفت فاطمة بصور فوق خشبة الحياة وأعلنت رفضها للذل والمهانة ...إنها صاحبة إشكالية ملحاحة...
ألام المرحلة حاضرة في وعيها ...هي فاطمة، أذن ، حداثية بموروث ثقافي ...حداثية بموروث مغربي أصيل.. شاعرة بقناعاتها ...وما أسهل تأقلمها في المجال إذا أرادت بمحض إرادتها ، دون أن تخضع لأي أمر او قرار ...تحب الحرية بمروءتها ومسؤوليتها ...وتقول لا للوصاية والتوريث ، لا لإعطاء الدروس بالمجان ...لم تسقط سهوا على الشعر ...هي فنانة إيمانا واختيارا ...اكتسبت شرعية الانتماء بالقوة والفعل، وانتزعت الاعتراف والتقدير بالكلمة والإبداع ...
ومنذ طفولتها كانت فاطمة وردة ممسكة بزمام مسار حياتها، حملت في صدرها كبرياء القمم وإصرار الأنهار على المضي قدما مهما صعبت المسالك، تشق مجراها بصبر وثبات...
بعد طفولة هادئة باللون الأبيض والأسود، بالجدية وشيء من الشغب ،تصطحب ظلها لمواجهة المجهول...لمجابهة المثبطات، لعناق الأمل، ودائما تحمل في كفها قصائد وكلمات، وفي ذهنها أفكار ومبادرات، وعلى كتفها مهام ومسؤوليات، فهي تكره الفراغ...إن الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه ...وحين يكون الشعور هامدا والإحساس ثابتا ، يكون الوعي متحركا ...وعي بأن الحياة خير وشر ..مد وجزر...مجد وانحطاط ...ولكن هناك حيث توجد الإرادة ويكون الطموح ...تكون المبادرة ويكون التحدي ...تكون الطريق المؤدية إلى النتائج ...وتقول فاطمة :" لا تهمني الحفر ولا أعيرها أي انتباه " ...منذ بداية البدايات كشفت عن موهبة تمتلك قدرة النجاح ، وتظل دائما ودوما متمسكة بطموح النجاح ...
تكره اللغة السوداوية والنزعة العدمية ...تكره الأسلوب المتشائم ولغة اليأس والتيئيس ...لا...هي امرأة جد متفائلة ، والعينان تعبران بالابتسامة عن هذا التفاؤل ...وهذا الطموح ...وهذا الحب اللامشروط للرقص رغم الكآبة في السماء والأسى لدى الآخرين ..
ارتشفت ثدي الفن ونهلت من حليبه، وتشبعت بمبادئه وقيمه... تنتمي مطاوعة لكنها لا ترضخ ...عن الفن هو فن المراكمة الصبورة وتحضير الطفرات النوعية بالعمل الطويل النفس الخاضع للتقييم الدوري.. ...
غنها فنانة تنتمي مطاوعة لكنها لا ترضخ ...اختيارا لا قسرا ...تنسجم بيد أنها لا تذوب ...هي ذات فرادي واختلاف ...تحوم سماوات العالم الرحاب ولا تهيم ، وتعود مثقلة بالتجارب والمعارف لتبشر بغد جميل لمغرب جميل ...لا يمكن أن تحشر في زمرة الفنانات الكسولات ، فهي ليست منهن، لأنها محصنة ، ولكنها تعرف أن الطريق ألغام وكوابيس ...وقائع وانفجارات ..دسائس واشاعات ...لهذا تمضي بحكمة وثبات ...تفضح الكوابيس وتنبه إلى صخبها ...تنبه إلى الإغراءات وتحذر من مخاطرها ...لترتفع إلى مقام المرأة المناضلة ....وليست منهن لأنها رضعت الأناقة والأنافة في معبد الشجعان ...فاسمحوا لي أن أعلنها صاحبة قضية وصاحبة أجمل كلمة...
لفاطمة حضور فني قوي، حضور ينشدها كل يوم ويذكرها ،بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مع مسار جمالي ...هي أصلا تربت ضد الصمت ..تربت على كره النفاق والغدر ..وهي طفلة، وهي تنمو ، نما فيها كره الاختفاء وراء الأقنعة ...مترفعة في لحظات الهرولة ...واثقة في زمن التيه ...مؤمنة بان النجاح اجتهاد وعمل...وان الفن اختيار والتزام ...
تجربة الحياة نزعت منها للأبد الإحساس بالخوف والاستسلام ...وزرعت فيها الإمساك بزمام مسار حياتها مهما كانت العراقيل والعوائق ...تجربة زرعت فيها الصمود والتصدي...تنفست عبق تربية هادفة ومسؤولة ...تربية تعتمد الجدية والصرامة مرات وتعلن الليونة والمرونة مرارا...تمطر حبا حينا ونارا أحيانا....