عبدالله جبار: إفلاس السياسة

عبدالله جبار: إفلاس السياسة عبدالله جبار
إن النظر اليوم إلى حالنا السياسي يوحي بكثير من الممارسات التي لا تخطئها العين، وهي ممارسات تعكس تردي أخلاقيات السياسية في بلادنا ،فرغم التحولات التي طرأت على المجتمع ورغم الترسانة القانونية التي تؤطر العمل الحزبي، مازالت العقلية السياسية التقليدية والمنطق النفعي في تشكيل الولاءات السياسية السمة الغالبة.
فبدل العمل وفق قواعد الممارسة الديمقراطية المبنية على وضوح الرؤية وعلى لغة الإقناع والاقتناع في عملية الاستقطاب وفق مشاريع حزبية تعالج قضايا الناس وتقدم حلول لمختلف الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نجد أن أهواء الكثير من السياسيين لا زالت تعصف بهم الرياح فترمي بهم يمينا ويسارا ويستعملون علاقاتهم وارتباطاتهم و امتيازاتهم وثرواتهم،في استغلال ضعف الناس وفقرهم وحاجتهم تحت يافطة الإحسان والخير الذي أصبح أداة لخدمة غايات مليئة بكتلة من الأوهام و بمضامين تعبوية تخاطب غالبا غرائز المواطن لتحكم السيطرة على عقله وإرادته.إنه تعبير عن عجز متواصل و متوارث للساسة على عدم قدرة بناء الذات الحزبية بعيدا عن آلام ودموع الناس البسطاء وعن جعلهم قنطرة عبور.انها صورة من صور إفلاس وبؤس الحياة السياسية والحزبية ببلد يشكو أصلا من نفور متزايد في الانخراط في شىء اسمه السياسة، إن اللجوء إلى "سلاح الغداء السياسي" لإطعام البطون الجائعة يجعل اللعبة السياسية وتعبيراتها محط شك وتساؤل كبيرين.
هل هذه هي مهمة الأحزاب؟
هل هي صاحبة أهداف ومشاريع مجتمعية غايتها بناء الدولة والنهوض بالإنسان ومكافحة الجهل وفك شفرة التخلف التي تنخر البلاد فتدفع خيرة أبناء الوطن إلى التخلي عن الأرض بسبب ضيقة الرؤية والأفق؟هل ترغب في السلطة ومزيد من الامتيازات،؟ صحيح أن طموح جميع التنظيمات السياسية هو كسب شعبية الناس وتأييدهم ، وصحيح أن الوصول للسلطة يعد من الأهداف المشروعة لأي حزب سياسي لكن هناك اليوم شيء اسمه علم الأخلاق السياسة فلا يمكن للسياسة الحقيقية أن تتقدم من دون أن تكرم الأخلاق،كما يقول كانط. لذلك فالسياسة لا يمكن أن تنمو وتحقق غايتها وأهدافها النبيلة إلا باحترام الحق والأخلاق معا وعدم القفز عليهما، وهو ما نقرؤه في كتاب: «نظرية السلطة» فمبدأ دولة الحق والقانون يقوم على احترام الحريات واعتبار المواطن غاية في ذاته وليس وسيلة.
إن ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام مؤخرا عن " قفة رمضان" يكشف بجلاء نوايا أصحابها في استصغار المواطن وجعله قواعد تحريك انتخابية يحتفظ بها بأيدي ممدودة في غرفة الانتظار الدائم والعودة إليها لقضاء المآرب كلما دعت الضرورة مقابل كيس دقيق ولتر زيت وقطعة سكروووووو….مقابل "كارت "حزبي يخولهم دخول النادي السياسي من الباب الواسع. إنه التأطير والتنظيم الذي تحدث عنه انطونيو غرامشي يا سادة!!!
إن القناعة اليوم تشير الى أن حالة العوز والفقر في البلاد ليست مؤسفة فحسب ، بل هي أيضًا خطرة على الديمقراطية وأن الخروج من هذا ليس بالأمر السهل ، لكن يجب على الجميعً أن يجدوا الشجاعة للتخلي عن الوضع الراهن الغير المقبول. وأولى الخطوات هو التأثير على تلك الممارسات والعادات الضارة التي عززت السياسة كنشاط احترافي ومكافآت مفرطة. فالمفهوم الصحيح للسياسة هو ما يؤطرها كنشاط يتم القيام به من أجل واجب مدني يعم نفعه كل البلاد والعباد.
عبدالله جبار، باحث في قضايا الهجرة.