الفلاح: استقبال زعيم الانفصاليين كشف حربائية إسبانيا في ما يتعلق بالوحدة الترابية

الفلاح: استقبال زعيم الانفصاليين كشف حربائية إسبانيا في ما يتعلق بالوحدة الترابية رضا الفلاح، أستاذ القانون الدولي (يمينا)، وزعيم ميليشيات البوليساريو إبراهيم غالي
في إطار الفضيحة السياسية التي شهدتها إسبانيا، وأسالت الكثير من المداد وردود الأفعال، وذلك إثر استقبالها لـ "الجلاد" إبراهيم غالي، زعيم ميليشيات البوليساريو، بدعوى الاستشفاء تحت هوية مزورة وجواز مزور؛ ارتأت "أنفاس بريس" أن تفتح بابها لاستقاء وجهات نظر بعض ضحايا انتهاكات جبهة البوليساريو، وكذا بعض النشطاء الحقوقيين والجمعويين بخصوص هذا الموضوع...
وفي ما يلي وجهة رضا الفلاح، أستاذ القانون الدولي:

الظاهر أن عملية إدخال زعيم الانفصاليين إلى إسبانيا بهوية جزائرية مزورة تم الترتيب لها بشكل سري بين الجزائر وإسبانيا. ولا أعتقد أنه كان يخطر على بال منظمي هذه العملية أن تنكشف أمام الجميع بهذا الشكل الذي وضع إسبانيا في موقف حرج ومحرج لا تحسد عليه. وقد بدا الارتباك واضحا في التصريحات الرسمية عندما حاولت الخارجية الإسبانية التحجج بذريعة الدواع الإنسانية والتأكيد على متانة العلاقات الثنائية المغربية الإسبانية في الوقت نفسه.
إننا نقف هنا أمام قضية تهريب زعيم تنظيم انفصالي من المفروض تقديمه أمام العدالة الجنائية الإسبانية، بالنظر للشكاوي الموضوعة ضده والمرتبطة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. هذه القضية ليست فقط فضيحة تشوه سمعة وتضرب مصداقية الجار الشمالي للمغرب، ولكنها واقعة تنذر باحتمال حصول أزمة غير مسبوقة في العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة وأن إسبانيا تلعب لعبة خطرة في ما يتعلق بالوحدة الوطنية والترابية المغربية بادعائها الحياد ودعم الحل السياسي في خطابها، لكن مع نهجها لسلوكات مناوئة تثبت عكس ما تقول. وعليه يتضح أن أوراق الجار الشمالي أصبحت مكشوفة في ظل تجلي هذه الازدواجية والحربائية بين القول والفعل في قضية مصيرية بالنسبة للمغرب.
إن ما يطبع العلاقة بين المغرب وإسبانيا هو تأرجحها بين التعاون والتنافس الهادئ والمحدود. لكن ما يلاحظ خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وخاصة منذ ترسيم المغرب لحدوده البحرية، بما في ذلك المجال البحري المحاذي لأقاليمه الجنوبية الصحراوية، وموازاة مع تأكيد قرارات مجلس الأمن الدولي على الحل العملي والواقعي، ثم مع اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، بدأت إسبانيا تنحرف عن استراتيجية «السن بالسن» tit for tat، وهي استراتيجية متوازنة وطفيفة الحدة وشائعة في العلاقات بين دول متجاورة لتدشن مرحلة جديدة من التصعيد العدائي الفج الذي أوصلها إلى الإقدام على خطوة استقبال زعيم ميليشيات الانفصاليين بالتنسيق مع النظام العسكري الجزائري. وبهذه الطريقة السرية التي هي أكبر دليل على أنه سلوك يراد إخفاؤه لكونه يضر بصورة إسبانيا أولا وأخيرا، ويضعها أمام نوعين من المسؤولية الدولية، أولا مسؤوليتها القانونية كدولة يُفترض فيها ألا تمنع بأي شكل من الأشكال تحريك المتابعة القضائية في حق زعيم الانفصاليين المطلوب من قبل العدالة، وثانيا مسؤوليتها السياسية كدولة تدافع عن سيادتها ووحدتها الوطنية والترابية ضد زعماء انفصاليين في جهة كاتالانيا، علما أن القضاء الإسباني قد أصدر عقوبات صارمة ضد عدد من هؤلاء الانفصاليين وأصدر مذكرة اعتقال أوروبية ودولية ضد متزعم الحركة الانفصالية التي حاولت إعلان استقلال كاتالانيا عن إسبانيا سنة 2017.
إن الحد الأدنى من الحكمة السياسية يقتضي أن تحترم إسبانيا قاعدة ذهبية في السياسة الخارجية مفادها: «لا تؤذي جارك بما لا تود أن يؤذيك به». فكيف سيكون شعور وموقف إسبانيا لو استقبل المغرب انفصاليين يهددون وحدة إسبانيا؟ بالطبع ستعتبر إسبانيا الأمر بمثابة خطوة عدائية قد تعصف بمستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين. لكن العارف بمنهجية الدبلوماسية المغربية وأسلوبها في التعامل مع المواقف العدائية من هذا القبيل أنها لا تلجأ إلى ردود الفعل الانتقامية وتمتنع عن دعم الانفصال فما لا تقبله لنفسها لا تقبله لباقي الدول.
لكن إسبانيا تخاطر بتجاوز عتبة الصراع الهادئ مع المغرب ودفعه نحو ردود فعل مضادة على نفس الدرجة من العداء في إطار مبدأ المعاملة بالمثل. غير أن خيار التصعيد ليس هو الخيار المناسب والصائب في اعتقادي لأنه يمثل لعبة صفرية قد تفضي لإمعان الطرفين في العداء المتبادل. وقد يكون الخيار الأنسب هو أن يتم الرد في إطار ما هو متعارف عليه دبلوماسيا وأن يتمسك المغرب بضرورة تقديم زعيم الانفصاليين أمام العدالة الجنائية. فالطرف الإسباني هو المتضرر والخاسر الأول والأخير من هذه الواقعة المفضوحة أمام العالم وأمام الرأيين العامين الإسباني والمغربي. وعلى هذا الأساس، فإنه لن يكون بمقدور إسبانيا التفاعل بشكل جدي وصريح مع الأسئلة التي جاءت في بيان الخارجية المغربية إلا عبر الإقرار بارتكابها لزلة قانونية وسياسية ودبلوماسية تجاه جارها الجنوبي الذي تربطها معه ملفات ومصالح جديرة بأن يغلب على تدبيرها منطق التعاون والشفافية في المواقف.
فهل ستقف الأزمة عند هذا الحد؟ وهل سيترفع المغرب عن خيار التصعيد؟ المفارقة هو أن إسبانيا نفسها هي التي وضعت الكرة في ملعبها، وهي من تتحمل تحريك الكرة. فهل ستحركها بتعديل سلوكها نحو بناء واستدامة الجوار مع أهم شركائها في الضفة الجنوبية من المتوسط أم أن لإسبانيا مآرب أخرى؟