عبد الصمد الشنتوف يروي تفاصيل تجربة عابرٍ إلى الضباب (8)

عبد الصمد الشنتوف يروي تفاصيل تجربة عابرٍ إلى الضباب (8) مراسم زواج الأمير أندرو وسارة فيرغسون(أرشيف)
خيرني عبد السلام بين البقاء في بيته أو الانتقال إلى بيت مهاجر آخر يدعى مصطفى شرقاوي . لم أكن أعرفه ولاسمعت به من قبل، هو صديق حميم لعبد السلام على ما يبدو .
كان مصطفى متواجدا في المغرب يقضي عطلته الصيفية مع أسرته الصغيرة . تقاسمت البيت مع إدريس الذي كان حديث العهد بالهجرة مثلي . أخذت مكاني في غرفة مجاورة لغرفته داخل شقة متواضعة ، تقع في قبو المبنى بشارع أشمور رود .
عرفت إدريس كلاعب كرة قدم بالعرائش ، لم نكن نلتقي سوى نادرا داخل البيت الذي يجمعنا . كان يشتغل ليلا في إحدى المطاعم فيما كنت أشتغل نهارا بورشة الأحذية .
كان يوم أربعاء ، لا أحد يذهب إلى العمل ، الشوارع مليئة بالناس وكأنه يوم عيد . الشعب البريطاني في موعد مع الفرح والسرور . تشهد اليوم بريطانيا مراسم زواج الأمير أندرو وسارة فيرغسون وسط أجواء أسطورية تخيم على العاصمة لندن . لا حديث تلوكه ألسنة الناس سوى حديث زواج الأميرين . كان حدثا تاريخيا من العيار الثقيل .
كنت قد ضربت موعدا مع صديقتي سوزان بمحطة سانت جيمس بارك لحضور هذا الحدث التاريخي المهيب .
كان الطقس مشمسا رطبا ، ولم أكن أمتلك ملابس فاخرة تليق بهذه المناسبة . ارتديت قميصا أحمر ، وسروال جين أزرق مع حذاء رياضي . نفس البذلة التي انطلقت بها في رحلتي من العرائش، وهي أحسن ما أملك لحد الساعة .
غادرت البيت وقصدت محطة "وستبورن بارك" مشيا على الاقدام . تسلقت القطار مبتهجا وتوجهت نحو قصر باكينغهام الملكي ، حيث ستدور مجريات الحدث المشهود .
حط القطار بعد نصف ساعة بمحطة "سانت جيمس بارك" ، هرولت نحو المدخل الرئيسي حيث تنتظرني حبيبتي سوزان . اقتربت منها بشوق كبير ، ابتسامة مشرقة تشع من وجهها الملائكي المستدير ، شفتان حمروان ، عينان عسليتان وتصفيفة شعر مموج تسدله على كتفيها . إنها جميلة الجميلات جاءت لتؤثث بحضورها هذا الحفل الأسطوري وكلها أناقة وإثارة . ترتدي سوزان فستانا بنفسجيا من قماش الفسكوز ، تعبق منه رائحة عطر فرنسي ساحر كأنها بطلة فيلم آل باشينو الشهير "عطر امرأة" ، كانت ترتدي حذاء أسودا لامعا بكعب عال زادها فتنة وجمالا .
وقفنا برهة أمام مطعم "كنتاكي شيكن" . طلبنا وجبتين خفيفتين من الدجاج المقلي . قطع مقرمشة لذيذة متبلة ومرشوشة برقائق الذرة . نغمسها في صلصة مكسيكية حارة ونلتهمها مع قطع بطاطس مملحة على أنغام أغنية المغني الإنجليزي "كريس ديبورغ" "لدي إن ريد" . أغنية رومانسية فتنت عشاق العالم آنذاك .
خرجنا من المطعم، تابعنا سيرنا نحو قصر باكينغهام . أمسكت بيدها ثم أرختها، إحساس ناعم لا يقاوم . كانت أول مرة ألمس يد سوزان . أمسكتها مرة ثانية ، فالتصقت يدها بيدي وكأننا توأم سيامي . كنا نمشي في طريقنا وكأننا عاشقين إيطاليين من مدينة البندقية...على طريق قصر باكينغهام كان ينمو الحب !
تجمعت حشود ضخمة من الجماهير منذ ساعات الصباح خارج قصر باكينهغام للاحتفال بقران الأمير أندرو وسارة فيرغسون . حشود تدفقت من كل أنحاء بريطانيا وباقي أنحاء العالم . تعالت صيحات وأهازيج لحظة خروج العروسين من بوابة القصر حيث يصطف زهاء مليون شخص على الطريق بين القصر وكنيسة ويستمنستر أبي .
دفعني فضولي أن أتسلل وأخترق الصفوف نحو الأمام حتى أشاهد العروسين عن قرب . استحضرت في ذهني مشهد التزاحم عند بوابة سينما أبنيدا بمدينتي . كان سلوكا تلقائيا سلكته دون أن أشعر ، ككثير من سلوكيات منفرة جلبتها معي إلى بلاد الإنجليز ، لكن سوزان لم تكن لتبالي أو تتبرم مني .
لحظة امتطاء الأميرين للعربة الملكية الفارهة ، حضرتني حالة هي أقرب للهستيريا فبدأت أصيح بأعلى صوتي وألوح بيدي للأمير دون وعي مني ، حتى ظننته يعرفني : عاشت إليزابيث ! عاش أندرو ! تلبسني خشوع شديد وفرح كبير ، كان مشهدا عاطفيا جميلا ، لم أعد أستشعر حركاتي وكأن عقلي طار في الفضاء في حالة "نرفانا" . يقف بجانبي كهل إنجليزي فارع الطول ، يضع نظارات "راي بن" على جبينه ، ينظر إلي بعينين غائرتين وشفتين منقبضتين ، تخيلته غاضبا سيحتج علي أو يعاتبني ، لسان حاله يقول : وما موقعك من الإعراب من كل هذا أيها العربي الأبله ؟ .
كان الأمير يمشي مرتديا زيا رسميا للقوات البحرية فيما العروس ظهرت بفستان أبيض من حرير منفوش ، تسير على مهل وتجر ذيلا حريريا مثل الطاووس ، قيل إنه من تصميم المصممة "ليندا سييراش" . كان مشهدا رومانسيا رائعا يليق بزواج الأمراء . وضعت الأميرة سارة فيرغسون خاتم زواج مصنوع من ذهب ويلزي في بنصرها ، بينما كان خاتم الأمير من البلاتين الرفيع . حفل شارك فيه عدد كبير من المشاهير والشخصيات أمثال : إلتون جون ، جورج كلوني ، غاري لينكر ولاعب التينس جون ماكنرو.
كان العروسان يلوحان بيديهما الناعمتين من فوق العربة الملكية وسط حشد غفير من المواطنين . تسير العربة بسرعة بطيئة نحو كنيسة "ويسمنستر أبي" لاستكمال طقوس المراسم في حفل أسطوري بهيج ، أدار مراسم الزواج كبير أساقفة كانتربري الزعيم الروحي لطائفة الانجليكان .
عند مدخل الكنيسة قام الأمير بطبع قبلة حميمية على شفتي عروسه وسط صخب من هتافات الآلاف من المعجبين التي كانت تلوح برايات وطنية ملونة .
قبل بدء مراسم الحفل بساعات ، منحت الملكة الأمير أندرو وسارة فيرغسون لقب دوق ودوقة يورك .