كمال المدرعي: اليد التي قتلت عمر والطلبة بفاس والسياح في الأطلس هي التي خنقت سعيد ناشيد

كمال المدرعي: اليد التي قتلت عمر والطلبة بفاس والسياح في الأطلس هي التي خنقت سعيد ناشيد كمال المدرعي
أول مرة أحس بالخوف، بل بالهلع، في بلادي. أول مرة أرتعب من المستقبل وأنا أرى وحش الخرافة يخرج من العتمة وينظر إلى بعينيه الغائرتين. أول مرة أنظر لأطفالي وأفزع من أن يأكلهم الوحش. 
لسنين طويلة، بمشاعل الحرية والمعرفة، حاربنا الوحش الآتي من غياهب الماضي السحيق. حاصرناه في جحره بعد صراع مرير وبعد أن أخد منا الكثير. أغلقنا عليه منافذه بالكتب وعاد من بقي منا لأحبته ونسي أمره.
ها هو الوحش يعود من جديد، متغولا كما لم يكن أبدا، حاقدا حد الموت، مطلقا جحافله من الكائنات المشوهة تنهش كل ما هو جميل، كل ما هو مميز، كل ما هو مختلف. 
في غفلة منا تسلل إلينا من مدارس أطفالنا وجامعاتنا ومعاهدنا، تغلغل وسط عائلاتنا وأطاح برموزنا. استفرد بمؤسساتنا التي بنيناها حَجَرا حَجَرا.. أحيانا على حساب حيواتنا. بمباركة آلهة الوقت، ضيق الخناق على أحلامنا ببطء كما يخنق الكلب الطريدة. 
إله واحد، دين واحد، فكر واحد، حقيقة واحدة والموت بألف وجه، نفس اليد التي قتلت عمر قتلت الطلاب بفاس وذبحت السياح في الأطلس. نفس اليد التي غدرت بالبيضاء ومراكش. نفس اليد نفس الفكر نفس الوحش. ها هو يطفئ آخر مناراتنا ويشيد المشانق في مداخل حاراتنا ويعد لنا صكوك الإعدام الجاهزة مند قطعت قريش أرحامها من أجل السلطان.  
أقولها ولا أخجل، أنا خائف ومرتعب من الوحش، خائف على الأطفال والحدائق والمتاحف. خائف على ما تبقى من المكتبات، خائف على نقوش صخرية من العهد الحجري تحف عين ماء في قرية صغيرة بأحواز أدرار أن تنعت بنقوش الشيطان وتفجر بالديناميت والتكبير. خائف على أختي التي تعشق البحر وصديقي الذي يعشق الخمر. 
لقد عرفت الخوف حين نظرت في عيني جدة سورية من حلب تستجدي الناس بملتقى طرق قرب بيتي، نظرت للجدة الطيبة تحضن أحفادها تحت الشمس وسمعت قهقهة الوحش الآتية من هناك، كان يقهقه ويقول لي: هاته تباشيري. 
سيد سعيد، كان أجدى بهم أن يدقوا خنجرا في قلبك لكنهم أنذل من ذلك.
 
كمال المدرعي، فاعل جمعوي