أمين لقمان: يا عباد الله.. المغاربة عندهم مشكل مع جودة الحياة ومع الفساد وليس مع صلاة التراويح

أمين لقمان: يا عباد الله.. المغاربة عندهم مشكل مع جودة الحياة ومع الفساد وليس مع صلاة التراويح أمين لقمان مع مشهد لحظة وضوء أحد المواطنين في أحد المساجد

شكل قرار تشديد إجراءات الحجر الصحي ليلا من الثامنة مساء إلى السادسة صباحا، امتحانا عسيرا للدولة وللمجتمع، خاصة أن الأجواء رمضانية، وخاصة أنها طالت بشكل مباشر النسيج الاقتصادي والاجتماعي المنهوك.. وأيضا إغلاق المساجد بعد صلاة المغرب وما أثاره ذلك من نقاشات وتصنيفات وتحركات وغيرها..

 

لقد تشكل رأي يندد ويستنكر إغلاق المساجد، وهذا أمر طبيعي ومعروف، لما تشكله صلاة التراويح في رمضان لدى وجدان وعامة المغاربة.. لكن هذا الرأي الأغلبي سرعان ما تفاعل مع هاته الإجراءات مادام المغرب كباقي دول العالم يتخبط في مواجهته لفيروس كورونا وجيناته المتحورة وموجاته التي، وإن خفت مؤقتا اليوم، فإنها تستعير في عدد من دول الجوار كفرنسا وتونس التي أغلقت المدارس أيضا بسبب ارتفاع عدد الوفيات.

 

داخل هذا الرأي الأغلبي ظهر رأي سياسي محدود حاول التخندق وراء مقولة إغلاق بيوت الله ومنع الصلاة محاولا تقسيم المجتمع إلى فئة المسلمين الحاملين للواء الله، في مواجهة الكفار الفجرة الذين منعوا صلاة التراويح... وهناك من اعتبر البلاد أرض حرب، وهناك من أفتى.. وأصحاب هذه الدعاوي لم يفتوا في إجراءات مواجهة كورونا، ولا نددوا بإغلاق المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم.. ولا نددوا بغلاء الأسعار وتدني الخدمات الصحية والعمومية ولا اعتبروا إغراق النسيج الاقتصادي الهش بالضرائب اختلال في سنة صعبة ولا غيرها من مطالب المغاربة وتطلعاتهم.

 

إن أصحاب هذا "المشروع" ليس لهم أي برنامج سياسي واضح لحل مشكلات المغرب المعاصر، ولذلك كانت عملية دغدغة العواطف في توظيف ماكر للدين قصد حشد الاتباع لمواجهة الكفار الذين اغلقوا المساجد..!

 

لقد تبدى زيف هاته الشعارات ولم تنجح محاولات التجييش في المدن وأمام المساجد، لسبب بسيط هو أن المغاربة يريدون الكرامة والتشغيل والعدالة الاجتماعية ويريدون مواجهة الفساد المستشري ويريدون حقوقهم التي ينص عليها الدستور. ولا أحد يمنعهم من عبادة الله والصلاة ولو في غير المساجد في هذه الظروف الوطنية والعالمية العصيبة، فأجرها عند الله لا يتغير... إذا أغلقت المساجد ليلا لبعض الأيام، فغدا طبعا سوف تفتح وسيعود الناس لممارسة شعائرهم.. لكنها فرصة لن يفوتها تجار الدين ولن تمر دون تمرير الرسائل ودون تجييش الحشد والأتباع نصرة للتنظيم باسم الدفاع عن المساجد وعن الإسلام في مواجهة ما يعتبرونه "طاغوتا".

 

إن انتصاب بعض فصائل الإسلام السياسي وراء هذه الدعوات معروف عبر التاريخ وإخراجها وتوضيبها على منهاج الخلافة الاسلامية في مواجهة الكفار العلمانيين الملحدين صارت لعبة قديمة لا تقدم ولا تؤخر في معمعان المعركة التي يخوضها المغاربة كل في مجاله وقطاعه من أجل تحسين وتجويد نظم العيش ونظم الاقتصاد والادارة والسياسة.

 

المغاربة لم يكن لديهم مشكل مع الدين وعبادة الله، ولم يكن في سلم أولوياتهم "الشعب يريد صلاة التراويح"، دعوة ظاهرها حق وباطنها استغلال الدين لأغراض انتخابية وسياسية وتخريبية.

المغاربة عندهم مشكل مع طاغوت صعوبة العيش والحياة مع حقوقهم المهدورة مع التشغيل، وبناء اقتصاد وطني مزدهر ومحاربة الفساد وعدم إفلات الاختلالات من المساءلة والمتابعة وسيادة القانون.

 

المغاربة ليسوا قاصرين ولا بعيدين عن السياسة ولا مستسلمين، إنهم يواجهون بكل المسؤولية والوضوح مخططات تخريب البرامج والمؤسسات الاجتماعية والسياسية بنفس المسؤولية التي تتطلبها الإكراهات الوطنية لحماية أرواح المغاربة ضد الوباء.

 

إن جزءا كبيرا من التراجعات القيمية والثقافية، واتساع دائرة الفقر والجهل والإحباط الذي تنتعش فيها مثل هاته الدعوات يعود إلى غياب رؤية وطنية للتنمية والتواطؤ لتعطيل تدابير ومهام الانتقال إلى مصاف الدول الديمقراطية، ويعود بشكل كبير إلى غياب حكومة قوية مستقلة تمارس صلاحياتها بكل مسؤولية للنهوض بأوضاع المغرب والمغاربة.

 

المغاربة عندهم مشكل مع الديمقراطية وجودة الحياة وليس مع الله أو صلاة التراويح، ولديهم مشكل مع الفساد وليس مع هذا مسلم وهذا كافر. المغاربة عندهم مشكل مع جودة الحياة ومع الفساد وليس مع صلاة التراويح.

 

- أمين لقمان، فاعل سياسي وباحث جامعي