يوسف لهلالي: ما حقيقة وضعية التبادل الآلي للمعلومات البنكية حول حسابات مغاربة أوروبا؟

يوسف لهلالي: ما حقيقة وضعية التبادل الآلي للمعلومات البنكية حول حسابات مغاربة أوروبا؟ يوسف لهلالي مع صورة تعبيرية عن التبادل الآلي للمعلومات البنكية (أرشيف)

صدرت مند أسبوعين تقريبا العديد من المقالات والفيديوهات حول توقيع المغرب لاتفاقية سنة 2019 حول "تنزيل التدابير الخاصة بالاتفاقيات متعددة الأطراف المتعلقة بالضريبية ولمنع تأكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح". هذا الإعلان كان كافيا لإثارة جدل كبير، بل كان بمثابة زلزال وسط المغاربة المقيمين بأوروبا، وحول وضعية ممتلكاتهم وحساباتهم بالبلد الأصلي المغرب. والذي طرح سؤالا عريضا  حول وضعيتهم الضريبية  ببلد الإقامة وعلاقتهم بالبلد الأصلي.

 

وتم تداول معلومات متضاربة، أحيانا خاطئة، حول ما وقع عليه المغرب وما لم يوقع عليه، في ظل ظروف تزايد الضغط الدولي عليه من أجل الشفافية في هذا الموضوع. وطرح التساؤل هل ستفعل المملكة التبادل الآلي للمعلومات حول الحسابات والممتلكات؟ هل الأمر سوف يقتصر على حالات محددة، عندما تطلب مصالح الضريبة بفرنسا أو بلجيكا معلومات عن شخص ما؟ وهو الأمر الذي يتم عادة في إطار الاتفاقيات الثنائية التي تجمع المغرب بهذه البلدان. وهل طلب المغرب لمعلومات حول الوضعية المالية لبعض مواطنيه ببعض البلدان الأوروبية ستدفع هذه البلدان بالمطالبة بالمثل، وهي معرفة الوضعية المالية لمواطنين مغاربة مقيمين بها أو يحملون جنسيتها؟

 

الخطير في هذه الوضعية، والتي مست العديد من الحالات من المغاربة المقيمين ببلجيكا وهولندا، حسب ما تم تداوله من تقارير في هذا الموضوع، بعد طردهم من السكن الاجتماعي لمعرفة هذه البلدان بوضعيتهم المالية والعقارية بالبلد الأصلي المغرب. لكن من سلم هذه المعلومات؟ يبدو حسب المعلومات المتوفرة أن المصالح الإدارية لهذه البلدان استعانت بوسطاء مغاربة في الداخل في عدة مهن منظمة ولها الحق في الوصول إلى هذه المعلومات، دون الحاجة للمرور عبر القنوات الإدراية الرسمية والتي تشرف عليها وزارة الخارجية. وهو ما يطرح سؤالا كبيرا، وهو قدرة المغرب على حماية هذه المعلومات التي تخص مغاربة أوروبا، وهل يتوفر على الإجراءات القانونية للمعاقبة لهؤلاء الأشخاص الذين يقومون بالوساطة أو الموظفين الذين يتعاونون معهم ويسربون معلومات تخص مقيمين مغاربة بالخارج؟ وهو ما يفسر البيان الأخير الذي قامت به مصالح المحافظة العقارية لموظفيها، من أجل الامتناع عن مد اية جهة بهذا النوع من المعلومات دون مرورها بالقنوات الرسمية وعبر السلم الإداري؟ لكن هل المحافظة بالمغرب لها القدرة على كبح جماح الوسطاء والسماسرة الذين يحصلون على ما يريدون بطرق ملتوية ويقومون بتسريب هذه المعلومات لمن يدفع أكثر؟

 

للحد من هذا الجدل وهذه التخوفات في أوساط الجالية، صدر أيضا بيان لمديرة العامة لضرائب بالمغرب، أوضحت فيه "أن الاتفاقية متعددة الأطراف التي وقعها المغرب في يونيو من سنة 2019 والمتعلقة بتنزيل التدابير الخاصة بالاتفاقيات الضريبية لا تنص على أي تبادل آلي للمعلومات بين الدول. وهو ما أدى الى الارتياح لدى البعض من أفراد هذه الجالية. وقال نفس البيان، إن بعض الوسائل الإعلامية ربطت بين هذه الاتفاقية والتصريح من طرف غير المقيمين بالحسابات البنكية المفتوحة بالمغرب في الإقرارات الضريبية في البلدان التي يقيمون بها، اعتبارا من سنة 2021.

 

وفي هذا الصدد، أكدت المديرية أن "الاتفاقية المذكورة أعلاه لا تنص على التبادل الآلي للمعلومات. ومن جهة أخرى، فإنه ليس هناك أي التزام بالنسبة للمغرب للتبادل الآلي للمعلومات لأغراض ضريبية برسم سنة 2021".

 

هذا التوضيح والتوقف عند سنة بعينها أثار تخوفات لدى البعض من المقيمين بالخارج، هل المغرب يطلب بعض الوقت قبل تطبيق هذا التبادل الآلي لمعلومات كما تنص عليه العديد من الاتفاقيات بين البلدان في هذا المجال خاصة مع بلدان الاتحاد الأوروبي؟ أو أن هناك صياغة سيئة، وأن من وضع البيان ربما لم ينتبه لصياغة بما يوحي أن الدولة تلتزم حتى هذه السنة فقط. وهو ما يحتمل هذا التأويل، كما ذكر لنا الخبير والأستاذ في المجال البنكي محمد الزاهر.

 

ويضيف حول هذه الاتفاقية "أن الأبناك المغربية، لم تتوصل بأي اشارة في هذا الموضوع من الجهات الرسمية، والاتفاقية التي التزم بها المغرب حول الوعاء الضريبي لا تتضمن أي الزام للأبناك المغربية ولم تتوصل بما يفيد ذلك حتى الساعة. وحول تحديد سنة 2021 يقول نفس الخبير "إن الترابط الاقتصادي والمالي الذي تفرضه العولمة يفرض على المغرب الانخراط في الجهود الدولية للالتزام بالشفافية المالية، ونعتقد أن المغرب يسير في هذا الاتجاه وأن كل ما يمكن للحكومة الأن هو التفاوض مع الاطراف الموقعة من أجل الدفاع عن مصالح مواطنيها ومصالح اقتصادها، ونعتقد أن هناك بالتأكيد مفاوضات بهذا الصدد وأن تأجيل العمل بما جاء في الاتفاقية، لن يكون أكثر من سنة أو سنتين على أقصى تقدير."

 

وإذا كان الوضع واضحا حتى الآن بالنسبة للأبناك، حسب هذا الرأي، هل هناك أجندة في هذا المجال؟ وهو ما يطرح قضية سياسية مرتبطة بهذا الموضوع، هل يمكن للمغرب أن يطلب من شركائه في أوروبا مرحلة انتقالية تمكن هؤلاء المواطنين من تسوية وضعيتهم، وهو إجراء قامت به بلدان عديدة عندما تم رفع السرية عن الحسابات بسويسرا. طبعا من سيقترح ذلك الأمر على الفاعلين السياسيين في غياب مؤسسات وسيطة تمثل مغاربة أوروبا الذين يواجهون هذا الإشكال اليوم.

 

هذا الجدل الذي رافق إمكانية تسليم المغرب لمعطيات بنكية وعقارية حول مواطنيه الذين أصبحوا يقيمون ضريبيا في بلدان اخرى، يطرح قضية التحول الكبير الذي تعرفه الهجرة المغربية بأوروبا، والتي تحولت من هجرة مؤقته، كما كان وضع  الجيل الأول منها وكما كانت تنص على ذلك الاتفاقيات الثنائية لليد العاملة بين المغرب والعديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا، إلى هجرة دائمة، بل إن أغلب مغاربة أوروبا يحملون أو يحمل أطفالهم وأحفادهم جنسيات البلدان التي يقيمون بها. وهو ما يعني ارتباطهم ببلد الاقامة وبالإقامة الضريبة بهذه البلدان التي تلزمهم التصريح بكل ما يمتلكون أو ما حصلوا عليه من إرث أو حسابات مالية مهما كانت بسيطة. والارتباط العاطفي والوجداني بالبلد الأصلي المغرب لا يعفيهم من ذلك. وهو ما يحتم عليهم قانونيا حسب العديد من خبراء القانون الذين استشرناهم حول هذه الأزمة بضرورة التصريح بكل  ممتلكاتهم بالبلد الاصلي إلى  تلك البلدان. وحسب أحد الخبراء في المحاسبة الدولية الذي قمنا باستشارته، والذي لا يريد أن نكشف هويته، "فإن كل مقيم بفرنسا عليه الإقرار بالشرف في التصريح الضريبي الذي يقوم به، فعليه حسب هذا القانون الإعلان عن الأملاك والأصول التي يتوفر عليها بالخارج. وهو ما يجعل أغلب المغاربة في وضعية غير سليمة تجاه ضرائب بلدان الاإامة.

 

وحسب نفس الخبير، فإن المغرب سوف يتعرض لعدة عواقب على المستوى الاقتصادي، إذا لم يدبر هذه الأزمة بشكل جيد، خاصة الاحتفاظ بثقة هؤلاء المغاربة، والبحث عن توافقات مع بلدان الإقامة. الأبناك المغربية أيضا سوف تتأثر في حالة إقفال هذه الحسابات التي تشكل 22 في المائة من مجموع حسابات التوفير (حوالي 180 مليار درهم إحصائيات 2019) وما يرافقها من تحويل بالعملة الصعبة سواء شهريا أو سنويا. وكذلك الانعكاسات على سوق العقار والأنشطة المرتبطة به حيث يستهلكون 25 في المائة مما يتم إنتاجه بالمغرب.

 

وحسب  الخبير البنكي محمد الزاهر، "فإن التصريح بالأملاك والحسابات البنكية لا يطرح أي مشكل للأغلبية الساحقة من مغاربة أوروبا، على اعتبار ما يبعثون  به إلى المغرب يعود إلى مداخل أنشطتهم بأوروبا والتي يصرحون بها لضرائب والتوفر على حسابات أو معاملات تجارة بالخارج ليس جريمة أو أمر يمنعه القانون، لكن على الأشخاص فقط الإدلاء بذلك في تصريحهم الضريبي الذي يقومون به كل سنة. وأضاف إلى وجود اتفاق ضريبي بين المغرب وأغلب البلدان الأوروبية، كما هو الحال مع فرنسا والذي ينص على عدم الازدواج الضريبي.

 

طبعا، أغلب الخبراء الذين اتصلنا بهم يؤكدون على ضرورة تصريح المغاربة في أوروبا بما يملكون في المغرب، وهو ما يجعل أغلبهم عرضة لمتابعة الضرائب لعدم قيامهم بذلك منذ التصريح بالإقامة الضريبية بالبلدان التي يقيمون بها اليوم. وهو ما يحتم على المغرب ايجاد اتفاق سياسي مع شركائه الأوروبيين خاصة البلدان التي تضم جالية مغربية مهمة مثل فرنسا، بلجيكا وهولندا، بالإضافة إلى بلدان جديدة في الهجرة المغربية مثل إيطاليا وإسبانيا. لكن حتى الآن ورغم الجدل الكبير الذي رافق الموضوع، وسوء الفهم حول ما وقع عليه المغرب ولم يوقع عليه. الجواب الرسمي كان بيان يتيم لمصلحة الضرائب غير واضح ويتحدث عن سنة 2021 وآخر للمحافظة العقارية. لكن الحكومة المغربية، أعطت انطباعا بعدم اهتمامها بهذا الموضوع، وبقلق مغاربة الخارج من هذه الوضعية الجديدة. هذا الوضع سوف تكون له انعكاسات جد سلبية على المغرب إذا لم يتم تدبيره بشكل يخدم مصالح البلد ومغاربة أوروبا على الخصوص.

 

لهذا يبقى السؤال حول حقيقة التبادل الآلي للمعلومات البنكية بين المغرب وبلدان الإقامة امرا مطروحا ومثيرا لتساؤلات في غياب أجوبة صريحة حول الوضعية اليوم وفي المستقبل.