العسري: قضية الباكوري تكشف أن «ديمقراطية المغرب لا تتابع المسؤولين الكبار»

العسري: قضية الباكوري تكشف أن «ديمقراطية المغرب لا تتابع المسؤولين الكبار» الدكتور جمال العسري، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد
بخصوص مسألة منع مصطفى الباكوري من السفر إلى الإمارات، ولفهم الصمت المطبق حول هذه القضية، علينا بداية أن نضع هذه الشخصية في السياق الذي برزت وظهرت فيه، ثم وضعها في سياق المحيط الذي تتحرك فيه، آنذاك يمكن فهم هذا الصمت.
فمصطفى الباكوري، أحد مؤسسي حركة من أجل الديمقراطية التي أخرجها للوجود فؤاد عالي الهمة وترأس حزب «الأصالة والمعاصرة». وفي 30 ديسمبر 2009 عينه الملك محمد السادس بالقصر الملكي بمراكش مديرا عاما للوكالة المغربية للطاقة المستدامة، والمنصبان معا من المناصب الحساسة، وثبت قربه من محيط المخزن. ومن هنا يمكن فهم حالة الصمت التي تحيط بحالة المنع من السفر، فمن الأعراف والتقاليد المخزنية التي تعايش معها المغاربة منذ ما قبل الاستقلال وما بعده، أن محاسبة المقربين من المخزن والدائرين في فلكه تمر دوما في صمت، وتمر عملية عقابهم خلف الستار.
نعم يشاع أن من أسباب هذا المنع تهمة التخابر مع دولة ألمانيا، ولكن وفي غياب أي تأكيد للخبر لا يمكن إعطاؤه الكثير من الأهمية، لأن واقعة مثل هذه إن صدقت لا يمكن السكوت عنها ولا تجاوزها مهما كانت مكانة ومنزلة صاحبها. وبناء عليه شخصيا أستبعد هذه التهمة، وإن كان بيان وزارة الخارجية الخاص بقطع بعض العلاقات مع السفارة الألمانية لم يوضح الأسباب الدافعة لهذه الخطوة الخطيرة، وهو ما يفتح الباب أمام كل التأويلات ويزكي كل الإشاعات ولا ينفي أي واحدة منها.
منع الباكوري من السفر والغضبة منه لم تكن وليدة اللحظة، ولم تكن مفاجئة، خاصة إذا ربطنها بالغضبة الملكية بسبب اختلالات في تسيير وكالة «مازن» وفي تأخر تنفيذ بعض المشاريع، وهو ما يستشف من بلاغ الديوان الملكي الصادر بتاريخ 22 أكتوبر 2020، والذي أعقب جلسة عمل ترأسها الملك خصصت لاستراتيجية المملكة في الطاقات المتجددة، ورد فيه أن «الملك سجل بعض التأخير الذي يعرفه هذا المشروع الواسع»، و«لفت جلالته الانتباه إلى ضرورة العمل على استكمال هذا الورش في الآجال المحددة، وفق أفضل الظروف، وذلك من خلال التحلي بالصرامة المطلوبة».
فالبلاغ يؤكد على ثلاث نقط: التأخير وعدم التحلي بالصرامة، ثم يلفت انتباه المسؤول.
وفي الأعراف الإدارية فلفت الانتباه هو نوع من أنواع العقوبات الإدارية، لذا فمنعه من السفر يمكن ربطه بالنسبة لي شخصيا بما يمكن أن يكون قد حصل من تجاوزات في وكالة «مازن»، خاصة وأن هناك أحاديث غير مؤكدة عن اختلالات مالية تقدر بالملايير كشفتها بعض لجان البحث، وإن كنت شخصيا وبناء على التقاليد والأعراف المخزنية أستبعد الذهاب بالملف إلى أبعد مداه ومحاكمة المعني بالأمر.
قضية الباكوري وقبلها العشرات من القضايا مثلها تطرح سؤال الشفافية، وسؤال ربط المسؤولية بالمحاسبة وقبل هذا وذاك سؤال حق المواطن المغربي في الحقيقة، وحقه في الاطلاع على مثل هذه الملفات التي تبقى مركونة في زاوية السرية. ويبقى المواطن الذي يؤدي الضرائب آخر من يعلم، وهذا سؤال آخر من الأسئلة العديدة المتعلقة بحقيقة الديمقراطية المغربية. فأي ديمقراطية هاته التي لا يتابع فيها المسؤولون الكبار، وتبقى المتابعة مفتوحة في وجه صغار الموظفين. ومن هنا تأتي مصداقية أحد أهم المطالب التي يطالب بها الشعب المغربي «ربط المسؤولية بالمحاسبة». فهل يكون ملف الباكوري هو الباب الذي يدخلنا لتحقيق هذا المطلب؟!