لحسن العسبي: "ضيعة العرجة".. ألم يكن أنبل للسلطات الجزائرية أن لا تنزلق لاجتثاث الجذور وقطع الأرزاق؟

لحسن العسبي: "ضيعة العرجة".. ألم يكن أنبل للسلطات الجزائرية أن لا تنزلق لاجتثاث الجذور وقطع الأرزاق؟ لحسن العسبي

هل هو مجرد مكر التسمية "العرجة"، الذي يجعل تحرك الحكومة الجزائرية (هنا والآن) لإنفاذ القانون ضد عائلات مغربية تستغل ملكية أراض فلاحية (ضيعات نخيل) من عائلات "أولاد سليمان"، بعد "تناس" امتد لعقود طويلة، تحركا "أعرج" على مستوى مقاصده الآنية اليوم؟. لأنه واضح أن التوقيت غير عاد، وأن الغايات (وليس الغاية الواحدة) ليست ذات نية سليمة. وهو التحرك الذي حدد سقف المبادرة زمنيا ومكانيا، ضاربا بعرض الحائط (مرة أخرى) البعد الإنساني والأخوي لعائلات مغربية ظلت تلك الضيعات مصدر رزقها منذ عقود.

 

إن "عرج" قرار التحرك الجديد للحكومة الجزائرية كامن أيضا في أن من غاياته الخاسرة "التنفيس" الآني عن مسلسل للخيبات السياسية والديبلوماسية للسلطة الجزائرية داخليا وخارجيا خلال السنوات الأخيرة. مثلما أن من غاياته الثاوية توجيه الأنظار داخليا صوب ما تريده "معركة سيادية"، جيشت لها التلفزيون الجزائري نفسه، للتشويش على معركة الديمقراطية والتغيير التي يقودها جيل جديد من الجزائريين في الشارع العام. ثم أخيرا وهم محاولة جر المغرب إلى مواجهة واضح أن عقل الدولة المغربية الهادئ والرصين لم ولن ينجر إليها أبدا.

 

إنسانيا، ليس الملف بسيطا، كونه يتعلق بمصدر رزق عدد من العائلات الفلاحية المغربية بمنطقة فكيك الحدودية، وجدت نفسها أمام قرار لاقتلاع ليس فقط جذور غابات للنخيل في ضيعات فلاحية (حتى ووصية الرسول الكريم تقول دوما "لا تقطعوا شجرة")، بل اقتلاع جذور تلك العائلات من فوق أرض ظلت لقرون أرض أجدادهم. لأنه لا يمكن لأي أحد أن ينكر أن تلك الأراضي، تاريخيا، كانت أراض مغربية بما يكفي من الأدلة والمستندات التاريخية، وأن رابطة علاقات الدم بين سكان المنطقة في الجهتين المغربية والجزائرية هي من القدم والقوة ما يؤكد أن مسألة ترسيم الحدود لا يقطع أبدا عمق تلك الأواصر أو ينهيها. ولا يمكن أيضا التعامي على أن الدولة المغربية قد تنازلت عن تلك الأراضي منذ 1992، تاريخ نشر اتفاقية الحدود الموقعة بين المغرب والجزائر بالرباط يوم 15 يونيو 1972، بالجريدة الرسمية، وأنها اعتبرت بالتالي جزء من الأراضي الجزائرية.

 

نعم، علينا مغربيا اليوم، ما بعد 18 مارس 2021، أن نستوعب مؤسساتيا وتدبيريا وإداريا، تداعيات ذلك الاقتلاع من الجذور لعائلات مغربية من أبناءنا من جماعة "أولاد سليمان" بفكيك، مثلما استوعبنا سنة 1975 تشريد وطرد الآلاف من العائلات المغربية التي رمت بها السلطات الجزائرية حينها، على عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، على الحدود بمنطقة "زوج بغال" قرب وجدة (رغم اختلاف الملفين، فالروح المحركة لا تزال واحدة). للأسف، ذلك قدر بعض الجوار حين لا يضع للحرمة اعتبارا، وينزل فقط إلى منطق الانتقام بغاية "الإساءة" نفسيا ووجدانيا وإنسانيا لجاره، وهي حالة فريدة في كل خريطة العالم العربي، لا نظائر لها أبدا. وللأمر أسبابه النفسية المرتبطة بعقد التاريخ والتراكم الحضاري على كل حال. بل أكثر من ذلك، علينا أن لا نفقد البوصلة في ضفتنا المغربية، من أن معركتنا نحو المستقبل، أوسع نظرة وأشمل رؤية، من مجرد لعبة صغيرة "عرجاء"، مسنودة نعم بقوة النص القانوني، لكنها فاسدة من حيث اختيار توقيت تنفيذها. وحتى واجب التضامن مع الشعب الجزائري في معركته السلمية الحضارية من أجل حقه في دولة المؤسسات والحق والقانون والدولة المدنية، يفرض علينا في ضفتنا المغربية، أخلاقيا، أن لا نمنح لجزء من السلطة المتسلطة على ذلك الشعب الشقيق فرصة للتشويش على نبل تلك المعركة بالمعنى الحقوقي كما هو متعارف عليه عالميا. ف "عدو" الشعب الجزائري ليس هو جاره الغربي (كما تحاول ترسيخ ذلك الآلية الإعلامية الرسمية للحكومة الجزائرية، منذ أسابيع بشكل ممنهج، عبر أذرع متعددة من السياسي إلى الاقتصادي إلى الرياضي)، بل العدو الحقيقي له هو الفقر والتهميش والإقصاء من الحق في التنمية والأمن في معناه الشامل وفقدان الأمل في الغد، الذي يرزح تحته ذلك الشعب الشقيق والأبي.

 

بالعودة إلى أصل الحكاية، نجد أن الأمر متعلق بأراض شبه صحراوية، استصلحتها عائلات مغربية من أبناء "أولاد سليمان" يشكلون جزء من النسيج العائلي لقصور منطقة فكيك، منذ عقود، حيث أحيتها من خلال حفر نقط ماء للسقي، مكنت من خلق مورد إنتاج للتمور ذات الجودة العالية، تسوق في الجهتين معا المغربية والجزائرية. وتشكل نموذجا للتكامل الفعلي ميدانيا بين النسيج الاجتماعي بالمنطقة سواء في الجهة الجزائرية أو الجهة المغربية، رغم قرار إغلاق الحدود رسميا بين البلدين. والأمر بالمناسبة لا يقتصر على الضفة الجزائرية فقط، بل إنه متحقق أيضا حتى في الضفة المغربية، حيث هناك عائلات جزائرية تباشر استغلال أراض فلاحيا بشكل متواصل منذ عقود ولم تمنعها السلطات المغربية قط.

 

بالتالي، فإن السلطات في البلدين كانت على اطلاع دائم ومتواصل على ذلك التواشج التعاوني عائليا بين عروق الدم بالمنطقة، معتبرة إياه بقوة الواقع، أمرا عاديا ومسموحا به. ولعل من حسنات "الأزمة العرجاء" التي اختارت أن تنفذها السلطات الجزائرية اليوم، كامن في أنها جعلت الجميع في البلدين يعيد اكتشاف مدى قوة التواشج الإنساني والعائلي والاجتماعي في تلك المنطقة الحدودية، وأن واقعا فعليا للمغرب الكبير قد ظل متحققا هناك عنوانا على أن الدم شعبيا بين المغرب والجزائر واحد (ليس اعتباطا أن رفعت جماهير رياضية مغربية بفاس، مثلا، أثناء نهائيات كأس إفريقيا الأخيرة المقامة بمصر، لافتة كتبت عليها عبارة "أنا مغربي، إذن أنا جزائري"، كناية على أن الدم واحد والمصير واحد).

 

لكن، أمام تطورات داخلية وخارجية أصبحت تطوق السياسات المتبعة من السلطة بالجزائر، التي أصبح واضحا أنها خيارات سياسية هي في خصومة مع مطامح شعبها في التقدم والتنمية والحريات وتوزيع عادل للثروة، مثلما هي في خصومة مع التحولات الإقليمية والقارية والدولية للمساعدة على تحويل منطقتنا المغاربية إلى تكتل جهوي محقق للأمن ومنخرط ضمن منظومة السوق العالمية. أمام تلك التطورات شرعت تلك السلطات الجزائرية، التي لا تزال سجينة منطق الحرب الباردة وأسلوب الجمهورية الجزائرية الأولى لنظام الحكم الواحد والرأي الواحد، في البحث عن إحياء نقط تلهية وتشويش أمام حتمية تلك التطورات الداخلية والخارجية. وكان من ضمنها ملف "ضيعات فلاحية" لعائلات مغربية فوق أرض أصبحت جزائرية رسميا منذ ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر وتسجيلها بهيئة الأمم المتحدة. فأصبحت تلك السلطات، من خلال هذا الملف الصغير، في مستوى صغر "دولة ضيعة فلاحية" وليس دولة ذات أفق أوسع وأشمل، منتصر لتوسيع أسباب الأمن والسلم بالمنطقة. ذلك أن ممكنات الحل، بمنطق الدولة الكبيرة، جد متعددة، حتى ضمن الإطار القانوني، دون حاجة إلى تنفيذ قرار "اقتلاع جذور النخل" واقتلاع "جذور عائلات مغربية" تمارس استثمارا فلاحيا فوق ضيعات استصلحتها وتملك أوراق استغلالها أبا عن جد.

 

إن السليم في الأمور، لو كانت النيات حسنة عند الحكومة الجزائرية، هو أن تحتضن تلك العائلات المغربية لدمجها قانونيا ضمن منظومة إنتاج اقتصادية تميز عادة مناطق الحدود بين البلدين، بما يعزز من استمرار إنتاج فلاحي (التمور أساسا)، ويعزز من قوة الترابط العائلي والاجتماعي بين الشعبين المغربي والجزائري. وأن يكون ذلك ضمن منظومة قانون الاستثمار بالجزائر. أما أن يكون القرار هو "الاقتلاع" (بكل ما يخلقه ذلك من مآس إنسانية على مستوى الأرزاق)، فالأمر لا يليق بمنطق الدولة الذي يجب أن يكون كبيرا بقراراته المؤسساتية. ولعل في شكل تعامل الدولة المغربية مع تطورات هذا الملف، ما يقدم الدليل على كياسة كبيرة ومنطق نضج في التعامل ينتصر للمستقبل ولا يركب على التجييش العاطفي، الباحث عن الحلول لمأساة إنسانية وجدت ضمنها عائلات مغربية نفسها ضحية حسابات صغيرة. والمغرب لن يتخلى بطبيعة الحال عن أبنائه أولئك، وتمة اليوم آلية مؤسساتية وإدارية لحل مشكل مورد رزق دائم وكريم ومحترم لتلك العائلات، عبر التفاوض معهم، بما يحقق لهم الرضى الكامل (ولعل الرسالة الأبلغ أن الأمر ترك حله للسلطات المحلية بفكيك وليس للسلطات المركزية بالعاصمة).

 

القانون وروح القانون

شكل يوم 24 يونيو 1992، نقطة تحول بين مرحلة ومرحلة في ملف إشكالية الحدود بين المغرب والجزائر، حين صدر بظهير شريف بالجريدة الرسمية المغربية نص معاهدة خط الحدود بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية. ذلك أن تبعات سقوط منطقتنا المغاربية في يد الاستعمار الأجنبي (الفرنسي بالتحديد)، قد جعل بلادنا تفقد الكثير من أراضيها الشرعية، بحكم قوة السيادة والوثائق الرسمية، الإدارية والقانونية، منذ سنة 1900، بعد أن احتلتها القوات الاستعمارية تلك بالقوة وألحقتها بالجزائر، التي كان استعمارها لها استعمارا استيطانيا، بدليل اعتباره لها مقاطعة فرنسية. وظلت قائمة مطالب المغرب باستعادة تلك الأراضي الشاسعة من الصحراء الشرقية للمغرب، شعبيا ومؤسساتيا، قبل وبعد استقلال الجزائر سنة 1962، بعد احتلال دام 132 سنة. ورغم محاولات الجنرال دوغول مساومة المغرب سنة 1958، لإعادة تلك الأراضي إلى السيادة المغربية مقابل إنهاء دعم المغرب شعبيا ورسميا وفعليا للثورة الجزائرية، فإن الموقف المبدئي والوطني الذي تمترس وراءه الملك الوطني المغربي محمد الخامس هو رفض تلك المساومة، وأن مسألة تلك الأراضي وترسيم الحدود سيتم مع إخوتنا الجزائريين بعد نيلهم استقلالهم. بل إن اتفاقا كان قد وقع بهذا الخصوص بين الحكومة المغربية والحكومة الجزائرية المؤقتة بزعامة فرحات عباس، وهو الاتفاق الذي تحللت منه أول حكومة للاستقلال بالجزائر على كل حال. فبقي الملف قائما ومفتوحا بين البلدين، بكل ما كان له من تأثيرات ضاغطة في الداخل المغربي سياسيا وحزبيا.

 

علينا الانتباه هنا لمعطى تاريخي جد هام، ميز شكل استعادة الدولة المغربية لأراضيها المستعمرة، مختلف عن كل حالات الاستقلال عن الاستعمار بالعالم. ذلك، أن احتلال القوى الأجنبية للأراضي المغربية منذ نهاية القرن 19، بجنوبه الصحراوي الغربي وشرقه، ثم بباقي أراضيه ابتداء من سنة 1912، لم تكن نتيجته إسقاط الدولة المغربية ونظامها السياسي القائم منذ قرون، بل إن ذلك الاحتلال قد ظل معترفا بالسيادة القائمة مؤسساتيا للدولة المغربية الواقعة تحت الوصاية. بالتالي، فإن استعادة المغرب لأراضيه (استقلالها) قد ظل دوما يتم من خلال التوصل إلى توقيع اعتراف رسمي بالاستقلال بين الدولة المغربية ممثلة في العرش وبين حكومات الدول المحتلة لأراضيه. فذلك ما وقع مع فرنسا لاستعادة وسط المغرب يوم 2 مارس 1956 ومع إسبانيا لاستعادة الشمال في أبريل 1956، ثم مع استعادة منطقة طنجة الدولية في 1957، ثم مع استعادة طرفاية من الإسبان سنة 1958، ثم استعادة سيدي إفني من ذات الدولة المستعمرة سنة 1969، ثم استعادة الصحراء الغربية من مدريد سنة 1976 بعد توقيع "اتفاقية مدريد". وأن توقيع تلك العهود بالاستعادة تسجل بهيئة الأمم المتحدة لتمتلك قوة القانون الدولي (وحدها اتفاقية مدريد التي ظلت موضوع طعن والتباسات قانونية إلى اليوم ليس هنا مجال تفصيل القول فيها).

 

بالتالي، فقد ظلت مطالب فتح المفاوضات مع الجزائر المستقلة لاستعادة الأراضي التاريخية للمغرب في صحرائه الشرقية متواصلة إعلاميا وحزبيا (وضمنيا مؤسساتيا)، مما أفضى إلى مفاوضات طويلة ما بين 1969 و1972، انتهت إلى معاهدة ترسيم الحدود بين البلدين يوم 15 يونيو 1972. وكانت الخلفية التي سرعت مغربيا من توقيع تلك المعاهدة، هو إنهاء الخلاف مع الجارة الجزائر، للتفرغ لملف تحرير الصحراء الغربية للمغرب من الاستعمار الإسباني بزعامة النظام العسكري للجنرال فرانكو، الذي شرع يخطط لمنح تلك الأقاليم نظاما للتبعية النهائية لإسبانيا مغلف في شكل استقلال. مع تسجيل معطى تاريخي، هو أنه رغم توقيع المغرب لتلك المعاهدة مع الجزائر، فإنه لم يتم التصديق عليها مؤسساتيا وبرلمانيا حتى سنة 1992، وصدرت بظهير في الجريدة الرسمية يوم 24 يونيو 1992. مثلما أنها لم تسجل بهيئة الأمم المتحدة سوى في سنة 1989. مما كانت نتيجته وضع نقطة النهاية لأية مطالب مغربية في تلك الأراضي التي اقتطعها منه الاستعمار ما بين سنوات 1900 و1903.

 

ما الذي تقوله تلك المعاهدة بخصوص منطقة "العرجة" الحدودية؟

في النص المنشور بالجريدة الرسمية للمغرب (عدد 4156 – السنة الواحدة والثمانون)، بتاريخ 24 يونيو 1992، نجد الإشارة إلى أنه بعد الاطلاع على المعاهدة المتعلقة بخط الحدود القائمة بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية الموقعة بالرباط يوم 15 يونيو 1972، وعلى محضر تبادل وثائق المصادقة عليها المحرر بالجزائر العاصمة يوم 14 ماي 1989، تقرر نشر نص تلك المعاهدة بالجريدة الرسمية للمغرب، التي وقعها عن الجانب المغربي وزير الخارجية أحمد الطيبي بنهيمة وعن الجانب الجزائري وزير خارجيتها عبد العزيز بوتفليقة. وأنه تطبيقا لمعاهدة إيفران بتاريخ 15 يناير 1969، ولتصريح تلمسان المشترك بتاريخ 27 ماي 1970، ولبلاغ الرباط المشترك بتاريخ 6 يونيو 1972، وللتصريح الجزائري المغربي الصادر بالرباط يوم 15 يونيو 1972. وكذا مع مراعاة معاهدة رسم الحدود بللامغنية الموقعة بتاريخ 18 مارس 1845، فيما يرجع لمقتضياتها المتعلقة برسم الحدود الجزائرية المغربية وكذا النصوص الموالية، خاصة منها اتفاقية 20 يوليوز 1901 و اتفاق 20 أبريل 1902، فيما يرجع لمقتضياتها المتعلقة  برسم الحدود بين الدولتين (أي أن المغرب قبل عمليا بما تم توقيعه من قبله كدولة مستقلة سنة 1901 و1902، بالإكراه مع السلطات الاستعمارية الفرنسية بخصوص أراضيه الشرقية). إذن، استنادا على كل ذلك تم توقيع تلك المعاهدة المغربية الجزائرية لترسيم الحدود ونشرها بالجريدة الرسمية.

 

ضمن تلك المعاهدة، إذن، نجد الفقرة الخاصة بمنطقة فكيك من الجهة المغربية ومنطقة بني ونيف من الجهة الجزائرية، التي تتضمن تفاصيل رسم الحدود المتعلقة بمنطقة "العرجة". وهي الفقرة التي تقول بالحرف: "وتسير عبر خط القمم مارة بالنقط المرقومة 1544، 1026 (جبل ملياس) وتمر بعد ذلك بخط القمم على المرتفعات التي تفصل واحات بني ونيف وفجيج، مجتنبة منطقة الكثبان الرملية شرق هذه القرية، مارة بالواد غير المسمى، حتى التقائها بواد حلوف، تابعة هذا الواد شمالا حتى رأس بني سمير". ونجد أن من بين الخرائط المرفقة الموضحة لترسيم تلك الحدود، الخريطة رقم 9 الخاصة بمنطقة بني ونيف.

 

بالتالي، فإن المناطق التي تقع شرق خط القمم وهما جبلان واحد منهما اسمه "ملياس" وهي منطقة بني ونيف أراض جزائرية، وما يقع غرب ذلك الخط أي منطقة فكيك أراض مغربية. بينما ما يقع شمال المنطقة الممتدة بين "الواد غير المسمى" (يعرف اليوم بواد زوزفانة) حتى نقطة "واد حلوف" هو أراض جزائرية، وما يقع جنوبها هو أراض مغربية. ذلك أن منطقة فكيك ترابيا تعتبر نقطة جغرافية ناتئة داخلة في محيط دائري لرسم الحدود، ما يجعل التحديد قائما بين شرقها وشمالها وجنوبها. وبالعودة إلى الخريطة رقم 9 تلك، نجد أن الموقع حيث تقع ضيعات "العرجة" التي ظلت تستثمرها عائلات مغربية من "أولاد سليمان"، هو مندرج ضمن الأراضي الجزائرية.

 

هنا يطرح سؤال القانون وروح القانون على السلطات الجزائرية، بالشكل الذي كان يفرض عليها معالجة مختلفة للصيغة التي اختارت أن تنتهجها ضد تلك العائلات المغربية المتواجدة هناك منذ عقود. ولعله قد يكون هذا الإجراء واحدا من الملفات التي قد تعزز من موقف رجل الشارع الجزائري، بنخوة الجزائريين الأصيلة، في محاسبة سلطاتهم ضمن الحراك الشعبي هناك، بالشكل الذي قد يجعل السحر ينقلب على الساحر.