حسن "مُولْ اَلْعَوْدْ" شيخ العيطة الحصباوية...فارس "مُولْ اَلْبَرْﯖِي" وارث سر أجداده

حسن "مُولْ اَلْعَوْدْ" شيخ العيطة الحصباوية...فارس "مُولْ اَلْبَرْﯖِي" وارث سر أجداده الشيخ حسن "مول العود" يمتطي صهوة آلته الوترية وصهوة حصانه بجانب مقدم سربة عبدة شرف البحراوي

لا تفصلنا إلا سويعات قليلة لولادة و تلقي باكورة الأعمال الفنية العيطية لمجموعة الشيخ حسن السرغيني العبدي الملقب بـ "مُولْ اَلْعَوْدْ"، والإطلاع على منتوج تراثي أصيل ساهم فيه ثلة من شباب العيطة بجانب فارس "مُولْ اَلْبَرْﯖِي"، الذي جمع بين اَلْحُسْنَيَيْنِ في اختياره الربط بين احترافية امتطاء صهوة الخيل وإطلاق البارود في مجمع لمة لحباب، وامتطاء صهوة آلة لوتار على إيقاع متون عيطتين تعتبران من روائع عيوط عبدة الساحرة وهما عيطة "اَلرًادُونِي" و عيطة "بِينْ اَلجًمْعَةْ وُالثْلَاثْ" على شكل (فيديو كليب) سيحقق المتعة والفرجة والإستمتاع ..فمن يكون حسن الزطمي/السرغيني الملقب بـ "مُولْ اَلْعَوْدْ"

شكرا لجريدة "أنفاس بريس" التي نعتبرها نحن الفنانين الشباب "صوت التراث المغربي بكل مكوناته وخصوصياته وروافده، ومنبرا مدافعا عن فن العيطة المغربية والموسيقى التقليدية وكل مكوناتها الفاعلة والمتفاعلة معها". هكذا استهل الفنان حسن الزطمي حديثه مع الجريدة، ليعرف بنفسه للقراء بأنه من مواليد شهر أكتوبر من سنة 1983 (مْعَ حَلًانْ اَلزًرٍيعَةْ)، ويربطه بالعالم القروي وثاق تربة الأرض والإنسان ورائحة كنوز صندوق الأجداد بعدته وعتاده. وتأثره بمشاهد البادية وأصوات الحيوانات وإشراقات نسائم صباحات أشعة الشمس البهية بجماعة اَلصْعَادْلَةْ قيادة دار القايد السي عيسى فخدة لَوْلَادْ، بدوار السراغنة الذي تشكلت منه عائلتنا بمنطقة لَعْبَابْسَةْ ".

"لقد ترعرعت واشتد عودي في الوسط التراثي و الفني، بحكم أن الوالد رحمة الله عليه كان مهووسا بفن التبوريدة وركوب الخيل، إلى جانب عشقه وحبه الإستماع بأغاني العيطة وترديد بعض المقاطع التي كان يحفظها عن ظهر قلب خلال جالساتنا العائلية ونحن نتحلق على صينية الشاي أو على مائدة وجباتنا الغذائية بالبادية". يقول الفنان حسن.

في هذه الأجواء "فتحت عيني وسط عائلة محبة للتراث البدوي العبدي، وجدت حصان التبوريدة ومستلزماته بالخيمة التي توارثها الأجداد والآباء والأعمام (أبا عن جد) ، وتسللت إلى قلبي جينات الفروسية وركوب الخيل، وخلايا دمي تكونت من أنسجة العيطة بحكم أن والدي كان عاشقا لروادها المشهود لهم بالريادة وكانوا من أصدقائه"

"كان الوالد يتبادل زيارات صلة الرحم والتواصل الدائم رفقة ثلة من أصدقائه مع الشيخ الدعباجي والشيخة عيدة، وكان يقيم بعض الجلسات الفنية خلال المناسبات العائلية ويؤثتها بحضور (رْبَاعَةْ اَلشْيَاخْ)، وخصوصا كانوا يدعو صديقه شيخ العيطة الحصباوية المرحوم الدعباجي رفقة الشيخة الأنيقة إيقونة العيطة لالة عيدة". يتذكر ضيف الجريدة مرحلة الطفولة في البادية، حيث أضاف قائلا:" في موسم الحصاد كانت مجموعة الشيخ الدعباجي تحل ضيفة على الوالد وأصدقائه الفلاحين بالمنطقة، وكانوا يستضيفونهم أثناء جمع منتوج محاصيل الزراعة، ويقيمون على شرفهم ليلة سمر للإستمتاع بالعيطة العبدية"

وتحدث الطفل حسن الزمطي عن تلك الفترة بالقول:"نعم عشت جزء من فترة طفولتي الجميلة في هذه الأجواء، وأتذكرها جيدا، بل أن الوالد كان يردد بعض المقاطع العيطية (يُهَيْدِنْ) على مسامعي دون أن أفهمها، وكم من مرة شاهدته يدندن بلسانه بألحان حزينة وهو يدرف دموعا ساخنة، تتسبب لي في الإجهاش بالبكاء بصحبته، وأشعر بقشعريرة تدب في جسدي دون أن أفهم مغزى شعوره وهو يجمع بين الغناء والبكاء بألحان حزينة لبعض مقاطع العيطة..وكان رحمة الله عليه يروي لي قصصا وأزليات عن شيوخ العيطة وطريقة مجالستهم مع الأعيان ومحكيات أخرى لها علاقة بفن العيطة العبدية التي كان متأثرا بها وبذاكرتها الغنية"

في نفس السياق أكد "مُولْ اَلْعَوْدْ" بأنه ورث ولع تراث التبوريدة وفن العيطة من والده وهو مازال في سن السابعة من عمره "لقد شربت (لولاعة) حب التراث من ينبوع محكيات والدي الشفهية عن أجواء التبوريدة وركوب الخيل في المواسم التي كانت تقام في المنطقة، وكيف كان الفرسان يحترمون العلام/لمقدم وينضبطون لتعليماته ونصائحه وإشاراته، والحفاظ على طقوس وعادات الفروسية، وكيف كان يتابع الجمهور كتائب الفرسان المدثرة بأبهى السروج والألبسة التقليدية، أثناء فرصة إقامة فرجة اللعب بالبارود على صهوة الخيول بالموازاة مع حضور فن العيطة بالدوار والمناطق المجاورة لباديتنا".

في تلك الفترة ـ يقول حسن ـ "لم نكن نتوفر على جهاز التلفاز وكان الراديو هو المعين الوحيد لإلتقاط أمواج الإذاعة الوطنية للإستمتاع بفقرات برامج التنشيط الموسيقي الشعبي، وكنت أتفاعل مع الإيقاع والموسيقى التي تغريني ليلا، وأشعر بأن جاذبية تجرني نحو الرقص والحركة، وأنا وسط فراش النوم بالقرب من والدتي أمي حليمة حفظها الله..."، وأكد على أنه "التقطت إشارة في تلك الأثناء من فم والدته وهي تلمح للوالد بأنني مولوع ونويشط ومبلي"، يقول (مول العود) الذي كان طفلا مواظبا على رعي مواشي و بهائم الخيمة.

عمله كراعي مواظب على مرافقة رؤوس المواشي للحقول مكنته من فرصة مواتية للتجربة "كنت استفرد بنفسي في الخلاء وسط الحقول وأبحث عن صفية حجارة (نوع من الصخور بالمنطقة)، وأشرع في الرقص بالقدمين فوق الصفية، مقلدا رقص الشيوخ، وأنسج إيقاعاتي الخاصة بي في علاقة بالعزف بفمي لمختلف الإيقاعات المعروفة بمنطقة عبدة على آلة لوتار، وكنت أستعمل مغالق معدنية للمشروبات الغازية تحت نعالي وأثبتها بمسامير لتحدث أصواتا إيقاعية ..".

وأستحضر الفنان الشيخ حسن السرغيني بداية دخوله لمعترك الساحة الفنية بالقول: "انطلقت في مشواري الفني خلال شهر رمضان من سنة 1995 ، وأنا مازالت يافعا لا أتجاوز 12 سنة من عمري رفقة شيخ لوتار السي عبد الرحيم الرواسي لكنها تجربة لم تتجاوز أياما معدودة، بعدما لاحظت أن أفراد المجموعة تقاضوا أجرة أكثر مما سلمني رئيس الفرقة، واشتغلت في ليالي رمضان بمقهى بشارع مولاي يوسف بأسفي مع كل من الشيخ العربي لشهب ولطيفة بنت الشيخ بلحسن التي كانت تشجعني ومعجبة بطريقة أدائي و رقصي على العقدة علما أنها كانت شيخة في المستوى المطلوب".

وعن التحاقه بأولاد بن عكيدة قال "فوجئت في إحدى الأيام من بداية سنة 1997 بزيارة أولاد بنعكيدة لبيت العائلة بحي السانية بمدينة أسفي، رفقة المرحومة فاطنة بنت الحسين رحمها الله، سألوا عني إخوتي وطلبوا منهم أن أشتغل مع مجموعتهم الفنية، وفعلا لبيت الطلب دون تردد، حيث انظممت لهم في أول عمل بمدينة مراكش، و تمكنت من تحصيل مبلغ 1500 درهم كحقي في العمل". واستطرد في حكيه عن انطلاق مساره الفني مع أولاد بن عكيدة وفاطنة بنت الحسين قائلا:" أحسست أنني بين أفراد أسرتي، عينهم كانت ساهر على وجودي وابتعادي عن كل ما من شأنه أن يوثر عن صحتي أو سلوكي أو يكون سببا في انحرافي.."

فعلا ـ يقول حسن ـ عشت مع فاطنة بنت الحسين وأفراد مجموعة أولاد بن عكيدة "الكثير من المحطات الفنية وكنت أشعر أنني أنتمي لمدرسة فن العيطة بكل قواعدها.. اكتسبت منها مهارات العزف وتقنيات الإياقع والأداء وطبوع العيطة وانتقالاتها الجميلة، وبفضلهم تعلمت طباع الأخلاق والإحترام والطيبوبة والإنضباض والإلتزام بالوقت وتقدير المسؤولية".

يوضح حسن السرغيني فارس مُولْ اَلْبَرْﯖِي "في رحلتي الفنية رفقة إيقونة العطية الشيخة فاطنة بنت الحسين و مجموعة أولاد بنعكيدة تجولت في العديد من المحطات الفنية والأعراس والسهرات والمهرجانات داخل وخارج المغرب..سافرت رفقتهم إلى فرنسا بلجيكا هولندا.. والتقيت بفنانين وفنانات كثر وصحفيين وباحثين ومهتمين بفن العيطة من أمثال الأستاذ حسن نجمي والسي بوحميد وبحراوي ولآخرين". وبفضلهم عرفت "سر الصنعة داخل الرباعة، وكيف يمكن لك أن تخلق لنفسك مساحات فنية لإبراز طاقتك ومواهبك الفنية، وشاكرتمعهم في تسجيل سهرات التلفزيون".

في نفس السياق يؤكد الشيخ حسن بأنه " بالموازاة مع استقراري الفني مع أولاد بن عكيدة لأكثر من 22 سنة، بدأت أبحث عن الإشتغال من فرق غنائية أخرى كلما أتيحت لي الفرصة رغم عدم رضا مجموعتي الرسمية فاطنة وأولاد بن عكيدة" و أوضح بأن هدفه كان دائما هو "السعي للبحث عن مدارس وأنماط أخرى للإرتواء، وصقل الموهبة والإطلاع على كنوز فن العيطة العبدية خاصة والعيطة المغربية عامة".

بإصراره وعزيمته سيشتغل كذلك مع "صقر العيطة الشيخ عمر الزايدي التامني في تسجيل مجموعة من لعيوط العبدية التي منحتني فرصة أخرى للإطلاع على أسلوب الرجل، رغم الصعوبة التي واجهتني في هذا العمل كوني انفتحت على مدرسة ونمط عيطي جديد على مستوى العزف والإيقاع والأداء والميازين والحفظ...وكانت الفرصة سانحة لمروي رفقة مجموعته في برنامج صناع الفرجة". في نفس السياق جرب (مُولْ اَلْعَوْدْ) مدرسة الفنان حجيب واشتغل معه في محطات مازالت محفورة في ذاكرته الفنية من بينها برنامج صناع الفرجة كذلك.

واحتك "مُولْ اَلْعَوْدْ" بالفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني، الذي "أخذت منه الشيء الكثير على مستوى ذاكرة رواد فن العيطة وكيفية التعاطي مع هذا اللون الموسيقي والغنائي الذي يوثق لذاكرة المغرب عامة وأسفي ومنطقة عبدة على الخصوص"، بالإضافة إلى تأثره بمدرسة أخرى "فنية تراثية والتي منحتني فرصة لسبر أغوار فن العيطة الحصباوية والعزف على آلاتها الوترية والإيقاعية وهي مدرسة الشيخ جمال الزرهوني التي فتحت لثلة من الشباب كذلك باب التألق ومواكبة مهرجانات فنية عديدة بالمغرب تحتفي بالعيطة وروادها نظريا وممارسة، مثل مهرجان لوتر بسطات على سبيل المثال لا الحصر، فضلا عن الكثير من البرامج التفلزيونية التي تعنى بالتراث وفن العيطة".

و عن أسلوب الشيخ جمال الزرهوني قال ضيف الجريدة "يمتاز بريح (لهوى) وأسلوب فني يختلف عن باقي المدارس العبدية على مستوى مضمون قصائد العيطة التي قام بتنقيحها وغربلتها حيث حفظنا عنه أغلب قصائدها ومتونها التي تختلف عن بعض المدارس الفنية التي تحترف العيطة.. نعم هناك اختلاف بين العديد من المدارس العيطية في الأداء والعزف والإيقاع والميازين وحتى على مستوى النصوص والمتون الشعرية".

وعن انفتاحه الفني قال:"مجموعتي الرسمية كانت هي فرقة أولاد بن عكيدة، وساهمت في عدة أعمال إلى جانب مجموعة من الفنانين والفنانات والمجموعات الغنائية لشيوخ العيطة بأسفي من بينهم الشيخ عمر الزايدي، والشيخ حجيب، و الشيخ جمال الزرهوني وعابدين والسي محمد ولد الصوبة وأولاد سبع ماية والشيخ رياب...بل أنني أجالس وأخالط أغلب لحرايفية بأسفي شيخات وشيوخ، وأتواصل معهم دون أدنى مشكل، لأن هدفي كان ومازال أن أظل وفيا لمشيختي العبدية والحصباوية".

وعن سؤال للجريدة أفادنا حسن السرغيني (مُولْ اَلْعَوْدْ) بأن آخر ما أوصى به والد وهو على فراش الموت بالقول: "كان كل أفراد العائلة متحلقين على رأس الوالد وهو يوصيهم بأنني أنا هو وارث سر التبوريدة، وأنا الذي سأمتطي صهوة الحصان وأحمل مشعل سنابك الخيل والبارود، وهكذا كان، حيث انطلق مشواري مبكرا في الميدان وركبت مع كتائب عدة علامة مشهود لهم بِتَمْقَدْمِيتْ، والآن أنا فارس ضمن كتيبة العلام شرف البحراوي التي تمثل منطقة عبدة في منافسات جائزة الحسن الثاني بدار السلام وصالون الفرس".

من هذا الشلال المتدفق حبا وعشقا لأرض عبدة ومجالها الطبيعي وذاكرتها التاريخية، إنبعث الفينيق من رماده، وامتطى الشيخ حسن السرغيني صهوة لَوْتَارْ و الطعريجة بمنطقة "مُولْ اَلْبَرْﯖِي"، التي ورث فن التبوريدة بتربتها الطيبة تحت سقف الأجداد وفي عش عائلته التي حرصت على تسليم رجلها الشيخ والفارس والعلام "مُولْ اَلْعَوْدْ" مفتاح صندوق العدة والعتاد وإقتفاء أثر الرواد من كبار الفنانين والفرسان .