إدريس المغلشي: القاسم "الانتقامي"...

إدريس المغلشي: القاسم "الانتقامي"... إدريس المغلشي

ما وقع مؤخرا من انتفاضة متأخرة وغير بريئة، كشف بالملموس الواقع المتردي لتدبيرنا السياسي، وكم أصبح واقعنا مثيرا للشفقة وهو يواري التراب ما تبقى من ديمقراطية جنينية كنا نتوق لتنشأ في بيئة سليمة. صحيح تأخرت في نموها لتلبي انتظارات شعب تواق للحرية، لكننا سلمنا منذ 2012 على أن نعطيها الوقت الكافي بشرط توفر لها الضمانات. لكن مع كامل الأسف كل سنة تأتي أسوأ من سابقتها. وبدأت التراجعات تتوالى تباعا في شتى الميادين دون أن نلمس بصيصا من الأمل يطمئننا على المستقبل.

 

من لوح بمجهول نسب القاسم الانتخابي وأنه لقيط، فعليه أن يجيب على سؤال قبله أكثر ملحاحية: ما هي أسباب سكوتكم الحقيقية على علاقة غير شرعية كانت بدايتها منذ سنة 2016.

 

ليس غريبا أن تعرف قبة البرلمان جلبة غير عادية وضجيج يملأ المكان والوضع يعيش حالة استنفار؛ لم نشهد مثيلا له في قضايا أخرى مست كبرياءنا واستقرارنا فأصبح يقينا لدينا أن ما نعيشه من شذوذ على الأعراف والأخلاق السياسية قد آذن بنهاية مرحلة سيئة الإخراج لأنها بكل بساطة كشفت حقيقة من يرفعون شعارات قالوا عنها ذات يوم أنها غيرة ودفاعا عنا وعن الوطن، فبدت في النهاية مجرد شعارات جوفاء لا أثر لها في الواقع. ما دمنا نعيش انتكاسة وردة في كل شيء.. لم نلمس معكم حقا التفاتة واهتمام يفند كل هذه الحقائق. حري بنا أن نكرر سؤالا متداولا بكثرة هذه الأيام.

 

معركة القاسم الانتخابي هل تشكل فعلا تهديدا للديمقراطية المغربية أم عكس ذلك. فالحقيقة التي يتحاشى البعض كشفها أعمق بكثير مما تدعون، وتتعلق أساسا بصراع شرس يتمحور حول سناريوهات توزيع  كعكة المناصب والكراسي.

 

إن ما أثاره القاسم الانتخابي من لغط وتداول غطى على مجموعة من الأحداث الأخرى لا تقل أهمية. أفرز معطيات أساسية أهمها أن غالبية المواطنين غير مهتمين بالموضوع ولا بحيثياته مادام يكرس واقعا مأزوما لن يحل مشاكلهم اليومية.

 

ماذا استفدنا في العقد الأخير حتى نناقش الآن هذا الموضوع، إنهم مجموعة من سراق الوطن يتصارعون على غنيمة وطرق توزيعها؛ والمضحك المبكي أنهم يطالبون بكل وقاحة بالعدل في "الوزيعة" بينما فرطوا فيه في مناحي أخرى تمس العيش اليومي للمواطن وقد تركوه خلفهم يعاني دون مجيب، هكذا صرح أحد الظرفاء.

 

هل ديمقراطيتنا بخير ليقول البعض في حقها مجزرة، أم أن الأمر يعيش نهاية مأساوية بعدما تنازلنا عن كل شيء إلا المناصب والكراسي والامتيازات؛ للحد الذي تعرف القبة حضورا غير عادي ضدا على كل القوانين الضامنة للشروط الاحترازية، ويعتبر هذا لوحده أكبر دليل على أننا مازلنا نخطو خطوات متعثرة مع كامل الأسف في درج الديمقراطية وعوض التقدم للحفاظ على الخطوة والخطوتين نسقط للخلف مع محاولة جديدة لكنها تفتقد للإرادة السياسية.

 

ليس بكثرة تداول المصطلحات ندخل النادي الديمقراطي، وليس برفع الشعارات والدعاية لها عبر منابر تنفخ في رحمها اعتقادا في التبني وهي في الحقيقة تشبه إلى حد بعيد النفخ كعملية أولى لتسهيل السلخ. حين نسمع ردة وانتكاسة هل يعني بالضرورة اننا كنا نعيش رغدا وبحبوحة ديمقراطية. أحسن مما نذهب إليه الآن لا أريد أن أغوص في طلاسم القاسم النقابي والذي امتزجت فيه الرياضيات بـ "تنوعير والخواض"، لكن حري بكل متتبع أن نلقي نظرة على هذه النتيجة لأنها كانت متوقعة ومنتظرة؛ والذي يعتقد بوجود صدمة أو فجائية في الأمر، فإنه إحدى الحالتين، إما أنه يريد توريط الراي العام في مظلومية صنعها بيديه، حتى لا أذهب للقول بفبركتها؛ أو أن الأمر يفوق تقديراته السياسية.. وهناك من يهندس خلف الستار هذا الأمر، وبالتالي الصراعات التي شهدتها قبة البرلمان إنما هي صورة أراجيز لا تعكس حقيقة الأمر، بل تفضح مدى وقاحة البعض الذي يرفع شعارات من قبيل الوطن، السلم الاجتماعي وقضايا الأمة، وهلم جرا من الخطابات الرنانة التي تجتر على مدى أعمارنا المحروقة في رفوف الانتظار دون أن تجد لها مجيب...