بلقايد: في عيدها الأممي.. خطاب طبقي فاضح وجارح ينهش لحم "اَلشٍيخَةْ"

بلقايد: في عيدها الأممي.. خطاب طبقي فاضح وجارح ينهش لحم "اَلشٍيخَةْ" الأستاذ عبد العالي بلقايد و مشهد "رباعة" الشيخات من مجموعة الشيخة عيدة بأسفي

فهي لا تتعرض للإستغلال المادي جراء غياب أبسط الحقوق التي تضمن لها الكرامة، وشروط العيش كإنسانة معترف لها بآدميتها كسائر خلق الله، بل تتعرض للتعنيف اللفظي والأخلاقي وهو أقصى درجة العنف الطبقي الذي يحطم النفس والروح .

صحيح أن هذه الشريحة خضعت لتعامل مجتمعي اختلف بين التشريف و التبخيس، وهو تعامل محكوم بعوامل سوسيو ثقافية هي التي تعطي للمفاهيم دلالتها الإجتماعية، ويتم استثمارها وفق التموقعات الإجتماعية والمصالح الطبقية التي برزت إثر انقسام المجتمع جراء الإنشطارات التي عرفتها المصالح الطبقية.

 

إن الأخلاق هي وليدة انشطار المصالح، وغياب توحيدها، وبالتالي يتم إنتاج مجموعة من المفاهيم الأخلاقية لكي تتمكن الطبقة المهيمنة إقتصاديا من إخضاع من لا يملكون أدوات الإنتاج.

 

إن أقصى درجة العنف التي تعرضت له المرأة / الشٍيخَةْ /الفنانة هو التعامل معها ككثلة لحم، تتعرض للنهش من طرف نزوات لا محدودة، بتحويل الجسد كبضاعة التي لم تظهر إلا مع المجتمعات الطبقية.

 

إن المجتمع المحكوم بقيم أخلاقية قيمية، لا يتورع بإصدار أحكام قيمة الغاية منها الحط من قيمة فاعل فني و إجتماعي لعب أدوارا طلائعية بالمجتمع في فترات تاريخية حاسمة .فحين يريد الخصم أن يصف خصمه بأبشع الصور فهو لا يتورع من وصفه ب "وَلْدْ اَلشٍيخَةْ" التي تعني أوصافا مذمومة من طرف المجتمع، ولكن في نفس الوقت لا يفتأ أن يعتبرها مصدر ا ومرجعا يعتمد كلامها في المحاججة ، وخاصة منتوجها الشعري ، إذ يقول: "ﯖَـالَتْهَا اَلشٍيخَةْ" ،كما يعتبرها مصدرا من مصادر المعاني، وهذا دلالة عن حداقتها التي لا يمكن أن ينكرها المجتمع، وهو اعتراف يظهر حين يريد أن ينعث الواحد منهم الأخر بأحد أوصاف الشيخة، وهي التكلم بِالْمَايَةْ "أي تتكلم بالمعنى" ولذلك يقول له: "أَنْتَ تَتْكَلًمْ بِالْمَايَةْ كِي الشٍيخَةْ" .

 

وإن كان كلام الشيخة أو عيوطها يغلب عليها المجاز، فهذا راجع لطبيعة المجتمع الذي يعبر عنه القول الشعري، وهو مجتمع يغلب عليه هيمنة بنية مركزية تتمثل في الدولة ( وهي القديمة وليست المعاصرة )، التي سعت بكل الوسائل لإخضاع المجتمع لمركزيتها ، ولكن المجتمع كان يسعى بكل الوسائل التنصل منها . وبذلك كان المعمار المجتمعي يتأرجح بين مركزية الدولة وعدمه والتي تمثله القبائل وخاصة الأمازيغية التي كانت تعشق أن تظل خارجة مراقبة الدولة. وبذلك كانت كل تعبيرات الثقافة المحلية ، ومنها العيطة تعتمد المجاز للإفلات من خطاب الشريعة التي اعتمدته الدولة لإخضاع الكل لخطاب واحد وبالتالي توحيد المجتمع .

 

إن الشيخة تمعن أكثر في المجاز حين تعتمد قاموس "اَلْغَوْصْ" باعتباره لغة إصطلاحية أو فئوية تعتمدها (الربيكة ) للإفلات من رقابة المجتمع ولخلق لغة تمكنها من التواصل مع أعضاء" اَلرْبَاعَةْ" دون أن يتمكن الآخر من فهم الكلام الذي يتواصل به أعضاء المجموعة. فحين تتكلم الشيخة الغوص تكون بارزة عند أصدقائها ولكن متخفية عند الآخرين، وبذلك يكون من معاني الغوص هو الحجب والتخفي عند البعض والظهور عند فئة أخرى ، فإما للتميز عنها أو لإتقاء مضارها. وهذا اللون من اللغات هو موجود عند الحرفيين بالأخص، وخاصة التي تمثل النخبة في بعض الأحيان داخل المجتمع ، كفئة (الصٍيَاغَةْ) وهي فئة كانت تصنع السلاح كما كانت تصنع الحلي الذهبية والفضية، وهي معروفة في المجتمع الرحماني بـ "اَلْمْعَلْمِيَةْ" ولهم أكثر من دوار .

وهم فئة معروفة بالورع وحفظ القرآن إلى جانب كونهم من الصناع المهرة ، وهم الذين يحتكرون صناعة الذهب، وباقي الصنائع المرتبطة بالأواني المنزلية .وهذه الميزة منتشرة عند الطلبة الذين ينشطون الأعراس بتلاوة القرآن كذلك .

 

ولعل التسمية التي أطلقت على هذه الفئة التي حافظت على جزء من الموسيقى التقليدية تعددت نوايا ومقاصد من روجوا لها، ولكن بدأ التبخيس يتراجع إثر صعود النقد الجدري الذي لم يتعامل مع الفن من الزاوية الأخلاقية، بل باعتباره إنتاج إنساني يستحق الإهتمام بغض النظر عن الجهة التي صدر عنها، سواء أكانت هامشا أو مركزا، أعلى السلم الإجتماعي أو أدناه.