كريم مولاي: عن الجزائر المختطفة وسحب قانون الجنسية أحدثكم

كريم مولاي: عن الجزائر المختطفة وسحب قانون الجنسية أحدثكم كريم مولاي
لست أدري ما إذا كنت معنيا بمشروع القانون الذي يعد له النظام الجزائري لسحب الجنسية الجزائرية ممن يشكلون تهديدا لأمن البلاد القومي، أم لا، لكنني أجد نفسي معنيا بنقاش المشروع ومبرراته من الأساس، ليس لأنني جزائري الأصل والهوى، وإنما لما لهذا المشروع من تداعيات سلبية على مجمل المكون السياسي الجزائري.
مشروع القانون، الذي طرحه وزير العدل، بلقاسم زغماتي، أمام مجلس الوزراء في شكل تعديل على قانون الجنسية يجيز سحب الجنسية من المواطنين الجزائريين المقيمين خارج البلاد، الذين ترى السلطات أنهم "يضرون بمصلحة الجزائر".
ووفق مصادر حكومية، فإن القانون سيتم تطبيقه على المتورطين في أفعال تلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية، ومن يقوم بنشاط أو انخراط في الخارج في جماعة أو منظمة ٕإرهابية أوتخريبية أو يقوم بتمويلها أو بالدعاية لصالحها، وكل شخص تعامل مع دولة معادية للدولة الجزائرية.
وهذه كلها عبارة عن اتهامات فضفاضة يمكن للنظام أن يلقيها على أي جهة يرى بأنها تشكل تهديدا له، من أجل إسكات الأصوات المطالبة بالحرية والانتقال الديمقراطي في الخارج بعدما تمكنت السلطات من السيطرة بالكامل على مختلف وسائل الإعلام وأغلقت أبواب المشاركة السياسية الجدية أمام الأصوات المنادية بالتغيير الحقيقي في البلاد.
ومع أن السلطات الجزائرية تدرك أن ما هي بصدد الإقدام عليه من قوانين متصلة بسحب الجنسية مخالف للقوانين الدولية، التي تحظر الحرمان التعسفي من الجنسية، وفقا لمادة قانونية اعتمدتها الأمم المتحدة تقول إنه "لا يجوز للدول المتعاقدة تجريد أي شخص أو أية مجموعة من الأشخاص من جنسيتهم لأسباب عنصرية أو إثنية أو دينية أو سياسية"، مع ذلك فإن وزير العدل اعتبر أنها خطوة قانونية في سياق محاربة الإرهاب والتطرف والفوضى.
ومع أن النظام لم يميز بين الجنسية الأصلية التي يرثها الإنسان أبا عن جد، وبين الجنسية المكتسبة، فإن إقدامه على هذه الخطوة من شأنه إشاعة الفتنة بين الجزائريين في الداخل والخارج، فضلا عن محاولة إرهاب المهاجرين الجزائريين من أصحاب الجنسية الواحدة، مما يجعل من هذا المشروع مجرد أداة لقمع المعارضين وفرض الرأي الواحد الذي يسعى النظام الحاكم لإقناع الجزائريين به بشتى الوسائل.
ما غاب عن أصحاب هذا المشروع ومن نصحهم به، أن الحراك الشعبي الجزائري الذي دشن عامه الثالث قبل أسابيع قليلة بمظاهرات شعبية مليونية، وبشعارات سياسية أكثر وضوحا ودقة، لجهة التركيز على مطلب الدولة المدنية ووضع حد لهيمنة العسكر على دواليب الدولة، لم يعد يخاف القوانين المخالفة لكل المواثيق الدولية، فضلا عن أن المهاجرين الجزائريين المعنيين بهذا القانون هم أصحاب فضل على الاقتصاد الجزائري ولا يشكلون أي عبء عليها.
وإذا أردنا المزيد من الدقة، فالجزائر التي تعتبر واحدة من أهم الدول الإقليمية في الشمال الإفريقي، مساحة وثروات باطنية، وقبلها بشرية، تعيش شبه عزلة إقليمية ودولية، فحدودها مع جيرانها مضطربة في أغلب الأوقات، وتحولت إلى شبه جزيرة معزولة بسبب سياسات نظامها الغامضة، التي تبدي ما لا تبطن..
مارست السلطات الأمنية والعسكرية التي تختطف قرار الجزائريين منذ عقود كل صنوف التعذيب بحق معارضيها، ووصل الأمر حد الاغتصاب بحق السجناء، وتجاوزت ذلك الآن لملاحقة الأصوات التي نجت بنفسها وتمكنت من الإقامة في دول مختلفة، وهي أصوات كما قلت علاوة على أنها تدعم اقتصاد البلاد بالعملة الصعبة لجهة التحويلات التي تنفذها دعما لعائلاتهم، فهي أيضا تسهم في إحداث حركية سياسية جدية، تجعل من الجزائر جزءا من نظام عالمي يعلي من قيمة الإنسان والحرية باعتبارهما أساس قوة الدول.
مشروع قانون سحب الجنسية الذي ترفعه العصابة الحاكمة في الجزائر ضد معارضيها من الجزائريين في الخارج، لن يكون له أي أثر قانوني بحق الجزائريين، ولكنه سيكون دليلا واقعيا آخر على وحشية نظام العسكر المستهتر بكل القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان..
وسيكتب التاريخ الجزائري: أن من اقترح هذا المشروع العار، يكتب نهايته السياسية، لأن الانتماء إلى الجزائر الوطن، ليست قرارا تتخذه فئة عسكرية لا تخضع لأي حساب من الشعب، وإنما هوية مضمخة بدماء الشهداء ورثناها أبا عن جد..
كريم مولاي، خبير أمني جزائري / لندن