هشام لفقيه: تدبير الشأن المحلي بالمغرب.. قراءة في سياق التحول واستشراف مستقبل التنمية الترابية

هشام لفقيه: تدبير الشأن المحلي بالمغرب.. قراءة في سياق التحول واستشراف مستقبل التنمية الترابية هشام لفقيه

يمثل التدبير الحر للشأن الترابي أحد أهم مظاهر اللامركزية في بعدها الحكماتي، حيث يخول بمقتضى هذا المبدأ لكل جماعة ترابية في حدود اختصاصاتها سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولتها ومقررتها طبقا لأحكام القوانين التنظيمية والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقه، مما سيمكن الجماعات الترابية من تدبير شؤونها بكيفية ديمقراطية وحرة.

ومن منطلق توفر كل جماعة ترابيةعلى سلطة تنظيمية لممارسة صلاحيتها، وفقا لمجالات اختصاصاتها الذاتية والمشتركة والمنقولة من طرفالدولة، واستنادا على مبدأ التفريع، فإن المشرع ذهب في اتجاه اعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانيات وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها، والعمل على ضمان توزيعها بما يتماشى واستحضارمستلزمات العقلنة والانسجاموالتكامل.

إن هذا التأسيس الدستوري والقانوني لأهمية البعد الترابي في التنظيم الإداري، ومكانة الجماعات الترابية في ترسيخ الديمقراطية المحلية ومستوى فاعلية المعنيين بتدبيرها، يدفع الباحث إلى دراسة إشكالية التدبير الترابي المحلي من خلال طرح الاسئلة التالية:

ما هي الحدود والإكراهات التي قد تعرقل تنزيل الإصلاح الترابي الجديد على أرض الواقع؟

- كيف يمكن الانتقال بالتدبير الترابي من وظيفة الضبط والمراقبة إلى وظيفة المشاركة في القرار التنموي المحلي؟

-ماهي السبل الكفيلة التي يمكن من خلالها الارتقاء بالتدبير الترابي المحلي؟

أولا:واقع تدبير الشأن المحلي في سياق التحولات

رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة في السنوات الأخيرة لتعزيز الديمقراطية المحلية، فإن واقع الحال يؤكد أن التدبير الترابي المحلي ما يزال يعاني العديد من الإكراهات التي تحول دون تحقيق للرهان التنموي المنشود.فبالرغم من صدور قوانين تنظيمية جديدة تؤطر تدبير الشأن الترابي، نجدها لا زالت وفية للقوانين السابقة في مجال استمرار غموض توزيع الاختصاصات بين الدولة والوحدات الترابية ووحدات عدم التركيز، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى التطاول على الاختصاصات أو التنصل من المسؤولية بدعوى عدم الاختصاص.

كما أن مقتضيات القوانين التنظيمية الترابية، خاصة منها ما يرتبط بالحضور الرقابي لممثلي السلطة المركزية على مجالس الجماعات الترابية ونظامها الداخلي وسير عملها،يؤدي إلى الحدوبكيفيات متعددة من قوة المجالس الترابية على القيام بواجباتها،

وانعكاس ذلك على تفعيل ما تناط بها من اختصاصات يفترض فيها التوافق مع الجوهر الحقيقي للتدبير الحر.

إضافة إلى ذلك، يساهم التقسيم الترابي في تعميق عوائقالتدبير الترابي المحلي، الذي تحكمت في فلسفته  المقاربة الأمنية  والسياسية على حساب المقاربة التنموية، ذلك أن مضامين التقسيم الجديد تكرس بوضوح حالة اللاتوازن وعدم التكافؤ بين الجهات في الميادين التنموية، والتي من شانها أن تعززبراد يغم الجهات الغنية مقابل الجهات الفقيرة.

وعلى صعيد آخر، أثبتت الممارسة بأن التدبير الترابي المحلي تعترضه مجموعة من الصعوبات، أهمها ضعف المستوى الثقافي والتعليمي للمنتخبين المحليين، وكذا عدممسايرة النص القانوني المنظم للوظيفة الجماعية لخصوصية مهام الموظف الجماعي وغياب التماسك بين سياسة التكوين المستمر والسياسات الأخرى المتبعة في تدبير الموارد البشرية.زد على ذلكالإكراهاتالأخرىالمرتبطة بتعقد وبطئ الإجراءات المتعلقة بمصادقة سلطة المراقبة التي تنصب في جزء كبير منها على الميزانية، مما يحد من استقلالية القرار المالي المحلي.

ثانيا:افاق تدبير التنمية الترابية على ضوء  معايير الحكامة الترابية.

يسعى المفهوم الجديد للحكامة الترابية إلى تحسين جودةالتدبير الترابي المحلي والبحث عن المقومات الجديدة للارتقاء بتدبير التنمية الترابية.

وفي هذا الصدد يشكل تكوين المنتخب المحلي  عنصرا أساسيا في كل إستراتجيةللتنمية الترابية، وبالتالي فهي تمكنه من مختلف الوسائل والآليات التي تجعله قادرا على القيام بتدبير جيد للشأن المحلي.وفي نفس السياق فإن التدبير الحكماتي للشأن المحلي، يقتضي سن قانون خاص بالموظفين الجماعيين كآلية جديدة لتدبير المسار المهني للموظفين الجماعيين، ترعى فيه خصوصية الإدارة الجماعية على مستوى مسطرة الإلحاق والترقية والتعويضات، وسن نظام للحوافز المادية والمعنوية حتى يصبح الموظف الجماعي فاعلا في تدبير الشأن المحلي.

إضافة إلى ما سبق، وباعتبار أن التدبير المالي هو الالية الأساسية التي تقوم عليها المشاريع المحلية، وبالتالي فالضرورة تقتضي أن تخضع في تدبيرها للمراقبة بشتى أنواعها، لتفادي مختلف الخروقات المتعلقة بتدبير الشأن الترابي  المحلي.

هذا، ويعد التخليق والشفافية وكذا ترسيخ مبدأ إقرار المساءلة وتقييم أداء جميع أعمالوأنشطة الإدارة المحلية والأشخاص العاملين بها، مدخلا أساسياًللارتقاء بجودة التدبير الترابي المحلي.

خلاصة القول، إن التدبير الترابي المحلي يقتضي إدخال فاعلين جدد ضمن العملية التنموية، كضرورةحتمية لتحقيق التنمية الترابية، لأن القرار التنموي المحلي أصبح قرارا مشتركا بين جميع فئات المجتمع وهيئاته الرسمية، وذلك انسجاما على ما نص عليه دستور 2011، الذي أرسى "تقنية العرائض" التي ستمكن السكان المحليين من تقديم وجهات نظرهم حول تدبير الشأن المحلي بشكل ايجابي.

باحث في القانون العام والعلوم السياسية/جامعة محمد الخامس الرباط