‎كل ما تود معرفته عن تاريخ المزارات اليهودية في المغرب

‎كل ما تود معرفته عن تاريخ المزارات اليهودية في المغرب باب الملاح بكلميمة
‎بإحدى المقبرتين اليهوديتين بكلميمية يوجد تمثال القديس اليهودي خويا إبراهيم الذي يحتل مكانة مميزة لدى يهود المنطقة. وكلميمية هي عاصمة وادي غريس، وتعد المركز الحضري الثاني بعد مدينة الراشيدية، والتي كانت تضم العديد من القصور، وداخل كل منها «ملاح»، حيث كانت تعيش جالية يهودية أمازيغية مهمة، ومع ذلك فإن الوضع الحالي للمقبرة، وكذلك حالة هذا الضريح تفرض التعجيل بأعمال الصيانة.
‎يعود الوجود اليهودي بالمغرب إلى قرنين على الأقل قبل الميلاد، لكن هذا الوجود لم يتم تأريخه بدقة، بسبب نقص الأدلة الأثرية الملموسة، إذ يفترض – حسب بعض الباحثين – أن يكون اليهود الأوائل قد وصلوا إلى المغرب مع الفينيقيين حوالي 700 قبل الميلاد، حيث استقروا في بداية الأمر بالسواحل قبل أن يقرروا التوغل في عمق البلاد والإستقرار في مناطق مختلفة من المغرب.
‎ويسجل يسخار عامي في كتابه «عبادة القديسين وحج اليهود والمسلمين في المغرب» 652 قديسا يهوديا. في قرية أگويم الواقعة على بعد 70 كلم شمال غرب ورزازات، يعتبر ضريح الحاخام دافيد أو موشيه أحد الأماكن الرئيسية لحج اليهود في المغرب واليهود حول العالم، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على گرامة، وبشكل أكثر تحديدا في تولال بإقليم ميدلت، حيث تقام طقوس الحج إلى قبر الحاخام إسحق أبوهات كل عام. تجذب الهيلولة عددًا كبيرًا من الحجاج من جميع أنحاء العالم.
‎استقر يهود تافيلالت، المعروفون باسم «يهود الصحراء» أو «اليهود البربر»، في الأطلس الكبير، في وديان غريس وتنغير وأرفود، واندمجوا تماما مع السكان المحليين، حيث يتحدثون لغتهم بطلاقة، ويتبنون عاداتهم، كما أن طقوس الجنائز لديهم قريبة من طقوس المسلمين. في مقابر غريس اليهودية لا توجد شواهد أو نقوش على المقابر تشير إلى مسقط رأس المتوفى، وهي تتميز فقط بتلال الدفن الحجرية.
‎في الماضي كان هناك بالقرب من مقبرة خويا إبراهيم في كلميمة، منزل مكون من عدة غرف حيث، كان يهود كلميمية يأتون مع عائلاتهم مساء كل جمعة لقضاء يوم السبت في المبنى. كانوا يجلبون طعامهم، ويصلون ويعودون إلى منازلهم في قصر الملاح في كلميمة في اليوم الموالي.
‎في منطقة درعة تافيلالت، تحتوي كل بلدة أو قرية أو قصر عمليا على ملاحها. هذا هو الحال في أودية درعة ودادس ومگون وتودغة وفركلة وغريس وزيز. ومن القصور التي اشتهرت بملاحها، أميزيرو في زاكورة، وتيليت وآيت أوزين في وادي دادس، وأسفالو في تودغة، وآيت إفراح، وآيت لبزام في أسرير بوادي فركلة، وأيضا ملاح كلميمة بوادي غريس. كل هذه الأحياء اليهودية دمرت تقريبا، والبعض الآخر في حالة سيئة.
‎يقع أقدم ملاح في المغرب بمدينة فاس، ويعود تاريخه إلى الفترة المرينية عندما تم بناؤه، بالقرب من قصر السلطان في فاس الجديدة عام 1438. لم يكن «غيتو» كما كان الحال بالنسبة للأحياء اليهودية في بلدان شرق أوروبا أو روسيا، ولكن منطقة مفتوحة حيث يُسمح لليهود بممارسة أعمالهم التجارية ويمكنهم المغادرة عندما يرغبون، كما يمكن للمسلمين أيضا دخولها دون قيود.
‎اتخذ قرار بناء الملاح من قبل المرينيين بفاس من أجل حماية اليهود من عمليات الابتزاز التي تحدث مع كل اضطراب، وفي هذا الإطار يشير بعض المؤرخين أن ملوك الموحدين قيدوا بشدة الحركة التجارية لليهود في البلاد، مما ساهم في عدم استقرار وضعهم الاقتصادي بعدها سيتم تعميم الأحياء اليهودية في البلاد، وستتكيف مورفولوجيتها مع المناطق ومع تسامح السكان الذين سكنوها. بعض «الملاحات» كانت مجاورة لأحياء أخرى دون فصل مادي، والبعض الآخر به بوابات تفصلها عن أحياء المسلمين. طالما ساد السلام والازدهار في المناطق، كان وضع اليهود مستقر نسبيا، لكن مع كل حرب بين القبائل أو حرب أهلية أو حول الخلافة السلطانية أو بسبب تفشي الوباء، كان اليهود يعانون من بعض التضييق، لذلك كانوا يحبسون أنفسهم في ملاحاتهم أو يستدعون حماية السلطان .
‎ورغم كل تقلبات التاريخ، لطالما اعتبر يهود المغرب أنفسهم مغاربة ومواطنين من نفس البلد مثلهم مثل المسلمين، وهو أمر غير مسبوق في العالم العربي وحتى في الغرب، وهو الأمر الذي يبدو واضحا من حبهم للمغرب، فرغم كونهم هاجروا من أجل الاستقرار في أماكن أخرى، فإنهم سرعان ما يعودون بمناسبة «هيلولة» من أجل زيارة الأضرحة والمزارات اليهودية بعدد من المناطق المغربية.
‎والهيلولة هي تحريف عامي لعبارة «هاليلو يا» الواردة كثيراً في مزامير داوود، ومعناها أن «سبحوا الله»، إذ أطلقت على هذه الاحتفالات الدينية، نظراً لاستغراق المُشاركين فيها في التسبيح والدعاء لله، وأيضاً الاحتفال بالعطاء.
‎وتتم هذه الطقوس الدينية على امتداد 3 إلى 7 أيام، حيث يجتمع اليهود الزوار أمام المزار، ويذبحون الأضاحي، التي يقتسمونها فيما بينهم، ويقومون بتوزيع مجموعة منها على الفقراء والمحتاجين.
‎وطيلة هذه الفترة، تتم قراءة التوراة، كما تُشعل الشموع طلباً للبركة، فيما تكون الليلة الأخيرة، بمثابة الاحتفال الأكبر، حيث يستغرق الجميع في الغناء وتقاسم الطعام والهدايا.
‎لا تتوقف مواسم الهيلولة للصلاة والاحتفال فقط، بل هي مُناسبة لتجديد العهد مع الأصول، وصلة الرحم مع الأحباب.
‎وبعد زيارتهم للأضرحة في مختلف ربوع المملكة، ينطلق اليهود المغاربة في رحلة أخرى، لربط الحاضر بالماضي، من خلال استرجاع ذكريات طفولهم في الحارات القديمة للمغرب.
 
‎ترجمة: موحى الدكالي