إدريس لكريني: المغرب وألمانيا.. سياسات جديدة

إدريس لكريني: المغرب وألمانيا.. سياسات جديدة إدريس لكريني
حاول المغرب تكييف سياسته الخارجية مع المتغيرات والتحولات التي فرضها المحيطان الدولي والإقليمي خلال العقود الثلاثة الأخيرة، مع استحضار ثوابت ومحددات هذه السياسة، حيث أضحت هذه الأخيرة واضحة، تأخذ بعين الاعتبار منطق الربح والخسارة بمفهومها الاستراتيجي عند اتخاذ قرارات في هذا الشأن.
كما أن البعد البراجماتي والاقتصادي أصبح حاضراً بقوة ضمن مخرجات هذه السياسة، وهو ما يؤكده الانفتاح على عدد من الدول كالولايات المتحدة والصين وروسيا وداخل القارة الإفريقية، دون التفريط في الشركاء التقليديين داخل الاتحاد الأوربي.
على مستوى قضية الصحراء المغربية، ظل الملف يحظى بأولوية محورية وأساسية في هذه السياسة، نظراً لموقعها المتميز على رأس قائمة القضايا التي تجسد المصالح العليا والحيوية للبلاد، ما جعلها تؤثر بشكل ملحوظ في ملامح هذه السياسة، وتتحكم بصورة كبيرة في مسارها، فيما استطاعت هذه الدبلوماسية أن تواجه وتدبّر  بقدر كبير من النجاعة والصرامة  عدداً من الإشكالات والتحديات التي واجهت الملف خلال السنوات الأخيرة.
ضمن خطوة مفاجئة، وجهت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في بداية الأسبوع الجاري (الاثنين الأول مارس 2021) رسالة إلى رئيس الحكومة وباقي أعضائها، تفيد بقطع العلاقات مع السفارة الألمانية في الرباط، لأسباب لخصت في وجود «سوء تفاهمات عميقة بصدد قضايا أساسية للمملكة المغربية». كما دعت المراسلة التي نشرتها مجموعة من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، أعضاء الحكومة إلى «تعليق كل أشكال التواصل والتفاعل والتعاون في كل الأحوال، وبأي شكل من الأشكال، مع السفارة الألمانية وهيئات التعاون والمؤسسات السياسية التابعة لها».
أثارت الرسالة أسئلة عديدة في أوساط الباحثين والمهتمين، بصدد الشكل الذي صدرت به، والأسباب الحقيقية التي تقف خلف القرار الصارم الذي تضمنته، وما إذا كان الأمر يحتمل قدراً من التسرع، أم إنه نتاج تقييم مرحلي موضوعي أخذ اعتماده وقتاً كافياً، وحول ما إذا كان سينعكس سلباً على مستقبل العلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات، أم سيدفع السلطات الألمانية إلى مراجعة سياساتها إيجاباً، تجاه المغرب وقضاياه الأساسية..
شهدت هذه العلاقات تطورات مهمة في السنوات الأخيرة، أصبحت معها ألمانيا تعتبر المغرب بلداً جاراً لأوروبا، وشريكاً حيوياً لها في شمال إفريقيا. وقد شمل التعاون بين الجانبين عدة مجالات من ضمنها قضايا الطاقة والهجرة، وتعزيز الأمن في إفريقيا. وتبرز التقارير أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين شهدت قدراً من الانتعاش، وهو ما يعكسه إبرام مجموعة من الاتفاقيات في عدد من الميادين الصناعية والتجارية، فيما تنشط كثير من المؤسسات المدنية الألمانية (مؤسسة هانز زايدل، وكونراد أديناور، وفريدريش إيبيرت، وفريديرش ناومان) على امتداد التراب المغربي في مجالات علمية واجتماعية مختلفة، كما لا يخفى التعاون الثقافي والعلمي بين الطرفين. 
كما تحتل ألمانيا مكانة متقدمة ضمن الدول التي لا تتوانى عن تقديم منح ومساعدات للمغرب، كان آخرها الدعم المقدم في سياق مواجهة جائحة كورونا والمقدر بأكثر من مليار يورو.
تحدثت كثير من الأوساط الإعلامية والأكاديمية عن مجموعة من العوامل التي يفترض أن تكون وراء الخطوة المغربية، أولها، يتصل بإقصاء المغرب من المشاركة في مؤتمر برلين بشأن الأزمة الليبية الذي انعقد في 19 يناير 2020، على الرغم من الجهود التي بذلها بصدد الأزمة وأثمرت اتفاق الصخيرات في أكتوبر عام 2015. وثانيها، يتعلق بالمواقف والتوجهات المناوئة لقضية الصحراء المغربية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، خاصة في ما يتعلق بالتحفظ على بعض البنود المتعلقة بتجديد الاتحاد لاتفاقية الصيد البحري مع المغرب، فيما أفادت بعض التقارير الإخبارية برفض ألمانيا لتوجهات تقودها فرنسا داخل الاتحاد لإرساء موقف داعم لسيادة المغرب على صحرائه، يعزز الموقف الأمريكي الأخير.
إن ما قام به المغرب، هو موقف سيادي، يجسد رد فعل طبيعي للدفاع عن قضاياه ومصالحه. وتجسّد هذه الخطوة التي لم تصل إلى حد استدعاء السفير أو طرده أو قطع العلاقات، رسالة واضحة للطرف الألماني، مفادها أن إرساء علاقات متينة واستراتيجية بين الجانبين، لا يمكن أن تبنى على حساب مصالح المغرب الحيوية، أو تجاوز الخطوط المسموح بها في ما يتعلق بوحدته وسيادته، ويبدو أن السلطات الألمانية التي طالما أقرت بأهمية مشروع الحكم الذاتي الذي يمثّل حلاً واقعياً وعملياً، وعبّرت أيضاً عن حرصها على تطوير العلاقات مع المغرب، مطالبة بمراجعة سياساتها ومواقفها المناوئة للمغرب على طريق إرساء علاقات ودية متوازنة مبنية على الاحترام المتبادل.
 
موقع :  صحيفة الخليج