عبد السلام المساوي: انتخابات 2021 ....هل من ناخبين ؟

عبد السلام المساوي: انتخابات 2021 ....هل من ناخبين ؟ عبد السلام المساوي
ثمة مفارقة مقلقة وتزيدها الأرقام تأزيما : هناك طلب متزايد على الديمقراطية، زبائنها كثر وقاعدتها الاجتماعية واسعة، لكن روافعها ما تنفك تتآكل يوما بعد آخر، إن الذين يرفعون شعار الديمقراطية الآن، وهنا من المواطنين، هم أنفسهم من يجعل هذه الديمقراطية تمشي عرجاء على رجل واحدة : مطالب والحاجات، دون انخراط في توفير بيئتها الثقافية والنفسية الحاضنة.
قبل وقت قريب وسابق أعلنت المندوبية السامية للتخطيط عن معطيات رقمية صادمة، عدد النشيطين المشتغلين المنخرطين في النقابات لا يتعدى 3 . 4 في المئة فقط . وبالرغم من الوفرة في الإطارات النقابية فإن7 . 95 في المئة من النشيطين المشتغلين غير منخرطين في أي نقابة أو منظمة مهنية.
رافعة أخرى للديمقراطية تفقد قواعدها، فقد كشفت نفس المندوبية عن أرقام أخرى محبطة فيما يتعلق بالانتماء إلى الأحزاب السياسية، إحصائيات المندوبية كشفت أن 70 في المئة من الشباب لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5 في المئة يؤمنون بالعمل الحزبي، و1 في المئة فقط يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياسية ، بينما يشكل الشباب 40 في المئة من الكتلة الناخبة.
وفي المشاركة الانتخابية لا يقل الوضع سوءا، حوالي تسعة ملايين ناخب يقاطعون التسجيل في اللوائح الانتخابية، وقرابة 8 ملايين ونصف ناخب تكون أصواتهم ملغاة رغم الإدلاء بها . إن ذلك يقودنا إلى النتيجة الطبيعية: نسب مشاركة هزيلة، ومرشحة لأن تزداد تراجعا.
ويتواصل النزيف في واحدة من أبرز دعامات وروافع الممارسة الديمقراطية، سوق الصحافة تتراجع بشكل رهيب، ومن سنة إلى أخرى تتراجع مبيعات الصحف، والبرامج الحوارية في التلفزيونات العمومية لا تستقطب نسب مشاهدة معقولة مقارنة ببرامج التسلية والترفيه، في المقابل يهرب الناس إلى المجالات غير المهيكلة لصناعة الرأي العام، لقد أصبحت وسائل التواصل. الاجتماعي سوقا عشوائية لتشكيل المواقف والقناعات.
من الواضح أن السياسة كما تقترف في المغرب صارت عبئا على الديمقراطية بدلا من أن تكون مغذيا منعشا لها.
يلاحظ هاروك جيمس، المؤرخ والأستاذ بجامعة برينستون، أنه " لم يعد هناك من ينكر أن الديمقراطية معرضة للخطر في جميع أنحاء العالم، اذ يشكك كثير من الناس في ما إذا كانت الديمقراطية تعمل لصالحهم، أو أنها تعمل بشكل صحيح أصلا. ولا يبدو أن الانتخابات تسفر عن نتائج حقيقية ، باستثناء تعميق التصدعات السياسية ، والاجتماعية القائمة.
إن أزمة الديمقراطية هي إلى حد كبير، أزمة تمثيل، أو بتعبير أدق، غياب تمثيل "
نحن قريبون من هذه الصورة ، سوى أن هناك فارقا جوهريا ، في الغرب تعيش الديمقراطية لحظة خطر لكن الثقافة الديمقراطية منتشرة على أوسع نطاق حتى أنها تسمح للخصوم السياسيين والمواطنين بالتكتل ضد فوز اليمين المتطرف بالأغلبية في الانتخابات، وفي حالتنا الخطر مزدوج : ديمقراطية ناشئة مهددة بهشاشة قواعدها الاجتماعية، وفراغ في الثقافة الديمقراطية يسمح بانتعاش إيديولوجيات غير ديمقراطية .
إلى أين نسير بديمقراطية تستند إلى روافع تخترقها التصدعات ؟ جانب من الأجوبة كان واضحا في انفلاتات التعبيرات الاجتماعية الجديدة في أكثر من مدينة مغربية ، وهو أكثر وضوحا في حوادث السير التي تحدث في فضاءات التواصل الاجتماعي، وأشكال الصحافة الجديدة ، ومن الواضح أيضا أنه كلما اهتزت روافع التأطير الديمقراطي لصالح التعبيرات العشوائية، كلما دخلت الدولة والمجتمع في صدامات أمنية والتباسات حقوقية، وفي لعبة كر وفر منهكة للطرفين.
هل تعي طبقتنا السياسية هذه المخاطر المحدقة بنا ؟ ربما.. هل تعمل على تدارك الوضع ؟ لست أدري..هل المستقبل الديمقراطي في بلدنا أكثر مأساوية في هذا الجانب ؟ ممكن ..هل يفرض هذا الوضع حالة استعجال واستنفار سياسي ؟ ذلك مؤكد..
القاعدة الكلاسيكية تقول: لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، وفي واقعنا الحالي يمكن إضافة تحوير بسيط : لن تكون هناك لا ديمقراطية ولا ديمقراطيين من دون قاعدة اجتماعية موسعة حاضنة للمشروع الديمقراطي، وغير ذلك سيكون الخطاب السياسي الرسمي والحزبي حول الديمقراطية ومفاتنها كمن يبني قصور الأمل فوق الرمال .
 يبدو لي أن الظرفية السياسية التي نعيشها والرهانات الكبرى التي تكتنف استحقاقات 2021 تضعنا فعلا وحقيقة لا مجازا أمام تحديات وأوضاع في غاية الدقة.
حقيقة لا مجازا نحن في حاجة إلى ضبط الحسابات السياسية على عقارب زماننا، وأكثر من أي وقت مضى .
نحن في حاجة إلى الانتباه لمخاطر عودة سيطرة الوجوه القديمة والمستهلكة إلى واجهة المؤسسات ...
نحن في حاجة إلى الانتباه إلى مخاطر ترك الحبل على الغارب ، في موضوع حالة الانفصام والانفصال والاغتراب بين نبض الشارع وذبذباته وبين حياة المؤسسات وديناميتها الخاصة ... .
نحن في حاجة إلى الاقتناع الجماعي بالحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين الفرقاء الأساسيين، بين الدولة والمجتمع ، باعتبارها اضمن وأقوى تأثيرا على النفوس من أية قوة عارية قد تتصور أو يتصور أصحابها إنهم قادرون على الحسم في كل الظروف .
في حاجة إلى القناعة الجماعية ، بعد التقاط إشارات الحراك الشعبي، بأن انتحاريي الريع والذين يضعون مصالحهم فوق مصالح البلد كيفما كانت الظروف، يجرون البلاد إلى مأزق وانحباسات خطيرة.
نحن في حاجة إلى الوعي بخطورة هؤلاء ومخاطر ما يدفعون إليه، وأكثر من أي وقت مضى.
نحن في حاجة إلى التصرف والعمل بعيدا عن المنطق الضيق ، الذي قد يدفع البعض إلى تصور إننا تجاوزنا المطبات الهوائية ، كما تتجاوز الطائرة في السماء العالية قبل ان تستقيم في سيرها ، لأن مطبات السياسة اخطر من مطبات الهواء.
نحن في حاجة الى فتح المسالك الإستراتيجية أمام تطور البلد ، بعيدا عن لعبة الكر والفر ، أو لعبة العودة إلى أساليب زمان بعد هدوء العاصفة ...نحن في حاجة الى منطق ومقاربة جديدتين ، وأكثر من أي وقت مضى .
نحن في حاجة إلى أن لا نستمع إطلاقا إلى أولئك الذين يجعلون من مقولة الاستثناء المغربي مسوغا للجمود ، جاعلين من هذا الاستثناء جواز مرور لمعاكسة دينامية التطور وضرورات الانتقال . نحن في حاجة إلى عدم الاستماع إطلاقا لهؤلاء.
نحن في حاجة إلى الاقتناع الجماعي بأن السياسة، إذا غاب عنها الجمهور وتقلصت المشاركة في الانتخابات إلى لعبة نخب حضرية وقروية ، بعيدا عن الكتلة الشعبية الواسعة ( الماينستريم بلغة العلوم السياسية ) تصبح ممارسة مقرفة، وتتحول الانتخابات إلى محطة تزيد في تنفير الناس من السياسة والسياسيين .
نحن في حاجة اليوم إلى الاقتناع بمخاطر غياب الجمهور عن السياسة.
نحن في حاجة إلى الاقتناع من كون الأمر يتعلق بوطن. والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ . والمرحلة تاريخية سيكون لها ما بعدها. سواء بنجاح ينخرط فيه الجميع، أو بتفويت، لا قدر الله، لمناسبة زمنية سيحاسب فيه الجميع في المستقبل القادم.
لا يمكن لعاقل أن ينكر ما بلغه المغرب من تطور في مجموعة من المجالات . ولا يمكن إنكار ما تحقق . لكن الممكن أحسن مما تحقق لا محالة. لكن أيضا لا يمكن إنكار حجم المشاكل التي يتخبط فيها المغرب، وهي مشاكل تتعلق بالمؤسساتي وبالعلاقات المجتمعية وبالانتماء والمواطنة التي تتصل أساسا من أخذ وعطاء.
هناك مشاكل اجتماعية تتعلق بعيش الناس أولا وبوجودهم . وهناك ثقة مفقودة في جملة من المؤسسات . وهناك هدر للزمن بانتظارية غير مفهومة . وهناك حيف وغياب عدالة مركزية ومجالية. وهناك شوائب عالقة من فساد وغش واستغلال.
وهناك تفاوت طبقي خطير بين قلة تملك كل شيء وأغلبية تصارع الأيام من أجل قوتها اليومي. وهناك خلل في الحكامة، وهناك تأفف في كل موقع اقتصاديا كان أو ثقافيا أو رياضيا . وهناك رغبة من الجميع في التغيير.
المغرب، اليوم ، ليس في حالة ميؤوس منها، لكن هذا لا ينفي حجم المشاكل وتعقيداتها . وهذا موجود في كل التقارير الدولية والوطنية التي درست المغرب. يبقى الحل بيد المغاربة في خلق المناخ الملائم والصالح لهم .
طبعا هناك مسؤوليات خاصة بكل جهة ؛ الدولة عليها تحملات لا يمكن أن تتنصل منها. وهناك التزامات عليها أن تتحملها بكل ما تتطلبه من إمكانيات مادية وبشرية. الدولة لا يجب أن تنفض يدها من قطاعات اجتماعية في الصحة والتعليم مثلا. كما تتحمل مسؤولية خلق المناخ الملائم للاستثمار ولصيانة المؤسسات والسهر على تطبيق القانون وخلق آليات للمراقبة والمتابعة والتقييم.
نحن في حاجة إلى رفع يد الدولة عن الحياة الحزبية، وبالتالي الإيمان العميق باستقلاليتها وقدرتها على العيش بدون موجبات السقوط او النجاح الخارجة عن قدرتها الذاتية ، والإيمان العميق بقدرتها على الفعل والإيمان بدورها كقاطرة ديمقراطية لا يمكن أبدا البحث عن بدائل لها، أو بدائل منها للعب دور غير دورها ....
والمجتمع بكل مكوناته مطالب بان يسهر على إيجاد آليات التطور والمشاركة والمساهمة في السياسة العمومية ومراقبتها وفرض المحاسبة بخصوص تحسينها وخدمتها للصالح العام ... .
كل هذا يتطلب ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته والإصرار على اشتغال المؤسسات من هذا المنطلق اي خدمة الصالح العام .
نحن في حاجة إلى مغرب يقوم على قيم واضحة للجميع انطلاقا من مجتمع الديمقراطية وحقوق الإنسان . ديمقراطية تنتفي فيها القبلية والدموية والمحسوبية والبيروقراطية القاتلة ، ويحتكم الناس غالى القانون. ديمقراطية تكون فيها القوانين مسايرة لتطور المجتمع ولتطورات العصر . وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا انطلاقا من المرجعيات الدولية الموجودة في هذا الصدد .
نحن في حاجة إلى مغرب دولة المؤسسات ودولة الديمقراطية التشاركية، لكن انطلاقا من قيم الديمقراطية كما هي معروفة، وليس ديمقراطية صناديق الاقتراع الشعبوية ( توظيف الدين والمال )، وأكثر من أي وقت مضى.
المغرب الذي نريد؛ يعيش فيه الناس باختلاف وتسامح وبحقوق مضمونة . لكن أيضا بتنمية تحقق للمغرب مكانته الوطنية والإقليمية والدولية، وأكثر من أي وقت مضى...