جبار عبدالله: شرعية الأحزاب السياسية في الخارج.. توضيح لابد منه

جبار عبدالله: شرعية الأحزاب السياسية في الخارج.. توضيح لابد منه جبار عبدالله

نعود في هذه المقالة لطرح مسألة طفت إلى سطح التداول والنقاش داخل مغاربة العالم سيما بعد ظهور ما سمي تنسيقية الأحزاب السياسية في الخارج التي مازالت محط جدال.

ما يهمني هنا أساسا هي تلك التساؤلات أو الأحكام الجاهزة الغير مؤسسة باعتبار وجود أحزاب مغربية بأوروبا غير شرعي وغير قانوني، وحتى لا أسقط في نفس الفخ الذي سقط فيه غيري سنطرح أمام المهتمين بقضايا الجالية نصوص قانونية واتفاقيات دولية في هذا المجال متمنيا أن تكون مجال للنقاش لسبر أغوار هذا الملف ولكي يتبين الخيط الأبيض من الأسود، وحتى لا يصبح الموضوع قنطرة عبور تستغل ممن يعيشون في بلدان ديمقراطية انبتت حضارتها أساسا على صراع أحزاب عرفت كيف تقرأ مستقبل شعوبها وتبني حضارتها وتتجاوز خلافاتها، فيما لازال بعضنا يكلف نفسه عناء لتسويد وجه أحزاب مغربية لا لشيء إلا لأنه وجد نفسه خارج إطاراتها. ولتعميم الفائدة سنركز الموضوع على النقط أسفله.

أسس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا:

تمثل حقوق حرية التنظيم وحرية التعبير والرأي أساسًا لا غنىً عنه لعمل أي مجتمع ديمقراطي على نحوٍ سليم، ويجب أن تتمتع الأحزاب السياسية، باعتبارها وسائل جماعية للتعبير السياسي، بهذه الحقوق تمتعًا كاملاً.

كما ينبغي أن يحمى حق الأحزاب السياسية في حرية التنظيم بموجب دستور الدولة أو قانون برلماني، وينبغي أن تتضمن هذه الحماية بيانًا للحق إضافةً إلى التزام بالدفاع عنه باعتباره شرطًا لازمًا لسلامة العمل الديمقراطي.

وقد منحت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الأحزاب السياسية حق حرية التنظيم بشكل صريح،حيث تحمي المادة 11 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمطابقة للمادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حق التنظيم على هيئة أحزاب سياسية باعتباره جزءًا من حرية التنظيم والتجمع العامة التي تشترط تمتع "كل شخص بالحق في... حرية التنظيم مع آخرين" دون قيود خلاف ما كان"مقرراً بحكم القانون وضروريًا في مجتمع ديمقراطي ."

ولذلك أسس قانون السوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان علاوة على ما سبق العلاقة بين حرية التنظيم وحرية التعبير والرأي في عدد من أحكامه حيث ينص على أن:

"حماية الآراء وحرية التعبير عنها ضمن مؤدى المادة 10 من الاتفاقية تمثل واحدة من أهداف حريتي التجمع والتنظيم المذكورتين في المادة 11، وهذا ينطبق على الأخص على ما يتعلق بالأحزاب السياسية في ضوء دورها الأساسي في ضمان التعددية وسلامة العمل الديمقراطي". وتعتمد حرية التعبير والرأي المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية جزئيًا على حرية التنظيم، ولذلك يجب ضمان حرية التنظيم أيضًا باعتبارها أداة تكفل لجميع المواطنين التمتع بحقوقهم في التعبير والرأي تمتعًا كاملاً، سواء مارسوها جماعاتٍ أو فرادى ،كماينبغي أن يعرفِّ الإطار التنظيمي بوضوح الوضع القانوني للأحزاب السياسية وأن يمنحها وضعًا قانونيًا كشكل متفرد من أشكال التنظيم .

في مسألة تسجيل الأحزاب السياسية :

توجد دول في منطقة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لا تشترط تسجيل الأحزاب السياسية. وقد أثبت العمل الديمقراطي السليم في كثيرٍ من هذه الدول عدم تمثيل متطلبات التسجيل، في ذاتها، ضرورة لمجتمع ديمقراطي، ومع ذلك، فقد دأبت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على الحكم بأن متطلبات التسجيل لا تمثل، في ذاتها ،انتهاكًا لحق حرية التنظيم. فبما أنه من الوارد أن تحصل الأحزاب السياسية على مميزات قانونية معينة، استنادًا إلى وضعها القانوني، لا تتاح لغيرها من المنظمات، فمن المعقول أن يشترط تسجيل الأحزاب السياسية لدى سلطة من سلطات الدولة .

وتوضح دراسة حالة لمختلف متطلبات التسجيل لدى الدول المشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أجرتها لجنة البندقية تبين التالي:

"لا توجد متطلبات تسجيل في ألمانيا أو اليونان أو سويسرا... وفي الدانمارك وهولندا، لا يفرض التسجيل على الأحزاب السياسية، إلا أن مشاركتها في الانتخابات تتطلب بعض الإجراءات الرسمية. وفي أيرلندا لا يعدو التسجيل أن يكون وسيلة لتمكين الحزب من نشر اسمه بجوار أسماء مرشحيه، بينما يحمي التسجيل في السويد حق الحزب الحصري في استخدام الاسم. وفي بعض الدول التي تشترط على الأحزاب السياسية التسجيل فلا يكون ذلك إلا إجراءً شكليًا، كما هو الحال في النمسا وإسبانيا وأوروغواي والنرويج، حيث يتمثل الشرط الأوحد في تقديم 5000 توقيع.

يمنح تسجيل الأحزاب السياسية في كثيرٍ من الدول الأحزاب عددًا من المميزات، فقد يكون التسجيل مطلوبًا مثلاً لتلقي تمويل من الدولة أو لضمان توفير حصة من زمن البث في وسائل الإعلام العامة أو للإدراج في بطاقات الانتخاب أثناء فترة الانتخابات. وقد يكون التسجيل مطلوبًا أيضًا لنيل الحزب شخصية قانونية، مما قد يكون شرطًا في بعض الدول لفتح حسابات مصرفية أو تملك أصول. ومن المميزات الإضافية المحتملة لهذا التسجيل كذلك توفير الحماية لأسماء الأحزاب وشعاراتها. ولا تكون المميزات الممنوحة للأحزاب المسجلة تمييزية طالما أتيحت فرص متكافئة للتسجيل كحزب سياسي .

الفروع الدولية للأحزاب:

تشدد منظمة الأمن والتعاون الأوروبية على إنه من غير المبرر أن تفرض قيود على تفاعل الأحزاب السياسية وعملها على مستوىً عابر للدول وينبغي أن تتجنب في جميع التشريعات ذات الصلة. وتشترط وثيقة كوبنهاغن بوضوح تمكين المنظمات، بما في ذلك الأحزاب السياسية، من التواصل بحرية والتعاون مع منظمات مماثلة على الصعيد الدولي، مما يشمل، حسب الاقتضاء، ما كان من خلال تقديم المساعدات المالية. ويحظى هذا الانفتاح في التواصل والعلاقات بين الأحزاب على مستوى ما بين الدول بتأييد إضافي من لجنة البندقية التابعة لمجلس أوروبا، والتي نصت على أن"التعاون الدولي بين الأحزاب التي تتقاسم نفس الأيديولوجية ممارسة منتشرة على نطاق واسع. وقد زادت بعض الأحزاب بعدها الدولي امتداداً عن طريق مساعدة أحزاب شقيقة في بلدان ثالثة. وفي الماضي ساعدت هذه الممارسات، على سبيل المثال، على التجمع الديمقراطي في عددٍ من البلدان النامية. وأينما توافقت هذه المساعدة مع التشريعات الوطنية و تماشت مع مبادئ الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وجب الاحتفاء بها باعتبارها ممارسة جيدة لما تسهم به في تكوين أنظمة حزبية ديمقراطية صلبة.كما تنص على ذلك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في المادة 10

"لكل إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقى وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية. وذلك دون إخلال بحق الدولة في تطلب الترخيص بنشاط مؤسسات الإذاعة والتلفزيون . ويمكن أن نورد مثال من حزب اتحاد المغتربين الإيطاليين في أمريكا الجنوبية (USEI) هو حزب سياسي إيطالي مقره الأرجنتين، ويهدف إلى حماية مصالح المواطنين الإيطاليين المقيمين في الخارج خاصة مواطني أمريكا الجنوبية وقد دخل البرلمان الايطالي.

في مبدأ عدم التمييز:

لا يجوز وفق المادة 14 من نفس الاتفاقية أن تضم لوائح الدولة المنظمة للأحزاب السياسية تمييزاً ضد أي فرد أو جماعة على أي أساس من شاكلة "العرق" أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير ذلك من الآراء أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو الميل الجنسي أو أي وضع آخر. ولا يتوسع حق الفرد في التنظيم الحر ليصبح إلزامًا على حزب سياسي ما بقبول أعضاء لا يشاركونه نفس المعتقدات والقيم الأساسية. ومع ذلك فمن المستحسن أن تطبق الأحزاب السياسية طواعية مبدأ عدم التمييز.

في السياق ذاته يجب أن يتاح تأسيس الأحزاب السياسية لمن يلتمس ذلك من الأفراد أو الجماعات على أساس من المساواة أمام القانون.ولا يجوز للدولة إحداث فروق إيجابية أو سلبية بين الأفراد أو الجماعات الراغبة في تكوين حزب سياسي في مساعيهم لتحقيق ذلك، كما يجب تطبيق اللوائح المنظمة للأحزاب على الجميع بشكل موحد .ويجوز في سبيل التخلص من أوجه عدم المساواة المستقرة من الماضي اتخاذ تدابير تكفل فرصًا متكافئة للنساء والأقليات. ويجوز سن تدابير خاصة مؤقتة تستهدف تعزيز المساواة بحكم الواقع لصالح النساء والأقليات العرقية أو "العنصرية" أو غيرها الخاضعة لتمييز متوارث من الماضي، وينبغي ألا تعتبر تدابير تمييزية. إليكم منطوق المادة 14" يكفل التمتع بالحقوق والحريات المقررة في هذه المعاهدة دون تمييز أياً كان أساسه: كالجنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو العقيدة أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الانتماء إلى أقلية قومية، أو الثروة، أو الميلاد، أو أي وضع آخر".

نظراً لما سبق ذكره، يتناقض أي تشريع يحول دون حرية التنظيم والتفاعل الحر بين الأفرع الدولية للأحزاب السياسية مع الممارسة الجيدة والتزامات حماية الحقوق الفردية والجماعية. ولذلك، ينبغي أن تكون للأحزاب السياسية الحرية في التمتع بالتواصل مع غيرها ممن يشاركها نفس المثل على المستوى الوطني والدولي.

جبار عبدالله ، باحث في قضايا الهجرة