محمد بوبكري: نهاية خرافة " البوليساريو " وجنرالات الجزائر

محمد بوبكري: نهاية خرافة " البوليساريو " وجنرالات الجزائر محمد بوبكري
يدرك المتابعون للشأن المغاربي أن ما يسمى بـ"جبهة البوليساريو " قد تعرضت لضربات متتالية بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه. وتتمثل هذه الضربات الموجعة في الأحداث التالية:
أولا، يتسم الوضع التنظيمي الداخلي لـ "البوليساريو" في مخيمات "تندوف" بالانفجار، حيث تسود صراعات كبيرة كثيرة داخل صفوفها، كما أن هناك غموضا كبيرا في عملية اتخاذ قرار تدبير شؤون "البوليساريو" على مستوى قمة الهرم العسكري الجزائري. أضف إلى ذلك أن الأوضاع في مخيمات تندوف تنذر بالانفجار بسبب مشاكل التغذية والمشاكل الصحية... التي تزداد استفحالا يوما بعد يوم. ويلاحظ المتتبعون من الداخل أن قنوات الاتصال بين عصابة الانفصاليين وقصر "المرادية" تتسم بالغموض، حيث يبدو وكأن الثقة منعدمة بين جنرالات الجزائر والعصابة الانفصالية، لأن الأوائل بعثوا بجواسيس إلى مخيمات تندوف لمراقبة ما يجري هناك. إضافة إلى ذلك، هناك مشكل على مستوى التسلسل في الهرم العسكري الجزائري، لأنه يوجد صراع على السلطة بين أجنحة الجنرالات، حيث كشف بعض الملاحظين أن هذا الصراع قد يدفع ببعض الجنرالات إلى البحث عن بديل لـ "سعيد شنقريحة". كما أن الجزائر منشغلة بالحراك الشعبي الذي تمحورت شعاراته حول الدعوة إلى التخلص من تسلط النظام العسكري وبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة. ويلح الشعب الجزائري من خلال هذا الحراك على معرفة مصير أموال عائدات البترول والغاز التي تبخرت، والتي تتحدث كتابات بعض الخبراء الجزائريين عن أنَّ الجنرالات نهبوها، وهربوها إلى ملاذات ضريبية متسترة على حسابات زبائنها.
ثانيا، إن الرئيس الموريتاني السيد محمد ولد الشيخ الغزواني منهمك بجد في دراسة سحب اعتراف موريتانيا بما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية"، انسجاما مع موقف الأمم المتحدة الداعي إلى حل سياسي لهذه القضية، دون الاعتراف بما يسمى بـ " الجمهورية الصحراوية". ويبدو أن الرئيس الموريتاني حريص على إنجاز ذلك خلال عهدته الأولى. وقد ورد في الموقع الموريتاني "أنباء. أنفو" أن الحكومة الموريتانية على وشك الإعلان عن سحب اعترافها بـ"البوليساريو"، مستندة في ذلك إلى مرجعية الأمم المتحدة التي لا تعترف بـ"البوليساريو"، حيث إن مجلس الأمن الدولي قد حدد الحلول لهذه المشكلة على أساس المبادئ التالية: الواقعية، والتوافق، والرغبة في التسوية. ويقول المتتبعون للشأن الموريتاني إن موريتانيا وبلدانا أخرى قد وجدت نفسها في ورطة، لأنها مكنت "البوليساريو" من فتح سفارة لها بنواكشوط، مع أن "البوليساريو" لا أرض لها، ولا عاصمة لها، فهي مجرد قاطنة عابرة في تندوف. وقد جرت الأعراف الدبلوماسية على أن من فتح سفارة عندك، ينبغي أن تفتح سفارة عنده. لذلك، فإن هذا ما يطرح مشكلا لموريتانيا وغيرها من البلدان التي سبق أن اعترفت بما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" التي أكد التاريخ أنها مجرد وهم.
ثالثا، هناك ضربة موجعة أخرى تلقاها الانفصاليون من إسبانيا التي أكدت أنه لم تعد لها أية مسؤولية دولية في كل ما يتعلق بإدارة ملف الصحراء منذ عام 1976، حيث قال مندوب الحكومة الإسبانية: "إن إسبانيا متحللة من أي مسؤولية في كل ما يتعلق بالصحراء منذ سنة 1976، لأنها سلمت وقتذاك المفاتيح إلى أصحابها". وقد وجهت هذا الكلام إلى الانفصاليين وإلى أنصارهم من الإسبانيين، وخصوصا إلى حزب "بوديموس" المساند للانفصاليين، وهو حزب كاتالاني صغير له 10مقاعد في البرلمان الإسباني، وليس له أي مقعد في مجلس الشيوخ الإسباني. وقد ردت الحكومة رسميا على هذا الحزب قائلة: "إن موقف الحكومة الإسبانية من هذه المشكلة هو الدفاع عن حل سياسي، هذا موقف ثابت لإسبانيا".
رابعا، لقد نشرت وكالة أنباء روسيا مقالا يقول: "إن مشكل الصحراء قد حُسمَ"، حيث تتوقع هذه الوكالة هزيمة "البوليساريو" أمام القوات المسلحة الملكية المغربية، لعدم تكافؤ بين الطرفين؛ فالمغرب أقوى عددا وعدة وعتادا وتقنية من "البوليساريو"، ما يستحيل معه على هذه الأخيرة أن تخوض حربا ضد المغرب. وإذا خاضتها، فإنها ستمنى بهزيمة كبيرة. وما دامت هذه الوكالة الروسية رسمية، فإنها تمتلك معلومات سليمة ربما تلقتها من المخابرات الروسية. ويعني ذلك أن ما تتحدث عنه "البوليساريو" من استئناف الحرب ضد المغرب هو مجرد كذب وتضليل تُنفس به عن عجزها وهزيمتها أمام المغرب. وأضافت هذه الوكالة الروسية أن الأقاليم الصحراوية هي تحت السيادة المغربية منذ أزيد من أربعين سنة. وإذا كانت الأمم المتحدة قد قررت سابقا إجراء استفتاء في الصحراء، فإن ذلك لم يتم لحد اليوم، كما أن أيا من القوى العظمى لم تمارس ضغطا على المغرب للقبول به.
خامسا، لقد تغير العالم فكريا، فلم يعد يقبل ما كان سائدا في السابق، حيث نجد اليوم أن أغلب الدول التي كانت تساند الاستفتاء في الصحراء صارت تتبنى الحل السياسي لهذا المشكل، أي حل "الحكم الذاتي" الذي هو، في أصله، مقترح مغربي. وهذا ما جعل بلدانا كثيرة تفتح قنصليات لها في الصحراء المغربية، وستتبعها بلدان أخرى كثيرة، لأن الصحراء أصبحت بوابة لأفريقيا.
هكذا، بات المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها. ورغم توهم حكام الجزائر أنهم يتحكمون في أفريقيا، ورغبتهم في أن يبقى ملف الصحراء ملفا أفريقيا فقط، فقد فشلوا في ذلك، لأن الدول الأفريقية تريد أن يبقى في يد الأمم المتحدة. هكذا، تبخرت الحلم الأفريقي لحكام الجزائر، حيث عارضتها دولة جنوب أفريقيا في مسعاها هذا. وما لا يعيه جنرالات الجزائر هو أن البلدان الأفريقية تعلم أن الجزائر سائرة في طريق الإفلاس، ما جعل تلك البلدان لا تثق في أي مستقبل مع جنرالاتها...
وإذا كان حكام الجزائر يستغلون احتضانهم للانفصاليين للحصول على أموال طائلة من "معمر القذافي"، كانوا يستغلونها في الواقع لتسليح جيشهم، فإن القذافي قد مات، وهذا ما يفسر رغبة حكام الجزائر الجامحة في التدخل في الشؤون الليبية، لأنهم ألفوا أن يرضعوا حليبها.
وما لا يعلمه الانفصاليون هو أن الأخطر لم يحدث بعد، حيث يؤكد خبراء ومعارضون جزائريون أن الجنرالات قد نهبوا أموال الجزائريين لمدة عقود، وهربوها إلى الخارج، كما أن سعر البترول والغاز في انخفاض مستمر في السوق العالمية، ما يعني أن الموارد المالية للجزائر قد تقلصت، فلم تعد للجزائر تلك الموارد التي كانت تمكنها من الإنفاق على "البوليساريو" الذي كان الحكام الجزائريون يستغلون احتضانه لسرقة أموال الجزائيين، لكنه أصبح اليوم عبئا على الجزائريين الذين بدأوا ينددون بمساندة الجنرالات له. هكذا سيقوم الشارع الجزائري مستقبلا برفع شعارات تندد باحتضان الجنرالات لـ " البوليساريو".
ونظرا لمساندة حكام للانفصاليين، وطرحهم ضرورة تمكين الأوائل مما سموه بـ"حق تقرير المصير"، فهل سيقبلون المبدأ نفسه في تعاملهم مع الشعب الجزائري، الذي صار يطالب بالاستقلال وبتقرير مصيره. فلماذا يقوم جنرالات الجزائر بالكيل بمكيالين؟ ولماذا يرفضون حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره وحصوله على استقلاله الذي يعتقد أنه لم يحصل عليه لحد الآن، لأنه يرى أن الجنرالات هم امتداد لقوى الاستعمار، بل إنه عملاء لهم كلفوهم بحراسة الجزائر؟ !!....
إن جنرالات الجزائر لا يؤمنون بمبدأ "حق تقرير المصير" الذي ينادون به للبوليساريو، دون أن يمنحوه للشعب الجزائري الذي سرقوا منه وطنه وإنسانيته، وأمواله وخيراته، وأحلامه ومستقبله... وقد صار مؤكدا أن هؤلاء الجنرالات يريدون تحقيق مصير "البوليساريو" ليستولوا على الصحراء بعد ذلك باسم هذا المبدأ. هكذا فإنهم يحتالون عبر توظيف هذا الحق بغية التوسع على حساب الوحدة الترابية المغربية التي تعد حقا من حقوق الشعب المغربي. لكن، أنى لهم ذلك!!.
وتجدر الإشارة إلى أن حكام الجزائر لم يستفيدوا، ولا يستفيدون، من دروس التاريخ، حيث جمعتهم علاقة تاريخية مع الاتحاد السوفياتي الذي انهار بسبب انخراطه المحموم في سباق التسلح مع الدول الغربية.. وإذا كانت روسيا اليوم تسعى لبيع الأسلحة إلى جنرالات الجزائر، فإنها تفعل ذلك بغية تحويل الجزائر إلى سوق لأسلحتها، وذلك من أجل حل الأزمة المالية الروسية فقط. كما أن هؤلاء الجنرالات لا يعلمون أن اقتناء الأسلحة الروسية قد يتسبب لهم في خصومات مع دول أخرى، الأمر الذي قد يدفعون ثمنه قريبا...
ونظرا للنزعة التوسعية التي حولها إلى عقيدة حكام الجزائر إلى عقيدة لهم، فقد صاروا مأخوذين بهوى المبالغة في التسلح من أجل الهيمنة على جيرانهم، ما يكلف الجزائر جبالا من ملايير الدولارات، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار الجزائر، لأن حكامها يعانون من ضعف فكري مهول جعلهم لا يعون ما يجري في بلادهم، وفي محيطهم الإقليمي والدولي...