عبد الرحمان العمراني: حقنة وطنية 

عبد الرحمان العمراني: حقنة وطنية  عبد الرحمان العمراني
وأنا أنتظر دوري لأخذ الجرعة الأولى من اللقاح هذا الصباح،  بدار الشباب مجمع  القدس بفاس، ضمن أزيد من مائة  مواطن ومواطنة  توافدوا باكرا إلى الموقع، من مختلف الطبقات والفآت الاجتماعية؛ ممن تمت برمجة تلقيحهم، وأنا ألحظ  جوا عاليا من الانضباط ومن حركية  استقبال طيبة  ومواكبة  من طرف الأطقم الإدارية والطبية، وجدتني، هكذا استشعر فخرا  واعتزازا وشعورا طافحا بروعة الانتماء الوطني .
ورجعت بي الذاكرة إلى أواخر الخمسينات وأنا طفل في السادسة من عمري في بادية بني كرفط ، في فترة الأيام الأولى من الاستقلال  حينما قدم إلى القرية أعوان سلطة يسجلون الأطفال للمدرسة العمومية، والآباء في غمرة الفرح ينبعث صافيا من عيونهم .
شعرت هكذا كما أو أنني أعيش نفس اللحظة الوطنية المكثفة. نفس الحماس الوطني، نفس الشعور بهوية جماعية حقة،مشتركة حقا، ووطنية حقا .
وقبل أن تنادي الموظفة على الرقم 128، رقمي وأتقدم  إلى غرفة تلقي الحقنة، وقبل أن أمد ذراعي للممرضة جالت بخاطري في لحظات  سريعة جملة أفكار وارتسامات  ضغطت على مشاعري : بدا لي كما لو أن بلدنا وضع في لحظة حاسمة فوارقنا الاجتماعية الصارخة جانبا. وقرر أن يجعل الصحة أولوية مجتمعية لا تقبل التعامل المركانتيلي. بدا لي أن نوعا من الخدمة الصحية الوطنية national health service مغربية بالكامل أمر ممكن  وليس مستحيلا أو مستعصيا متى توافرت الإرادة والتصميم. بدا لي أن الحق  في الصحة صار العنوان المتجدد لروح وطنية  متجددة قادرة على فتح  أبواب  المستقبل بحماس متجدد.
بدا لي أن الوطنية والمساواة الاجتماعية صنوان، حينما يتعلق الأمر بواحد من أكبر  حقوق المواطنة، أي الحق في الصحة، وقلت مرددا الشعار المعروف " yes we can ".