من يقف وراء مسلك رئيس المجلس العلمي بطنجة في  التلبيس على حواس الدولة؟

من يقف وراء مسلك رئيس المجلس العلمي بطنجة في  التلبيس على حواس الدولة؟ من اليمين: الوزير التوفيق، كنون، الوزير لفتيت والمرحومة حفيظة البغلولي

ما أثير مؤخرا من مؤشرات الانفلات في الحقل الديني، عوض أن يحمل المعنيين بالأمر على تدارك الاختلالات، من منطلق التفاعل أولا، مع قيم: "رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي"، وجدنا نهجا آخر في طريق التبلور، يتمثل في حماية هذه الانفلاتات، بممارسة السرية على المجتمع. أما حواس الدولة فلم يعودوا يعطونها أي اعتبار. وهذا مستوى من جرعة التمادي في استنبات مختلف آليات هدم المعمار المذهبي للبلاد. وسنقرأ هذا المنعطف وتوابعه من خلال المسلك التالي:

قام المجلس العلمي المحلي بطنجة بعد عصر الجمعة 12/2/2021 في إطار فعالية "علماء في ضيافة المجلس"، بتنظيم ندوة "للعالمة المرحومة حفيظة البغلولي"، التي وافاها الأجل في دجنبر 2020، تقبلها الله في عداد عباده الصالحين.

 

وللتذكير، فالدكتورة البغلولي، كانت تنشط ضمن الخلية النسوية بالمجلس، كأستاذة لمادة أصول الفقه للتكوين الشرعي، وواعظة، وعضوة بـ "جمعية الدراسات القرآنية" التي يرأسها رئيس المجلس العلمي سي محمد كنون، ويسيرها العربي بوسلهام. كما كانت عضوة بـ "مؤسسة الإدريسي المغربية الإسبانية للبحث التاريخي والأثري والمعماري"، التي يرأسها الأستاذ المؤرخ الدكتور أحمد الطاهري.

 

ولا شك أن المرحومة البغلولي تستحق مثل هذه الالتفاتة. إذ نقف على هذا الزخم الإنساني لشخصيتها، في خاتمة كلمة مؤسسة الإدريسي في تأبينها: "ستظلين بأعمالك وأخلاقك وإخلاصك حية بيننا، وقد كنت مثالا عز نظيره للتعايش الإنساني المتدفق العيون من أعماق حضارتنا ورفيع التربية المتوارثة لدى بنات وأبناء الأصول من قدامى أهلنا، فأبكيت لفراقك كل من أذقته كريم خصالك بمؤسسة الإدريسي: مسلمين ويهودا ونصارى".

 

لكن هذا التأبين الذي تم حضوريا، وبـ"كثافة" تخرق البروتوكول الصحي، أريد له أن يمر في صمت، بدون تغطية إعلامية ولا إعلان بصفحة المجلس، ولا في الصفحات التي دأبت على نشر أنشطة المجلس. فقط، سنكتشف هذا النشاط من خلال تصفح صفحة الكاتبة العامة لمؤسسة الإدريسي، المهندسة المعمارية فاطمة الزهراء أيتوتهن التمسماني. حيث جاء فيها: "لقد انعقد البارحة جمع مهيب بالمجلس العلمي بطنجة لتأبين المرحومة الدكتورة حفيظة البغلولي، شارك فيه أصدقاء وأعضاء مؤسسة الإدريسي، بكلمة قيلت في حقها، باعتبارها صديقة وعضو نشيط بالمؤسسة". في حين تكتمت الأطراف الأخرى عن مشاركتها، كما تكتم المجلس عن تنظيمه لهذه الندوة/ التأبين.

 

 

وهنا لا بد من الملاحظات التالية:

أولا: ألم يكن من الأولى -مع قدر الله هذا- أن تكون المرحومة مقترحة لعضوية المجلس العلمي خلفا للأستاذة وداد العيدوني التي عينت بالمجلس العلمي الأعلى، عوض الإتيان بمن هو منتظم عضويا في الحزب الحاكم؟ وهذا يحيلنا على جانب في تدبير الحقل الديني. فعوض الدفع بالأصوات المعتدلة والمستنيرة إلى واجهة المسؤولية، يتم النفخ في منتسبي الأصولية، لخلق زعامات أصولية تشغل العباد والبلاد كحالة سي بنكيران وهو صنيعة مخزنية على عهد البصري والمدغري، والآن "يتبورد" حتى على الدولة. وبهذا يكون تسويق أسماء هذا التأبين، يفضح تدبير سي كنون المتواطئ مع الأصولية.

 

ثانيا: ما هو لافت في منصة هذا التأبين، إلى جانب رئيس المجلس والمندوب الجهوي للشؤون الإسلامية، المحسوبين أصلا وفصلا على الأصولية، رغم مساحيق التجميل، حضور أسماء تنشط ضمن الأفق الإيديولوجي والسياسي لحزب العدالة والتنمية، كالعربي بوسلهام ووفاء بنعبد القادر وكريمة الخرشاف.. في حين تم استبعاد أسماء أخرى، كانت ستمنح معنى لهذا التأبين يحترم قناعات "المحتفى" بها. لكن سي كنون أخرج الحدث عن مساقه، ليعطيه دلالة/ رسالة أخرى، في ظل راهن النقاش العام حول الحقل الديني. وهذا يبين استمرار إرادة التدليس على حواس الدولة من جهة، وتحدي يقظة المجتمع، من جهة أخرى، نسأل الله له حسن الخاتمة.

 

ثالثا: وهذا الحضور السري في غياب "الإعلام"، يفسر غياب عنصر الشفافية في هذا النشاط، مما يغذي شكوكا حول نوايا ذلك. حيث يظهر أن هناك توجسا من يقظة المجتمع. أما الجهات الرسمية فتم الدوس عليها، من خلال برمجة نشاط حضوري مكثف في ظل الجائحة، علما أن دروس الوعظ لم يتم استئنافها بالمساجد. لقد كان بالإمكان برمجة هذا النشاط، بصيغة أخرى وعلنية، لكن يبدو أن سي كنون أعمته "بيعة "سي بنكيران، لما هرول بمعية المندوب الجهوي للشؤون الإسلامية، لمباركة اعتداء رئيس الحكومة على المجال المحفوظ لأمير المؤمنين في أكتوبر 2015، فركب المجهول/ المحظور.

 

رابعا: إن إصرار رئيس المجلس العلمي، على استضافة منتسبي الحزب الحاكم، بعد أن كان ضيفا عليهم في الآونة الأخيرة، يستبطن تحديا غريبا لمنطق المسؤولية، وهو يجعل من المجلس إقطاعية خاصة لأهوائه. فبعد أن قام بتجيير المرحوم الشيخ محمد الجردي الذي يعتبره حزب العدالة والتنمية بطنجة، "أحد أبرز علماء ودعاة مدينة طنجة الذين ارتبط بهم جيل الصحوة الإسلامية منذ سبعينيات القرن الماضي، خطيبا وواعظا وداعية إلى صراط الله المستقيم". بعد هذا، هرول لحضور نشاط لأذرع الحزب. وها هو الآن يستدعي وجوها منها ،لتأطير تأبين الأستاذه البغلولي. وهذا يعني أنه ارتمى بالكلية في أحضان الأصولية، غير مكترث بالتزام الدولة في شأن حماية السيادة المذهبية للبلاد.

 

أما بعد، فيظهر أن العلاقات الرضائية بين المجلس العلمي بطنجة والأصولية، لا تقف عند عتبة ممارسة السرية. بل وهي مزهوة بسطوة الحزب الحاكم، تمارس الوعيد في حق يقظة المجتمع، وخصوصا "اليسار".. وأكثر من هذا ، فإن سي كنون أيضا، كمنسق جهوي للمجالس العلمية بالشمال، وهو يمكن، ما وسعه الجهد، لمنظومة التغلغل الأصولي، متورط في ممارسة "الاغتيال" الرمزي، للأفراد والمؤسسات والتاريخ بجهة الشمال. "بيس الورد المورود"!