أسباب نزول عيطة "شريفي سيدي حسن" على لسان الفنان حسن الزرهوني (3)

أسباب نزول عيطة "شريفي سيدي حسن" على لسان الفنان حسن الزرهوني (3) الفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني بجانب مشهد من نقل جثمان السلطان لمدينة الرباط

تعتبر عيطة "شريفي سيدي حسن" من العيوط الجميلة والرائعة التي ساهمت في توثيق أحداث تاريخية عاشها المغرب في فترة حكم السلطان المولى الحسن الأول، وتعرضت هذه "القصيدة" للإندثار والتلاشي والنسيان، إلى أن جمع بعض متونها الشعرية شيوخ العيطة من مدينة أسفي، على لسان الرواد من أمثال الشيخ ميلود الداهمو والشيخة عيدة وغيرهم.

ضيف جريدة "أنفاس بريس" الفنان التشكيلي والمبدع الأستاذ حسن الزرهوني استجاب لنداء ثلة من أصدقائه المهووسين بفن العيطة، فغرد بلبل منطقة الكاب، وقام بتفكيك وتحليل قصيدة هذه العيطة في سياقها التاريخي، واستحضار أخطاء شائعة تسربت "للعيطة الحصباوية" فكانت فرصة ثمينة لإشراك القراء في هذا الطبق في انتظار تفاعل المهتمين بفن العيطة والموسيقى التقليدية كتراث مغربي أصيل.

أحمد فردوس

في حديثنا مع الفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني اكتشفنا أننا في حضرة هرم من أهرامات منطقة عبدة الساحرة، مثقف من مثقفي حاضرة المحيط، متمكن من أسلحة تفكيك نصوص العيطة العبدية الأصيلة، والنبش في تاريخها وأسباب نزولها، حافظ لخرائط أنفاق وسراديب أسرارها وذخائرها الثمينة، رجل ضابط لأنغامها وإيقاعاتها وطبقات أصوات شيخاتها و شيوخها الرواد الذين تعاملوا مع مواضيعها وفق مضمونها في الزمان والمكان دون زيادة أو نقصان، بل إنه يعطي أهمية قضوى للأمكنة والفضاءات الحاملة للدلالات والرموز الروحية والدينية وشخوص صلحائها المتصوفة الفاعلين في أحداثها ووقائعها.

عيطة "شريفي سيدي حسن" التي يتغنى بها شيوخ منطقة عبدة تناولت عدة مفردات وكلمات تحيل على عبور رحلات "لمحلة السلطانية" عبر مجالات جغرافية بتضاريسها الطبيعية الوعرة، الجبلية والهضاب والتلال والغابات، و ضفاف الوديان ونقط الماء الغنية، ووصفت الأمكنة والفضاءات والزوايا، "إلا أن تركيب أبيات قصيدتها الشعرية بعد محاولة ترميمها وإعادة كتابتها وغنائها، تعرضت بحسن نية إلى الزيادة والنقصان، وإقحام مفردات متشابهة في النطق وبعيدة عن المعنى، ولا علاقة لها بالأحداث والوقائع التي سجلتها أوراق تاريخ الحركات السلطانية للمولى الحسن الأول". يوضح ضيف الجريدة حسن الزرهوني.

ورد في العيطة قول "في سلْوانْ نزْهاوْ، في كْويديرْ نْباتو، سيدي عزوز يا دْراعْ اللوز"

معنى كلمة "سلوان" في علاقة بالقبلية والمجال والإنسان

هي قصبة شيدها المولى إسماعيل سنة 1679، واستطاع أن يوفر لها حماية عسكرية ضد انتفاضات قبائل الريف، وتوجد قصبة سلوان قرب جبل "كوروكا" بمدينة الناظور، وتعتبر من أهم المعالم التاريخية والأثرية بالمنقطة، حيث أتى على ذكرها مجموعة من المؤرخين والباحثين من بينهم المؤرخ "الزياني".

قبائل سلوان هي التي حاول الفتان بوحمارة الروكي سنة 1903/1904 الاستقرار بها هروبا من مطاردة السلطان مولاي عبد العزيز، بل حولها إلى عاصمة لنفوذه ، إلى حين هزيمته سنة 1908 وهروبه نحو ملوية ثم مدينة فاس.

معنى كلمة "ﯖويدير" في علاقة بالقبيلة والمجال والإنسان

أقحمت كلمة "ﯖويدير" في قصيدة نفس العيطة، لكن حسب قراءة و استطلاع المجال الجغرافي، لا يستقيم المنطق الزمني والمسافات البعيدة الرابطة بين النقطتين المذكورتين "في سلْوانْ نزْهاوْ، في كْويديرْ نْباتو ". و هل من المنطق أن يقضي الناظم/الفارس ليلة سمر بمنطقة "سلوان" بالناظور وينتقل للمبيت بمنطقة الصويرة"، على اعتبار أن "كويدير" توجد بمنطقة صخرية ذات تضاريس وعرة وتحديدا بجامعة بجماعة الماريد بمدينة الصويرة بجهة مراكش أسفي .

إن كلمة "ﯖويدير" وردت بالخطأ في هذا البيت الشعرية من عيطة "شريفي سيدي حسن"، ومعناها "الصور" أو "الحائط" أو "الحصن"، ومن المحتمل أن تتشابه مع كلمة أخرى في النطق، وهي "أَﯖْدِيرْ" المتواجدة بالقرب من مدينة الحسيمة بنحو 120 كلم، والتي تعد من مجال قبيلة بني ورياغل مسقط رأس المجاهد عبد الكريم الخطابي. (هي من قبائل جبال الريف الأمازيغية الصنهاجية الأصل، تنضوي إداريا ضمن قبائل جهة طنجة تطوان الحسيمة، تحدها شرقا قبيلة بني تمسمان وقبيلة بني توزين ويفصلها عن هذه القبائل وادي النكور، وشمالا ساحل البحر الأبيض المتوسط، وغربا قبيلة ايبقاين وقبيلة أيت يطفت وقبيلة تاركيست، وجنوبا قبيلة صنهاجة وقبيلة بني عمارت وقبيلة جزناية . وتشتهر قبيلة بني ورياغل بقاعدتها مدينة أجدير التاريخية والمشهود لها بالجهاد والكفاح ضد المستعمر الاسباني والفرنسي بزعامة وقيادة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي المتوفى سنة 1963).

تجدر الإشارة إلى أن اسم "ﯖويدير" الذي تم تحويره في العيطة، (ربما بفعل التشابه في النطق) تطلق كذلك على بئر تتواجد بمنطقة سيدي عيسى بالقرب من منطقة جمعة سحيم.

من هو سيدي عزوز مولى تازة يا دراع اللوز ؟

"سيدي عزوز مولى تازة" هو أحد صلحاء المتصوفة، وهو صاحب الرباعيات المفقودة، عاصر الفترة الوطاسية ، وأتى على ذكره الوزير الإسحاقي في رحلته الحجازية، وكان قد توقف بتازة صحبة الأميرة لالة خناثة بنت بكار زوجة المولى إسماعيل سنة 1737 بضريح سيدي عزوز بتازة.

إن شيوخ العيطة لم ينتبهوا ـ بدون قصد ـ للأخطاء الواردة في بعض متون العيطة و"الحبات" المتكررة و المتفرقة و المتشابهة في النطق والمختلفة المعنى، في أغاني العيطة الحصباوية وخصوصا على مستوى ضبط أسماء و دقة المجالات الجغرافية التي شهدت أحداثا ووقائع تختلف في الزمان والمكان، ودليلنا في ذلك أنه قيل في المتن العيطي في موضوع القصيدة: "في سلوان نزهاو، في كويدير نباتو، سيدي عزوز مولى تازة

السؤال البديهي هو: كيف يقبل المنطق انتقال فرسان لمحلة السلطانية من "سلوان" بالريف، نحو منطقة الصويرة، والرجوع لمنطقة تازة رغم بعد المسافات؟ كم ستستغرق هذه الرحلة؟ وهل هذا الوصف سليم جغرافيا وتاريخيا في ارتباط بزمن لمحلات السلطانية في علاقة مع القصيدة/ العيطة موضوع ملفنا الإعلامي؟

في هذا السياق يؤكد ـ حسن الزرهوني ـ أنه "يرفض إقحام فترات زمنية متباعدة ومجالات جغرافية تتطلب مسافات طويلة، ضمن المتن العيطي لـ "عيطة شريفي سيدي حسن"، في إشارة إلى إقحام اسم "المتمرد الفتان بوحمارة الروكي ضد السلطة المركزية سنة 1902 في أحداث ووقائع فترة حكم السلطان مولاي الحسن الأول الذي توفي سنة 1894 ؟"، مثل كلام من هذا القبيل: "يا جويلالي يا الزريهيني يا بوحمارة...".

نماذج أخطاء شائعة في عيطة "خربوشة" مثل ما وقع في عيطة "شريفي سيدي حسن

وللإستئناس ببعض الأخطاء الشائعة التي طالت العيطة الحصباوية يستحضر ضيف الجريدة "عيطة خربوشة"، حيث أن بعض المتون الشعرية التي تغنت بها الناظمة "حادة الزايدية الغياثية" (وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك فرق بين شخصيتها وشخصية "الشيخة خربوشة"، مع العلم أننا لا نتوفر على وثائق تاريخية وتعريفية للجزم في هذا الإختلاف بينهما). من المؤكد أن " الشيخة خربوشة" كانت تتغنى بكلام حماسي وثوري لتحفيز الثوار من قبيلة أولاد زيد، من أجل الهجوم على القائد عيسى بن عمر ..لكننا نجد في متنها العيطي ما يلي:

"الحصبة هي بلادنا، فيها أولدنا أولادنا، فيها دينا أوتادنا"، علما أن منطقة الحصبة بعيدة عن قصبة القائد عيسى، مما يكشف التناقض الواضح مع الأمكنة والمناطق والمسافات الرابطة بين مجالاتها الجغرافية خصوصا إذا استحضرنا متن آخر عيطي في عيطة "خربوشة" والذي ينسب لـ "حادة الزايدية الغياثية"، وهو : "ضربة على ضربة حتى لبير بولكشور / ضربة على ضربة حتى الباب السي قدور"، والذي تم تحوير كلماته من (ضربة على ضربة) إلى (سربة على سربة) حيث ينتصب سؤال مهم وهو: كم سنحتاج من سربات الخيل (الجيوش والخيول والعدة والعتاد) للاصطفاف في طابور قتالي من قبيلة أولاد زايد (شاطئ الكاب) إلى غاية  قصبة القائد عيسى بن عمر؟

"بئر بولكشور" هو نقطة مائية ومورد مائي حيوي، كانت تتزود منها قصبة القائد والقبائل المجاورة، ولهذا السبب ربما كانت الشاعرة/الناظمة تحفز قبيلة أولاد زيد بقولها: "ضربة على ضربة من بير بولشكور حتى لباب السي قدور"، يعني العمل على محاصرة النقطة المائية والسيطرة عليها واستعمالها كمخطط تكتيكي للتضييق على قدرات ومعنويات القائد و جيوشه حتى الاستسلام". في حين أن "باب السي قدور"، (وليس "رياض السي قدور" كما ورد في بعض أغانيها. لأن جميع الرياضات كانت بداخل القصبة وليس خارجها) يعني أنها تقصد الباب الكبير للقصبة التي كان يقابلها محلات تجارية لليهود.

خطأ آخر يتعلق بحبة في عيطة "خربوشة" وهو: "عْوِينَةْ مازي مْورْدةْ خايْلْ ورجْليَة"، سنقوم بتفكيكه وتحليله في الحلقة القادمة مع متن آخر ورد في عيطة "حاحتي قي كريني" وهو المتعلق بمجال قبيلتي لمزامزة والشراردة "هَاذو لمْزامْزةْ ركْبوا، هاذو الشْرارْدة ساروا".