واقعة "عام الرفسة" بين عيسى بن عمر وثوار أولاد زيد على لسان الفنان حسن الزرهوني (2/2)

واقعة "عام الرفسة" بين عيسى بن عمر وثوار أولاد زيد على لسان الفنان حسن الزرهوني (2/2) الفنان التشكيلي والمبدع الموسيقي حسن الزرهوني، بجانب مشهد من زاوية ضريح الشيخ أبو محمد صالح

في لقاء ثقافي لجريدة "أنفاس بريس" مع الفنان التشكيلي، والباحث في تراث فن العيطة والموسيقى التقليدية المغربية، والذي يتهرب من الأضواء لاعتبارات ذاتية وموضوعية..إنه الفنان الموسيقي الشيخ المتمرس الحافظ عن ظهر قلب لمتون العيطة في علاقة مع سياقها التاريخي، و متمكن من طبوعها، وميازينها، وإيقاعاتها، والمهووس بأصول العزف وأنغام الوتر، الأستاذ سي حسن الزرهوني ابن عم الشيخين جمال وعابدين الزرهوني وسليل أسرة القائد الزرهوني الحاج محمد بن ملوك، حيث تشعر بأنك في حضرة فنان متكامل الأوصاف، يمارس طقوسه بصوفية خالصة بمحراب الإبداع، ونكران الذات دون تعال، فكانت بداية حديثنا عن أحداث "عام الرفسة" الذي نكل فيه القائد عيسى بن عمر بزعماء و ثوار أولاد زيد وتصفيتهم وسجنهم وإبعادهم عن أرضهم.

تناولنا في الحلقة الأولى تدخل الحفدة والمنتسبين لشجرة عائلة الشيخ أبو محمد صالح الذين رفضوا قصف وهدم الضريح، مما أفشل خطة القائد عيسى بن عمر ومن معه، رغم إطلاق أعيرة نارية من فوهات بناقد العساكر في اتجاه الضريح حيث سمع دوي البارود مما أدى إلى خروج جموع من الساكنة لتقصي الأمر، والتنديد بمحاولة المس ببناية الشيخ أبو محمد صالح وتصفية زعماء و ثوار قبيلة أولاد زيد الذين احتموا بداخله.

مقر قيادة العمليات كان بقاعة فضاء مستودع الإسباني اليهودي خورخي برآسة القائد عيسى بن عمر وحمزة بن هيمة وآخرين، الذي بلغه أن الساكنة خرجت لحماية الضريح وهاجمت أعوانه و عساكره، وأنهي إلى علمه أنه من الممكن أن يثور الناس ضده ويهجمون عليه أو يصيبه مكروه.

قد يكون القائد عيسى بن عمر قد فكر بمعية حمزة بن هيمة في الضربة القاضية التي سيتم بها تصفية الثوار وزعمائهم من قبيلة أولاد زيد، بعد محاولتين فاشلتين، وجرت رياحها بما يشتهي القائد بعد تدخل "الشرفاء الغليميين، ونخبة من الفقهاء والأعيان"، فضلا عن تدخل "القائد العسال السحيمي الذي كان مسؤولا عن قبيلة أحمر، والقائد العربي التمار، و تدخل قياد آخرين من عبدة وأحمر كوسطاء في عملية الصلح لدى زعماء وثوار أولاد زيد" يوضح المبدع الفنان حسن الزرهوني.

ويستطرد ضيف الجريدة في الحديث عن الحدث بالقول: "بعد مفاوضات شاقة، تم إقناع زعماء أولاد زيد بالصلح، فرفعوا الرايات البيضاء فوق سطح الضريح"، مقابل ذلك أشرف الباشا حمزة بن هيمة يوم 9 نوفمبر 1895 بمقر الإسباني اليهودي خورخي على "تنظيم لقاء الصلح بين إحدى عشرة فردا من زعماء الحركة الثورية لأولاد زيد والقائد عيسى بن عمر، بحضور ثلة من القياد و الأعيان والفقهاء". لكن ما وقع اعتبره محدثنا انقلابا على اتفاق الصلح حيث "بمجرد دخول القائد عيسى بن عمر لمقر إبرام الصلح استل سيفه وأجهز على زعيم الثوار المسمى بن شرفة وقطع رأسه ونفس الجريمة طالت رفاقه العشرة بما فيهم إمام المسجد".

وقد صاحب هذه المشاهد التراجيدية ـ حسب الفنان حسن الزرهوني ـ "رعب وفزع كبيرين، نظر لمشاهد الدم والموت غدرا على يد القائد بعد مباغتته للثوار وزعمائهم وهم عزل من السلاح، كانت مشاهد مؤلمة استغرب لها الحضور.. فهرب الناس وخصوصا أهالي قبيلة أولاد زيد الذين تجمعوا بدورهم في الساحة والشارع لمتابعة أطوار الصلح".

لقد هرع الناس بفعل عامل الخوف للإحتماء بـ "ضريح الشيخ أبو محمد صالح من بطش القائد وعساكره، بعدما أعطى تعليماته للقناصة لإطلاق وابل من القرطاس (الوروار بواسطة مكاحل ساسبو/ من نوع مارتيني) من فوق المباني المحيطة بالمنطقة ومن أعلى أسوار الشارع، فوقع ازدحام بباب الرباط (شارع الرباط حاليا) لأن أغلب أبوابه كانت موصدة وفق خطة القائد وعساكره لمحاصرة الجميع، فسقط عشرات المواطنين صرعى، وتراكمت الجثث فوق بعضها البعض"، وقال حسن الزرهوني واصفا مشهد الرعب ورائحة الموت بـ "كانت جثث الموتى متراكمة فوق الأحياء". ولشدة وقع الحدث في نفوس الساكنة، أوضح نفس المتحدث بأنه "في تلك الليلة لم تقم صلاة العشاء"، مشيرا إلى أن "أغلب الموتى بعام الرفسة دفنوا بمقبرة سيدي منصور وسيد الغازي بمرسى أسفي".

بعد القضاء على أغلب الزعماء والثوار "خفت حدة الصراع، وركز القائد عيسى بن عمر على قتال البقية منهم، ونهج سياسة سبي النساء، و تيتم الأطفال، واغتصب الأراضي واستولى عل الماشية والبهائم والمتاع، وفر أهالي قبيلة أولاد زيد من المنطقة نحو مدينتي الصويرة ومراكش ". يقول الفنان التشكيلي حسن الزرهوني.

في نفس السياق وفي إطار مخطط البطش و التصفية والإبعاد من القبيلة رغم تراجع حدة الانتفاضات وحرب العصابات بمنطقة "الكاب" الوعرة التضاريس، و ضعف الهجمات المضادة هنا وهناك فقد "اعتقل القائد عيسى بن عمر، الحاج أحمد بن الحسن، (من حفدة الشيخ أبو محمد صالح) بسجن بولمهارز بمراكش مدة سبع سنوات، وصادر ممتلكاته، واعتقل أيضا ما تبقى من الثوار والزعماء بسجون مدن طنجة والرباط و الصويرة ومراكش وسلا". حيث بلغ عددهم 214 معتقلا من بينهم ستة أبناء للحاج محمد بن ملوك ".

بسبب حدث "عام الرفسة "المؤلم، "استمرت العداوة بين الحاج محمد بن ملوك الزرهوني وعيسى بن عمر، الذي تمادى في الانتقام من أولاد زيد، فسجن الثوار والزعماء بما فيهم القائد محمد بن ملوك الزرهوني الذي سجن بمدينة العرائش، حيث ظل هناك إلى وافته المنية رحمة الله عليه" يؤكد ضيف الجريدة الذي كشف على أن يد القائد طالت كذلك "ستة من أبناء الحاج محمد بن ملوك الزرهوني.

وحكى القائد الزرهوني لأبنائه بأنه عندما سجن بسجن سلا مدة ستة سنوات، كان رفقته عشرات المعتقلين من الثوار: "كان لازال في مقتبل العمر، قوي البنية، ورغم ظروف الاعتقال الصعبة داخل دهاليز باردة لا تصلها أشعة الشمس، وقلة التغذية ، وانتشار الأمراض الفتاكة بين المعتقلين، توفي 200 معتقل بين يدي القائد بن ملوك، وعاش منهم 14 سجين..".

مرت مياه كثيرة تحت الجسر، بعد فترة السلطان مولاي الحسن ومولاي عبد العزيز، حيث سيعود القائد عيسى بن عمر خلال فترة مولاي عبد الحفيظ إلى الواجهة وحصل على مجموعة من الامتيازات إلى حدود دخول الحماية للمغرب، لكن بدأ نفوذ القائد وسلطته في التراجع بعد أن قلصت الحماية من نفوذه".

على سبيل الختم : نقدم بعض الأبيات التي يتغنى بها بعض الشيوخ في نص عيطة خربوشة

"......نوضا نوضا حتى دار السي قدور

زيدو أولاد زيد راه الحال مازال بعيد

......................

واخا قتلني واخا خلاني

ما ندوز بلادي راني زيدية

على كلمة خرجت لبلاد، واخرجت لحكام، لا سلامة ليك آليام

واخـــايت عليك الأيــــام، وأليـــااااام أليــــــام

أيام القهرة والظلام

فينك ياعويسة وفين الشان والمرشان ؟

حرقتي الغلة، وسبيتي الكسيبة، وسقتي النسا كيف الأغنام

ويتمت الصبيان بالعرّام....".