يوسف لهلالي :هل يخاف الفرنسيون "أبناء بلاد باستور" من التلقيح ضد الوباء؟

يوسف لهلالي :هل يخاف الفرنسيون "أبناء بلاد باستور" من التلقيح ضد الوباء؟ يوسف لهلالي
جدل كبير رافق بداية عملية التلقيح بفرنسا، خاصة ضعف الاداء والعدد المحدود من الذين استفادوا من اللقاح حتى الآن، ففي الوقت الذي تمكنت بلدان مثل بريطانيا، ألمانيا واسبانيا وايطاليا من تلقيح عدد كبير من مواطنها، مازالت فرنسا تبحث عن تنظيم نفسها من اجل رفع الإيقاع.
هذا بالإضافة إلى تشكيك جزء من السكان في جدوى اللقاح بل منهم من يعتبره خطرا وليس وقاية. يحدث هذا في بلاد لويس باستور،عالم الأوبئة الذي اكتشف اللقاح ضد عدد من الاوبئة التي كانت تفتك بالبشرية منذ اكثر من قرنين. وانقد عمله الانسانية من عدة امراض وأوبئة كانت تخلف مئات الآلاف من الضحايا.
المفارقة اليوم تضم بلاده فرنسا عددا مهما من المشككين في جدوى اللقاح وأهميته. بل الاخطر من ذلك، ففي الوقت الذي اكتشفت فيه عدد من بلدان العالم لقاحا ضد وباء كورونا الذي تتسابق على اقتنائه الدول الكبرى بفضل صفقات سرية لا يعرف كلفتها احد. مازالت فرنسا ومجموعاتها الصناعية في مجال الصيدلة لم تقترح حتى الان أي لقاح، في ظل هذا السباق بدون رحمة من اجل الظفر بالصف الاول والذي دخلته دول جديدة مثل الصين وروسيا بالإضافة إلى الدول الكلاسيكية في مجال الاكتشافات الجديدة في مجال الصيدلة كالولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا.
الفرنسيون لهم تاريخ طويل مع اللقاح، ببلدهم اكتشف لويس باستور اللقاح، فرنسا في تاريخها لا تنسى ان هزيمتها امام بروسيا سنة 1870 كانت من اسبابها الاساسية انتشار وباء الجدري وسط السكان وعدم التمكن من تلقيح الجيد للجيش وهو ما جعلها تفقد المعركة.
المغاربة في تاريخهم، يعرفون ان الاستعمار وفقدان السيادة سنة 1912 سبقه انهاك كبير لدولة وإمكانياتها بسبب توالي الامراض والأوبئة في القرنين الثامن والتاسع عشر، من مجاعة ، ووباء الجدري والكوليرا، وهي امراض افقدت البلد امكانياته البشرية وأغرقت الدولة في ديون لصالح القوى الاوربية. وتتوفر المكتبة المغربية على كتاب قيم في هذا المجال "مغرب المجاعات والأوبئة في القرنين 18 و19 " لكاتبة محمد الأمين البزاز يحكي فيه تفاصيل هذا المرحلة المؤلمة من تاريخ المغرب ودور الوباء والأمراض المعدية في اسقاط الدولة التي كانت بعد ذلك لقمة سهلة في يد الاحتلال.
لنعد الى التتبع اليومي لوباء كورونا والذي ارجع البشرية ال بداية تعاملها مع الأوبئة، وفيما يخص فرنسا، فهي اليوم لم تتمكن مختبراتها من اكتشاف لقاح كورونا رغم وجود مجموعة صناعية عالمية كبرى مثل صانوفي. وفرنسا تقوم باللقاح بفضل اكتشاف الآخرين مثل الولايات المتحدة الأمريكية، المانيا وبريطانيا وهي دول كانت مختبراته سباقة الى اكتشاف لقاح تنتظره كل دول العالم لمواجهة وباء كورونا.
وتتعرض حملة التلقيح بفرنسا لانتقادات شديدة من طرف المعارضة السياسية ومن طرف جزء من الطاقم الصحي وذلك للبطئ الشديد التي تتميز به مقارنة مع نظيرتها ببلدان اخرى.
هذا الوضع اثار المعارضة وعدد من الاطباء الذين انتقدوا بطء البيروقراطية الصحية و اثار ايضا غضب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي طالب الحكومة بتسريع وثيرة اللقاح . خاصة ان موعد الانتخابات الرئاسية يقترب في اقل من 15 شهرا، وبعد فشل تدبير سياسة توزيع الاقنعة لا يريد الرئيس فشلا جديدا في سياسة اللقاح المتبعة.
وما يزيد من المخاوف لدى السلطات الصحية أن السلالة الجديدة للفيروس التي ظهرت في بريطانيا، والقادمة من جنوب افريقيا تعتبر أسرع انتشارا من الفيروس الأصل، تواصل تفشيها في العالم وتصل الى بلاد باستور.
وسجلت فرنسا لحد الساعة حوالي 70 الف وفاة جراء الفيريس. وسط هذه الاخبار السيئة حول تطورات وضعية الوباء هناك خبران ساران: وهما الاستطلاع الذي اقر بارتفاع نسبة الفرنسيين الذين يؤيدون اللقاح وينتظرون دورهم للحصول عليه، والخبر الثاني هو تسريع وثيرة اللقاحات فوق التراب الفرنسي وهي نسبة بدأت تتحسن من خلال الاحصائيات الاخيرة بفرنسا.
ولمواجهة هذه التطورات السلبية في انتشار الوباء، فرضت فرنسا حظر تجول يومي في جميع أرجاء البلاد ابتداء من الساعة السادسة مساء، اعتبارا من السبت الماضي، سعيا إلى مكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد. وإلى الآن تم تلقيح 400 ألف شخص في فرنسا، كما تم تحديد مليون موعد لتلقي اللقاح، وفق الوزير الأول، في حين تتواصل الاتهامات للحكومة ببطء حملة التلقيح.
وفرضت فرنسا اجراءات جديدة على المسافرين الذين يصلون اليها من وجهات خارج الاتحاد الأوروبي، سيتعين عليهم تقديم اختبار كوفيد نتيجته سلبية أجري قبل أقل من 72 ساعة، وسيتعين عليهم عزل أنفسهم لمدة سبعة أيام، على أن يجروا بعدها فحصا ثانيا.