لا يمكن نكران أن للعمل السياسي دور كبير جدا في أي دولة بالعالم، مع اختلاف الخلفية السياسية والإيديولوجيا يبقى العمل السياسي أساسيا ومهما؛ وأقصد أهميته في جميع النظم الديمقراطية أو الديكتاتورية... أو أي أرض يطلق عليها مصطلح "دولة".. العالم كبير جدا، ولكل دولة مسار وتاريخ جعلها فيما هي عليه اليوم. العمل والإرادة السياسية تنبع من الشعب، المواطنين، الأشخاص الذين يعيشون في رقعة جغرافية ذات سيادة.. هذه الإرادة يُعبر عنها بالانتخابات التي تكون دورية، يتم فيها التصويت على أحزاب تشتغل في الساحة السياسية، تلك الأحزاب التي تكون لديها قناعات وطريقة خاصة ورسالة وبرنامج واستراتيجية للإدارة البلاد. المهم، عند فوز حزب ما فهو يعبر عن إرادة أغلبية المواطنين.
في المغرب، ومنذ حصولنا على الاستقلال سنة 1956، يمكن القول إننا عشنا تجارب لأحزاب عديدة تولت زمام الأمور من أجل التشريع وتسيير مؤسسات الوطن، أشهرها حزب الاستقلال الذي كان دائما ما يحقق مقاعد كثيرة في فترة الخمسينات والستينات والسبعينات، باعتبار أنه كان يضم مناضلين ساهموا في استقلال المملكة، بعد ذلك ظهرت محاولات من طرف أحزاب أخرى نجح فيها أحمد عصمان والمعطي بوعبيد عن الاتحاد الدستوري كأمثلة راسخة، دون نسيان شخصيات مستقلة أدارت البلاد "تيكنوقراط".
ما أريد أن أبرز في الفقرة السابقة أن المغرب عاش مخاضا وتجارب سياسية شاركت فيها الجماهير وكل أفراد الشعب بحب ونكران للذات وعقلية نضالية نحو مستقبل مشرق رغم محطات تاريخية قاسية عاشها المواطن المغربي مثل سنوات الرصاص. الآن والملاحظ منذ بداية القرن الحالي أن تلك الروح ومحاولة المشاركة السياسية في طريقها للاندثار، وهذا واضح في تسجيل نقص كبير بعدد الناخبين والفاعلين؛ أقصد بالفاعلين النساء والرجال الذين كانوا يدافعون عن انتمائهم الحزبي وعن الإيديولوجيا التي تشبعوا بها. الفاعلون الحقيقيون الآن على رأس الأصابع وإن كانوا يستمرون رغم ما نشاهد في الساحة السياسية، فمن أجل تجويد ومحاولة الرقي بالنضال السياسي ووضعه في المسار الذي يجب أن يكون فيه.
ما زاد الطين بلة وجعل الجميع في عزوف هي الانتكاسة الأخيرة التي وقت لعامة الشعب بعد تولي حزب العدالة والتنمية سنة 2011 رئاسة الحكومة، والآمال الكبيرة التي كنا نرجوها بعد وصولهم لجبهة القرار، وخيبة الأمل منذ حوالي سنة 2014 إلى حكومة سي العثماني الحالية.
الانتخابات على الأبواب وهناك الكثير من الأحزاب، "كل يلغي بلغاه"، البرامج طويلة وعريضة، اللوائح موجودة وتضم "كوطة" الشباب والنساء، الأمناء يحثون الشباب بجميع الطرق من أجل المساهمة، فالصوت أمانة، لكن السؤال المهم، من يستحق الصوت؟؟؟ فتاريخنا القريب وعلاقتنا مع الأحزاب مخيبة للظنون، آخر حزب بمرجعية إسلامية لم يحقق الكثير؟؟؟
تصور ضبابي لمسار الانتخابات القادمة مع شباب جدد بعقلية ليست متشبعة بالسياسة أو لديها معرفة أو معلومات عن التاريخ السياسي للأحزاب، فمن يا ترى سيصوت؟؟؟ لنقل إنه تمت المشاركة الإيجابية وفئة مهمة سجلت تصويتها، فمن سيختاره الشعب، هل أحزاب الأغلبية أو المعارضة؟؟؟ أي حزب يستحق؟؟؟ وهل الفائز سيستدرك أخطاء السلف؟؟؟ أم أن التاريخ سيعيد نفسه والكل سيعيش حلاوة خمس سنوات أخرى من التغاضي والاستفادة الشخصية من المزايا والسفريات و"البريمات"؟؟؟