محمد الطيار: كيف تعرقل الجزائر استغلال مالي وموريتانيا لثرواتهما النفطية والغازية

محمد الطيار: كيف تعرقل الجزائر استغلال مالي وموريتانيا لثرواتهما النفطية والغازية محمد الطيار

يعتبر مبدأ حسن الجوار من أهم المبادئ الأساسية التي تنظم العلاقات السياسية بين الدول المتجاورة، ويفرض هذا المبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المتجاورة، أو استغلال ظروفها السياسية والأمنية والاقتصادية، وكثيرا ما يترتب عن مخالفة قواعد الجوار، انتشار مهددات  السلم والأمن واندلاع الحروب.

 

غير أن سياسة النظام العسكري في الجزائر منذ استعلائه على السلطة تقوم على المخالفة الصريحة والسافرة لهذا المبدأ، والحفاظ على قدر كبير من عدم الاستقرار في الجوار الإقليمي، ليس فقط في ليبيا أو تونس والمغرب، ولكن أيضا في الدول المحيطة بالجزائر جنوبا، خاصة مالي وموريتانيا، حيث يستمر النظام العسكري الجزائري مند عقود في الحفاظ على بيئة غير آمنة في المنطقة، فالاستقرار الأمني في شمال مالي، يعني استغلال مالي وموريتانيا لثرواتهما النفطية والغازية، واستفادتهما من المداخل المالية المهمة المحصلة من ذلك مما سينعكس بشكل إيجابي على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية  للبلدين.

 

تغذية الصراع المسلح في شمال مالي

الجزائر تملك حدودا بطول 1330 كلم مع مالي، وتمثل لها منطقة أزواد تهديدا أمنيا بشكل دائم، حيث تخاف من بروز تنظيمات في أوساط الطوارق الجزائریین، تتبنى مطالبا انفصالية على غرار الطوارق المالیین والنیجریین نتیجة للروابط القبلية بين الطوارق في البلدان الثلاث، وقد لاحظ العديد من المهتمين أن الجزائر كانت تنظر بمستوى من القبول إلى الارتباك الأمني في منطقة أزواد أثناء سيطرة "الحركة الوطنية لتحرير أزواد " و"حركة أنصار الدين" على أجزاء كبيرة من شمال مالي، وغضت الطرف عن حركة تهريب البضائع والوقود التي نشطت خلال الأشهر الأولى من حكم الجماعات الانفصالية في شمال مالي.

 

وتشكل المناطق الجنوبية خاصرة الجزائر الاقتصادية، فأغلب ثرواتها الطبيعية تتقاطع مع الشمال المالي الذي يحتوي على مقدرات اقتصادية هائلة قد تؤدي إلى ضرب الاقتصاد النفطي الجزائري في حالة استقلال أزواد، فـ 40% من نفط الجزائر يتم استخراجه من مناطق الطوارق في الحدود مع شمال مالي.

ولهذا تأسست مصالح الجزائر على المعارضة التامة لحصول إقليم أزواد على حكم ذاتي، بل عملت على عدم استقراره، وبذلك ظلت متهمة طيلة السنوات الماضية، خاصة من جيرانها، بتغذية الصراع المسلح في المنطقة والتنسيق مع الجماعات المتطرفة.

 

لا يثق الطوارق في معظمهم في وساطة الجزائر لحل الازمة في شمال مالي ويعتبرونها غير حيادية، كونها ترفض إقامة حكم ذاتي لهم في حدودها الجنوبية، خوفا من أن يدفع ذلك طوارق الجزائر إلى المطالبة بالمثل، كما أنهم مازالوا يتذكرون كيف قامت الجزائر باستدراج قادة انتفاضة سنة 1963م، قبل أن تقوم بتسليمهم  إلى السلطات المالية التي قامت بإعدامهم.

إضافة إلى ذلك، يرى الطوارق أن الأمن العسكري الجزائري يسيطر على بعض أمراء الجماعات المسلحة، الذين يحمل الكثير منهم الجنسية الجزائرية ويملكون عقارات وتجارة في المناطق الجنوبية الجزائرية، خاصة في مدن  تمنراست، البرج، تيمياوين، وجعل منهم شبكة موالية له توقع على مختلف الاتفاقيات مع حكومة مالي منذ عقود دون أن تتقدم عملية السلام، لتستمر بذلك حالة انعدام الأمن، وتجني من وراء توسيع أنشطة التهريب المختلفة ثروات كبيرة يوضع أغلبها في البنوك الجزائرية.

 

عرقلة استغلال موريتانيا ومالي لحوض تاودني

حوض تاودني الذي تتقاسمه الجزائر وموريتانيا ومالي، يعد من أغنى مخزونات النفط بالمنطقة ويعتبر أكبر حوض رسوبي في غرب إفريقيا، على مساحة تقدر بـ 1.500.000 كم، بين موريتانيا ومالي والجزائر، ويمتد حتى حدود بوركينافاسو.

 

وقد عرف عقد السبعينات من القرن الماضي أعمال تنقيب عن النفط في هذا الحوض، حيث تم حينها اكتشاف كبير للغاز الطبيعي من طرف شركة "تكزاكو" الأمريكية، وهذا الاكتشاف المهم جعل الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بشكل ملفت منذ ذلك على تقوية تواجدها في مالي وفي منطقة الساحل الإفريقي بشكل عام، ومنذ مطلع 2010م تم العثور أيضا في "حوض تاودني" على عدة جيوب من الغاز الطبيعي في عمق 4000 متر.

 

الجزائر التي لها نصيب من نفط "حوض تاودني" ليست مستعجلة للاستفادة منه، لأن لديها آبار كثيرة حيز الاستغلال، لذلك تعمل بشتى الوسائل على عرقلة استغلال هذا الحوض من طرف مالي وموريتانيا، بخلق بيئة يسودها انعدام الأمن، ويتخللها خطف الرهائن الغربيين تحت غطاء المجموعات الإرهابية.

 

سعي الجزائر الدائم لتحجيم دور موريتانيا

تقدر الحدود المشتركة بين موريتانيا وبين مالي بحوالي 2237 كلم، كما توجد بين البلدين مبادلات تجارية منذ القدم تتمثل في تصدير المواشي الموريتانية إلى مالي واستيراد موريتانيا للحبوب والخضروات والفواكه المالية، إضافة إلى انتجاع العديد من المنتمين الموريتانيين إلى الأراضي المالية عند نقص الأمطار بموريتانيا، مع تواجد جالية موريتانية بالمدن المالية تمارس التجارة، وتواجد جالية مالية كثيرة العدد بموريتانيا. كما أن هناك تمازج وتداخل بين ساكنة المناطق الشرقية الموريتانية والمناطق المالية الملاصقة لها، مما يشكل مجالا جغرافيا متصل، فضلا عن كون إقليم أزواد يعرف تواجد قبائل لها امتدادات في موريتانيا وفي شمال النيجر.

 

توجد كذلك روابط روحية بين الماليين وبين الموريتانيين على اختلاف أعراقهم، من خلال الطرق الصوفية المشتركة المتمثلة في التيجانية الحموية والقادرية البكائية، التي أوجدت مريدين موريتانيين وماليين ينتمون إلى نفس الطرق الصوفية. مما يجعل موريتانيا تشكل إلى جانب الدول المذكورة مركبا أمنيا واحدا على مستوى الدول، وعلى مستوى المجتمعات أيضا.

 

موريتانيا معنية أكثر بما يجري في شمال مالي، ليس فقط نتيجة للروابط الاجتماعية التي تربطها مع المجتمع الأزوادي، ولكن أيضا بسبب التحديات الأمنية التي يفرضها عليها المأزق الأمني القائم، فأغلب قادة الحركات الأزوادية يقيمون بنواكشوط، إضافة إلى وجود أكبر مخيم للاجئين الماليين على أراضيها. النخب السياسية الحاكمة في موريتانيا ترتاب من سعي الجزائر الدائم لتحجيم دورها في شمال مالي، فمثلا عقب زيارة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز لشمال مالي وإشرافه على توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة المالية والحركات المسلحة سنة 2014م وذلك خلال الزيارة التي قام بها لمدينة كيدال، شمال شرق مالي، في إطار تهدئة الأوضاع، تمهيدا لحوار بين الأزواديين وباماكو. وقد نص الاتفاق على وقف الحركات الأزوادية لإطلاق النار، بشروط محددة تتمثل في وقف جميع العمليات العسكرية فورا من الطرف المالي وأن توافق مالي على تبادل الأسرى والعودة إلى اتفاق وغادوغو، وتفعيله، وتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق (من عام 1963م)، ثم تسهيل عمل الهيئات الخيرية والإنسانية، وكان متوقعا أن يواصل وساطته لحل الأزمة، غير أن الجزائر قامت بالالتفاف على نتائج هذه المساعي، بالإسراع إلى دعوة الحكومة المالية والحركات المسلحة إلى المشاركة في لقاء أخر، وإطلاق مسار جديد من المفاوضات، جعل موريتانيا مجرد عضو مراقب فيه بوصفها إحدى دول الجوار، وليس كوسيط سبق وأن دشن مسار المصالحة  بالإشراف على اتفاق لوقف إطلاق النار.

 

لقد انتهجت الجزائر سياسة الضغط على موريتانيا منذ عقود من الزمن، بتعريضها لهجمات مليشيات "البوليساريو" في عقد السبعينات، ولهجمات التنظيمات الإرهابية خاصة في سنوات 2005، 2007.. 2008 و2009م، وجعلتها تعيش في حالة خوف دائمة ودفعتها إلى عدم السير بشكل متوازن في علاقاتها بالمغرب.

 

ويمكن أن نستشف غصة موريتانيا الصريحة واستياءها من إبعادها الممنهج من طرف الجزائر، من خلال لقاء جمع وزيرة الخارجية السابقة الناها بنت مكناس مع القائم بأعمال السفارة الأمريكية في نواكشوط، يوم 27 ديسمبر2009م، حيث عبرت عن استيائها من الجزائر التي تقف عائقا في وجه التعاون الإقليمي لمواجهة" تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وقالت بنت مكناس –في برقية سربها موقع ويكلكس- إن موريتانيا ومالي ليست لديهما الإمكانيات وحدهما لمواجهة الخطر الإرهابي، وأن الجزائر هي "مفتاح الحل"، لكنها تضع العراقيل بإصرارها على إقصاء بعض الدول في شبه المنطقة - في إشارة إلى المغرب- ووقوفها في وجه التعاون مع الشركاء الخارجيين.

 

وأضافت قائدة الدبلوماسية الموريتانية أنداك، أن الجزائر لم تفعل الكثير لمحاربة الإرهاب رغم أن لديها الخبرة الكافية والوسائل الضرورية للقضاء على القاعدة، لكن لديها مصلحة في استمرار التوتر في الشمال المالي، حتى لا تتمكن الشركات الغربية من استغلال مخزونه النفطي الشيء الذي سيوفر نوعا من الاستقلال الاقتصادي للطوارق وللقبائل الجزائرية المحاذية للحدود المالية، والذين تعتبرهم الجزائر مواطنين من الدرجة الثانية، مضيفة أن مالي متخاذلة هي الأخرى في مواجهة الإرهاب وأن موريتانيا بحاجة ماسة إلى الدعم الأمريكي.

 

- محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية