بعد كنون، الروكي يجير الشيخ الجردي.. مخطط التستر على التحكم الوهابي في التعليم العتيق، والوعظ والإرشاد، متواصلان!

بعد كنون، الروكي يجير الشيخ الجردي.. مخطط التستر على التحكم الوهابي في التعليم العتيق، والوعظ والإرشاد، متواصلان! الوزير التوفيق يتوسط الروكي (يسارا) والشيخ الجردي

بعد تجيير رئيس المجلس العلمي بطنجة، الأستاذ محمد كنون، في نعيه للشيخ محمد الجردي بإذاعة محمد السادس للقرأن الكريم، ينضاف الأستاذ محمد الروكي، عضو المجلس العلمي الأعلى، بفتنة أصوليته، إلى هذه العملية. فقد رثاه في 9 يناير 2021 بقصيدة "شهيد معهد نافع". ونحن إذ نشاركه هذا الرثاء، كقيمة وجدانية إنسانية رفيعة، تستوقفنا في تقديم القصيدة، التحلية التالية: "فقيه طنجة العلامة الكبير والبقية الصالحة من علماء أنجرة المبرزين الفقيه الأصولي الموسوعي سيدي محمد السعيدي الجردي".

 

إذن، تظافرت جهود كنون والروكي في تجيير الشيخ الجردي. وهو ما قد يساعد في إماطة اللثام عن جوانب في التفاصيل والكليات، هي ضرورية لأي قراءة نسقية للحقل الديني. وأعتقد أن النقاش العمومي الهادف، كفيل بأن يحد بعض الشيء من استبداد القبضة الأصولية، في انتظار إنضاج قرار الإصلاح الحقيقي لهذا الحقل.

 

1- ويستحسن التأكيد، قبل الوقوف على سياق رثاء الروكي للجردي، على أن جميعنا ملزم بسيرة "القول الوردي في ترجمة العلامة محمد الجردي" التي وضعها وسوقها محبو الشيخ في المعتقد السلفي/الوهابي. وحتى صفحة محبي الشيخ على الفايسبوك تبنت هذه الترجمة كـ "بشرى سارة" مهداة لمحبيه. فقد "ألهمه الله السير على المسلك الصحيح مسلك أهل السنة والجماعة وذلك بأن حبب إليه قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحم الله الجميع- التي أنارت له الطريق وأبانت له السبيل فوجد انشراح الصدر وطمأنينة النفس لتلك الحقائق الشرعية العقدية التي لا تصادم العقل ولا تناقض النقل فصدع بالحق في وجوه منكريه ونشر عقيدة التوحيد بأقسامه على فهم الصحابة والتابعين بين الناس في دروسه وخطبه ومواعظه رغم كثرة المخالفين والطاعنين حتى رفع علم السلفية على ربوع شمال المغرب خفاقا وأقبل الناس على تعلم معتقد السلف الصالح رضي الله عنهم إقبالا عجيبا لم يسبق له نظير في شمال المغرب فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات". ولعل هذا العنوان الوهابي الكبير في ترجمة الشيخ، مفيد في قراءة التحلية التالية في تعزية إدارة معهد الإمام نافع، الذي يديره الأخ الأصغر للشيخ الفقيد، "العلامة المربي والفقيه الجليل والخطيب البارع والواعظ المتفرد والمدرس الكبير والرباني المعروف بأخلاقه وتواضعه وسمته، مرجع طلاب العلم والمعرفة، وملجأ الحائرين الباحثين عن الهاديات إلى الله تعالى، سيدي محمد السعيدي الجردي"، حيث يتضح وبكل جلاء، أن الوهابية هي التي تمثل الهاديات إلى الله تعالى.

 

2- فماذا بعد هذا الفتح الوهابي، ستقول وزارة الأوقاف، أمام واقع التمكين للوهابية في التعليم العتيق، وهي التي تعمل جاهدة على إنكار وجود الوهابية في هذا التعليم. وتتصدى بقطع الأعناق والأرزاق لمن يقول بذلك. في حين تنجز برامج هذا التعليم مع وجوه الأصولية ومنتسبيها؟ والغريب أنها تدس رأسها في الرمال، لما يتعلق الأمر مثلا بتجاوزات مصطفى بنحمزة المذهبية والسياسية، والذي يسحل بها الأرض. وماذا سيقول المجلس العلمي بطنجة أيضا، أمام هذا التمكين في دروس الوعظ والإرشاد، وقد قام بتكريمه؟ إن المرحوم الجردي إلى جانب منجزه الوهابي، في التدريس والوعظ، والاستخفاف بعلماء المغرب، كان يجاهر وبحضور سي كنون، والمندوب الجهوي للشؤون الإسلامية، بأن الديموقراطية من الرجز الذي ينبغي هجره، والحال أن الاختيار الديموقراطي هو من الثوابت السياسية للبلاد.

 

3- قبل حوالي سنة رثى الأستاذ الروكي، الشيخ المرحوم محمد بوخبزة بـ: "دموع على رحيل مسند تطوان"، بدون تحلية فيما أعلم. والشيخ بوخبزة هو من هو، في سلم المرجعية الوهابية بالمغرب. حيث جعلت الأصولية من حدث وفاته، استعراضا للقوة في وجه الدولة، شارك في هذا الاستعراض، حتى منتسبو التعليم العتيق. حيث توزع المشيعون فريقين. منهم من تبع مسار النعش، في حين شقت طائفة أخرى مسارا آخر اكتسى طابع مسيرة غير مرخص لها.

نحن الآن أمام تكتيك جديد، تتولاه رموز المؤسسة العلمية، في التجيير. رأينا هذا أيضا في رثاء الروكي للشيخ العياشي أفيلال، حيث حلاه في تصدير مرثية: "مات المبجل"، بـ "الداعية الرباني والمربي الكبير، وأستاذ الأجيال.. العلامة الفقيه سيدي العياشي أفيلال". حيث الملاحظ أن هذا التجيير له علاقة بمنتسبي التعليم العتيق بشكل مباشر، للتستر على الأجندات الأصولية في هذا التعليم.

 

4- ويذكرنا هذا، بمسعى منع وزارة الأوقاف، الكلام عن الحضور الوهابي، في التعليم العتيق.. وهذا يبين حجم التواطؤات في هذا الجانب. ذلك أن شيخ الأشعرية بالمغرب، الأستاذ يوسف احنانة، كان يشغل مفتشا جهويا للتعليم العتيق بجهة طنجة تطوان، لمواد الفلسفة والفكر الإسلامي والعقيدة والمنطق. ومن سوء حظه أنه في حوار مع "الوطن الآن"، كباحث، وردت إشارة إلى وجود الوهابية في التعليم العتيق، فكان أن قامت قيامة الوزارة، فتم الاستغناء عن خدمات شيخ الأشعرية. فظهر بذلك تواطؤ مديرية التعليم العتيق مع الأصولية. بل أكثر من هذا، أنها متورطة في حماية دينامية الأصولية من داخل هذا التعليم ضد القوى الديموقراطية. بمعنى أن هذه المديرية تسهر على توظيف التعليم العتيق في صراعات الحقل السياسي. وهكذا، فالحديث عن الوهابية ممنوع في الحقل الديني. حتى قناة "السادسة" تمارس المقص في هذا الباب. من هنا فالمغرب يخضع لانقلاب مذهبي عميق، وبغطاء سميك من التدليس، يمارس المتحكمون فيه حتى المافيوزية. وهذا أمر مؤسف جدا، في مغربنا العظيم. فهناك انبطاح تام لمسؤولي الحقل الديني أمام سطوة الأصولية، حتى في وقت تتخلص فيه سعودية محمد بن سلمان، من نفاياتها الإيديولوجية.

 

5- وإذا افترضنا أن حظر الحديث عن الأصولية أصبح، في الحقل الديني مبررا، بأن جعلته سخرية الأقدار من السر المهني الذي لا يجوز إفشاؤه أو التبليغ عنه. فإن الملاحظ حتى الدفاع عن الأدبيات المذهبية، مصادر هو الآخر. حيث نلمس في مواطن التفريط، ثلاثة مسارات في التخريب. الأول، التمكين بالمباشر للوهابية. والثاني إفراغ المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف، من المحتوى، وتعويض ذلك بلبوس المذهب الحنبلي. والثالث، ترويج خطاب عن الإسلام، هلامي باسم "القيم"، بدون تضاريس، قابل في العمق، وهو يركب اللامذهبية، لاحتضان فكر الإخوان. هذا مجمل حصيلة هيكلة الحقل الديني. وما نخشاه، أن ينطلي تدليس القوم، على حواس الدولة، وهي منشغلة بأولويات وطنية أخرى.

 

أما بعد، فخارج هذه اللمة لتفاصيل في كليات المشهد الديني، نقول لمحترفي التهريب الأصولي عبر القارات: "فتوبوا إلى بارئكم"...