المسرح، نعم، إنه المسرح، ذلك الفن الأب، هو الذي أوقفته سياسة ظالمة بين دولتين، كل المرافق والمجالات افتتحت، إلا المسرح الذي لم يعد قادرا على الانتظار أكثر، أفراخ الحشرات كبرت هناك بين مرافقه، و المسرح لم يفتح، العناكب بنت شباكها و المسرح ما زال مغلق، الفئران أكلت بقايا غذاء الممثلين من خبز وبيض مسلوق والمسارح مازالت مغلقة، المسرح و الثقافة أصبح بمثابة مدينة الأشباح أو كأنه مثلث برمودا ذلك المكان الغامض الذي تختفي فيه كل الكائنات إلا الكائنات التي لا ترى من طفيليات و جن، نعم، وهذا الأمر هو الذي يجعل مسرحنا جامد، و نظامنا الممنهج يحتقر الثقافة و يجعلها في آخر اهتماماته، لم يعد الفنان العربي على استيعاب هذا الغياب الطويل على الخشبة التي اشتاق لها و كانت ملاذه الثاني بعد دينه أو معتقده.
يحتفل العالم العربي كل سنة في شهر يناير باليوم العربي بالمسرح، لكننا في ظروف الحجر والحظر والحظر والتهميش الذي يطال هذا الفن النظيف، أصبحنا في خبر كان، لأننا في هذا العالم نعيش للمسرح، ''لا يهمنا المال" ، "المسرحوفوبيا" .عالمنا هذا الذي أصبح فيه السكر مباحا و الدعارة حلالا، والمسرح ملعون ومغضوب عليه، بفضل سياسة هذا الوطن الظالم الذي يجعلنا نتيه في ظلمات لا مخرج منها بسبب حكوماتنا، خصوصا مغربنا الفردوسي الذي لن يرينا جنان الدنيا.
المسرح طبعا هو لغتنا التي نجيد الحديث بها، تلك اللغة التي لها قواعد صعبة و سهلة، إلا أن البعض أصبح يسهلها ويقزمها فأصبح الكل يلج هذا العالم و لو هن جهل بمجرد أنه مؤثر أو "زنديق" الآنستغرام، أن تجد أحدهم لا يعرف حتى الكلام أو الوقوف و لا يعرف تقسيم الخشبة و يلج عالم الفن، "تلفزة، سينما، مسرح". إذن هذا الخلل الذي أصبح شيء عادي في نظر العامة من الناس, لم يعد رأي المتخصص و الدارس والمهتم مهما لدرجة أنك تحاور أحدهم فيقول لك "فلان كان أدائه جيد" و هو لا يفقه الفرق ما بين التمثيل و التشخيص و الأداء و التقمص، إنها حقا مهزلة العصر الكوفيدي الكوذيبي، حان الحين لتكون القطيعة من الدخلاء و الغرباء الذين أثثوا لثقافة متسخة في حين تجد الدارس يتحدث و كأنه يهرطق.
كل المنشآت الثقافية مغلقة إلى أجل غير مسمى، إذن أين هو دور النقابات التي ظل صمتها هنا و هناك، تعدد النقابات والتعاضديات و التنظيمات الحزبية والحكومية بدون حل لهذا الفنان الذي أصبح هائم في الجدران، هل لهذه الدرجة أصبحت الثقافة تخيفكم يا أيها النظام المتشبع بكل ما هو مادي، "جسد و نقود" الأنثى لو لبت غريزة بعض أصناف المخرجين تجدها بطلة و نجمة المهرجانات التي بدورها أصبحت محرمة في هذا الزمن الاستثنائي، أما الحديث عن طلبة الإجازات المهنية في المسرح و خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ( الرجال منهم) وخريجي الجمعيات و المحترفات المختصة في التكوين الفني، بدون نسيان الحديث عن دور دور الشباب الذي أخرج لنا أباطرة الفن في المغرب, بحيث كلما مررت في ورشة عند فنان ناضج في هذه الالفية الثالثة يحقر ويقزم من دور دار الشباب التي كانت منبع العديد منهم أصبح رائدا في المسرح والسينمائي والموسيقي، أين تكون عاجل و الخياري و فهيد و فلان والداسوكين و الزعري و الغاوي؟ تم تأليه اليوتيوب و جعله معيارا للاحتراف لدرجة أننا بمجرد أن نؤدي ثمنا لا بأس به و نقوم بدعم الصفحة عبر الفايسبوك نصبح فنانون و مثقفون، هذا الأمر الذي لا يجب أن يكون.
هل لهذه الدرجة أصبح الفنان الحقيقي يخيفكم يا أيتها الدولة الجميلة القوية الناضجة و أنت في طور النمو منذ خمسينيات القرن الماضي.
حقا يؤسفنا أننا في ( دولة الحق و القانون) وعنصر المستقبل بدون قانون وبدون ملجأ، الفنان منزوع الهوية، حقا كرامتنا التي ندافع عنها في المجالس الثقافية يأتي فاصوليا له عدد اشتراكات كبيرة ويقدم مشهدا ويحصل عشرات الملايين والفنان الذي يدرس القواعد تطبيقا و تنظيرا يظل هناك، هوية الفنان ماتت، تم نكح كرامته.