محمد بهجاجي: الجائحة كشفت لنا بأن المسرح فن هش بشكل مضاعف

محمد بهجاجي: الجائحة كشفت لنا بأن المسرح فن هش بشكل مضاعف محمد بهجاجي في صورة مركبة

كيف يقرأ الكاتب والناقد المسرحي محمد بهجاجي ميزة يوم 10 يناير، وماذا تمثل إليه مناسبة اليوم العربي للمسرح؟ وما هي الأسئلة المقلقة التي ترتبط بحقل المسرح في ظل تجربة الدرس الكوروني وانعكاساته على الحياة الفنية، وخصوصا حقول إبداعية لها ارتباط وثيق بحضور الجمهور مباشرة ؟.. هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها، في هذه الورقة المركزة، ضيف جريدة "أنفاس بريس" الكاتب محمد بهجاجي .

 

"اليوم العربي للمسرح بالنسبة إلي فرصة للتفكير عربيا في وضع المسرح الذي ننتمي إليه أفقا للتفكير، وكمصدر إلهام وتفاعل متجاوب في علاقة مع ذاتنا، ومع وجودنا في العالم.

 

هو إذن، ببساطة ودون مجاز مكتئب، مناسبة للتفقد. لقد تم تأسيسه بمبادرة من الهيئة العربية للمسرح لتزدان أيامنا، على الأقل دائما، بما هو فرح مهدد بالافتقاد يوما بعد يوم، تماما كما هو حال اليوم العالمي للمسرح (27 مارس، والذي تم إقراره بمبادرة المعهد الدولي للمسرح، منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، ثم تم تبنيه من طرف المنتظم الدولي إلى اليوم)، وحال اليوم الوطني للمسرح (14 ماي الذي تكرس تخليدا للرسالة الملكية الموجهة إلى المناظرة الوطنية الأولى حول المسرح يوم 14 ماي 1992).

 

ميزة هذا اليوم (10 يناير) أنه يذكرنا بالمشترك بين نساء ورجال المسرح العربي، وبصداقاتنا المعرفية والإنسانية، وقد تركز دوره بعد انتظام دورات مهرجانه العربي على مدى أكثر من عقد. وكان مقررا أن تفتتح دورته الثالثة عشرة اليوم بالرباط لولا مقتضيات الظرف الراهن. وهذا الظرف الاستثنائي يضعنا أمام سؤال وجودي يهم التعبيرات الثقافية، خاصة تلك المرتهنة بوجود الجمهور مثل المسرح والتشكيل والسينما أساسا.

 

وبخصوص المسرح تحديدا كان لا بد للجائحة أن توجه نحونا السؤال: أن نكون أو لا نكون؟

 

لقد طرحت الهيئة العربية للمسرح مثل هذا السؤال في نهاية يوليوز الماضي، وقد صدرت أجوبة المسرحيين تباعا على موقع الهيئة، ثم ضمن كتاب إلكتروني جامع، وضمنه أكدت في كلمة لي أن علينا اليوم "أن نتمرن على القول بأن المسرح... فن هش بشكل مضاعف، إذ يكفي أن يعلن حكام مرضى بالذات الحربَ على العالم، أو على شعوبهم على الأقل حتى تغلق المسارح، ويعطل الفنانون. وكذلك الأمر المر حين يضطر المتضررون من السياسات الحكومية إلى خوض الإضرابات احتجاجا على جشع الرأسمال،  أو حين يكتب علينا القدر بلاء الجوائح كما هو حالنا اليوم.

 

ما العمل إذن؟ 

 

في دجنبر 2019، لم أتمكن من مشاهدة مسرحية بريخت "حياة غاليلي" على خشبة "لاكوميدي فرانسيز" بباريس بسبب تواصل الإضراب احتجاجا على قانون التقاعد الذي أعلنت عنه الحكومة الفرنسية، مع أنني كنت قد حجزت التذكرة في وقت مبكر. وقلت على سبيل الإجمال، ربما علينا "أن نتمرن على قبول واقع جديد".

 

هناك حاجة ملحة بالفعل إلى تدخل الوساطات التكنولوجية الجديدة لإنقاذ الفرجات الحية على المسارح حتى لا تظل مشاهداتنا المسرحية معلقة وموقوفة التنفيذ مع سبق الإصرار دائما؛ كما أن هناك حاجة كذلك إلى أن نتكيف مع التقنيات الجديدة، ونعي بأن المشكل ليس في اعتماد هذه الوساطات التي ستصير حتما أحد الاختيارات المفروضة علينا لاحقا.. لكن المشكل الذي ينبغي التغلب عليه هو ألا نقرب نقل المسرح على الشاشات إلا إذا كنا على خبرة بتقنيات متطورة تضمن النقل الجيد للعروض.

 

في حالات الطوارئ التي نعيش مثلها اليوم يكون المسرح "المنقول مرئيا" أحد الحلول الممكنة كلما تعذرت إمكانيات التواصل الطبيعي، ويصبح من شأن هذا الحل السماح لنا بأن نواصل الاستمتاع بالمسرح، وفي نفس الوقت نحفظه موثقا كذاكرة للمستقبل. ومن ثم سيكون على صناع الفرجات اليوم استحضار هذا البعد، والاشتغال عليه لنهزم لاحقا فكرة الطابع العابر للمسرح. آنذاك لن نخسر شيئا، وإلا سنكون في حالة النكران، كمن لا يزال يفكر في التواصل مع أهله بطابع بريدي، وبرسالة لا تطمع أكثر من النظر في الوجه العزيز.

 

كل سنة ومسرحنا بألف خير".