اسمهان عمور: روتين الهاتف النقال وما جرى على شاطئ البحر

اسمهان عمور: روتين الهاتف النقال وما جرى على شاطئ البحر اسمهان عمور

أحاول كل صباح أن أروض ذاكرتي على انتشال بقايا الأسى والألم.. أستعين بقوة باطنية كي أغربل ما تبقى في خزان الذاكرة من ظلم ذوى القربى والمحيط المجاور، عساني أنصهر مع النسيان ولا أتذكر إلا ما يمد القلب من دم صاف لا يشوبه الغدر...

 

في ترقب لبحر موجه العالي يرتطم بالصخر، منتظرين أنا وأمثالي أن تنسدل خيوط الشمس إلى المغيب، هزني مشهد سيدة في مقتبل العمر وهي تلوح بالهاتف النقال وتطرحه أرضا ويتناثر أشلاء، في غضبة شرسة لا نعلم نحن الجالسين مصدرها.

 

كانوا خمسة أفراد حول طاولة في ذلك المقهى الذي يحمل اسم إحدى روايات نجيب محفوظ.. الكل انزعج وبدت العيون مشدودة إلى ذلك الجمع بينهم سيدتان! نهض الشاب الذي بدا منزعجا مما أصاب هاتفه من كسر ولم يقو على الصراخ احتراما لمن حوله من الزبائن. يبدو أن القصة، حسب ما التقطته الآذان المشرئبة لمعرفة منبع القلق والتوتر، هي الصور!! فاحت لنا نحن المتلصصين رائحة الخيانة!!

 

اكتمل المشهد بمغادرة الثلاثة، وظل الشابان الآخران في حديث ساكن، كأن البحر لم يكن هائجا.

 

منذ أن أصبح الهاتف النقال جزءا لصيقا بذواتنا، لا نلبث نتحسسه في كل لحظة وحين... بات الأزواج في شك وريبة، ولم تعد للجلسات العائلية البريق والدفء اللذين عهدناهما حين كنا نلتف لسماع المذياع أو مشاهدة التلفاز أو حتى الإنصات إلى حكايا سيف ذي يزن... خرب الهاتف كل خيوط الألفة... تطبيقات التواصل المتعددة صيرت البيوت مكشوفة للعالم. كل واحد منا يختلي ضاما الجهاز الملعون ليشق جدران البيت وينسل إلى عوالم أخرى همسا وإشارات وتبادل ذكريات التقطتها كاميرا الهاتف.

 

صرنا نحصن أنفسنا من كشف المستور بتغيير قفل الهاتف الكود كلما تسرب إلينا الشك في أن أحدا فك شفرته. نهرول إلى تفقده إذا لم يحدث رنينا مخافة أن يكون قد أصابه عطل. ألهذا الحد صرنا حريصين على سلامة الجهاز أكثر من سلامة البدن؟ هو الذي صير الشك سكينا والظلم حبلا لينزف دم الخيانة نزفا ويصير هو شاهدا، ولو تناثرت أجزاؤه، على الغضبة الشرسة في فضاء كان الأجدر أن نودع فيه خيوط شمس منسدلة على المحيط...