مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"السبعة رجال" بين الأمس واليوم(1) ( مع فيديو)

مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"السبعة رجال" بين الأمس واليوم(1) ( مع فيديو) مول العودة يتوسط الشيخان سي محمد ولد الصوبة و الفنان حسن الضاحي

تمكن الوباء اللعين "كورونا" من تأجيل موسم طواف شرفاء "ركراكة" برسم سنة 2020 ، ووقفت الجائحة سدا منيعا ضد قبائل ركراكة والشياظمة وعبدة ودكالة وغيرهم في إحياء سنة التواصل الروحي والإجتماعي والإقتصادي.. وحرمتهم من الإحتفاء واستحضار موروتهم الشعبي وعاداتهم وطقوسهم وتقاليدهم التي ألفوا إقامتها كل سنة في فصل الربيع (بعد خروج الليالي).

 

سفرأنفاس بريس" والغوص في النبش حول ظاهرة موسم طواف "ركراكة" الضارب في القدم، بالإستعانة ببعض المصادر التاريخية التي تناولت "السبعة رجال" والتعريف بهم، وبعلاقتهم بالمجال والإنسان، وكيف استوطنوا الأرض وقاوموا الغزاة، للمحافظة على استقرارهم وأمنهم واستمرار نسبهم، وصولا إلى ترسيخ هذا الموسم السنوي الذي يحج له المغاربة من كل أنحاء الوطن لإحياء صلة الرحم.

ونستهل ذلك بتقديم تاريخي بسيط عن "ركراكة" و "السبع رجال" والسفر في زمن حروبهم و صراعاتهم مع المحتل و الغزاة، و كيف استطاعت القبلية ضمان استمرارها إلى اليوم.

 

في سياق متصل سنخصص الحلقة القادمة للفنان الشيخ محمد ولد الصوبة، و الذي خص الجريدة بحديث عن تقاليد و طقوس وعادات موسم زاوية "سيدي حساين" (نبدا نمجد يالحباب/ في سيدي حساين مول الباب/ يجوه صغار وشياب/ ولعيالات هوما الكثرا)، مع رفع القبعة والتحية للفنان حسن الضاحي الذي انخرط في هذا العمل من خلال تقديمه لأغنية قصيدة "ركراكة" التي نظمها خاله المرحوم الفنان حميد لميس خلال فترة السبعينيات.

 

"واسمع الراجل واسمعي يا لمرا

انتوما ركراكة لحرار

تحكموا في الغذار

موالين الخيمة الحمرا

فتاحين المغرب

يجيكم كل حبيب

يقضي غارضو بخطرا"

 

"ركراكة " الأصول والمجال الجغرافي

تؤكد مجموعة من المصادر التاريخية أن المجال الجغرافي لقبيلة " السبعة رجال" كان يمتد إلى ما بعد نهر تانسيفت، حيث تقلص في زمننا هذا ليشمل قبيلة الشياظمة فقط، راسما حدودها من جنوب أسفي إلى قبيلة "حاحا" بالحدود الشمالية لمدينة الصويرة، و إقليم شيشاوة شرقا والمحيط الأطلسي غربا. يؤكد أحد الباحثين المتخصصين في التاريخ الجهوي.

وحسب بعض نفس المصدر فأسماء شخصيات "السبعة رجال" هم (سيدي عيسى أبو خابية، وسيدي عبد الله أدناس، وسيدي صالح ، و والده سيدي بوبكر الشماس ، ثم سيدي يعلى بن واطيل، و سيدي واسمين ، بالإضافة إلى سيدي سعيد بن يبقى الملقب بالسابق)، حيث يتضح أن كل هذه الأسماء العربية ذات أصول أمازيغية من قبيلة "ركراكة" والتي تنتمي بدورها إلى القبيلة الأم وهي قبيلة مصمودة، ثالث أكبر القبائل الأمازيغية بالمغرب.

من جهة أخرى لا بد من الإشارة إلى أن مكونات قبيلة "الشياظمة" ليست من فرع قبلي عربي واحد، "إنما هم خليط من العرب المقاتلين الأشداء ذوي أجساد قوية وخشونة في الطباع، دخلوا شمال أفريقيا في عهد الدولة الحفصية بتونس. وأغلبهم من بني هلال وحمير وبني معقل اليمنيين، اختارهم الملك الموحدي لقتال قبيلة "ركراكة" الذين رفضوا الدخول في بيعة الموحدين وسلطتهم، رغم أنهم من أصول واحدة، والسبب أنهم رفضوا مذهب محمد بن تومرت وتشبثوا بمذهبهم المالكي" حسب بعض الدراسات التاريخية.

 

استقبال واستضافت عقبة بن نافع برباط أكوز

نفس المصادر التاريخية ( من القرن السادس ميلادي إلى نهاية القرن العشرين) تؤكد أن قبيلة "ركراكة" قد استضافت عقبة بن نافع وفرسانه بمنطقة "رباط أكوز" (مصب تانسيفت) أي قرية الصويرية القديمة" حاليا وفي هذه البقعة الأرضية بالضبط وضع عقبة بن نافع قوائم فرسه في البحر وقال: "والله لو كنت أعلم ما وراء هذا البحر لخضت إليه مجاهد".

وتحكي مصادرنا التاريخية أن شيوخ ورجال الدين في قبائل "ركراكة" كان من عادتهم في ربيع كل سنة "القيام بجولة تفقدية واستشارية مع عشائر القبيلة لتدارس أوضاعها المعيشية ، والقيام بالمصالحات ونشر الوعي بينهم، وفي نفس الوقت تقوم بتقييم الموسم الفلاحي لكل قبيلة حتى إذا ما جاء وقت الحصاد عرفوا أن يصرفوا زكاتهم ومن أين يحصلونها، وعدد المقاتلين من كل عشيرة الذين بإمكانهم أن يشاركوا في الحروب "

لقد تمددت قبيلة "ركراكة" ـ تؤكد نفس المصادر ـ بفضل "زواياها الدينية" في المنطقة، واعتمدت في ذلك على "الزكاة والأعشار والهبات"، و أصبحت تلك الزوايا مشهورة و "محجا لطلاب العلم من كل الآفاق، و اعتبرت زواياها ذات الدعوة السليمة والصحيحة للإسلام، و متصوفتها هم أقرب إلى النسك والزهد والصلاح.."

 

منعطف تحرير "موكادور" من البرتقيز بشجاعة "ركراكة"

من المؤكد أن غزو واحتلال جزيرة الصويرة (موكادور) من طرف البرتغال بفعل عتادها و ترسانة سلاحها الناري المتقدم وقوة سفنها البحرية، قد هدد استقرار قبيلة "ركراكة" ومحيطها، إلا أن ذلك لم يدم إلا أربع سنوات "هذه الجزيرة الصغيرة هي أول بقعة أرضية ينسحب منها المحتل البرتغالي". وفق المصادر التاريخية حيث خرج المحتل من أرض "ركراكة" مدلولا مهزوما ومندحرا.

هذا المنعطف التاريخي في مسار قبيلة "ركراكة" كان محفزا لإقامة حلف إستراتيجي و اندماج بين قبيلتي ركراكة و الشياظمة، و بفضله وقع انصهار تام بين القبلتين وهو الشكل الذي نلاحظه اليوم ، فضلا على أنه كان أيضا سببا في التعايش والتحالف مع قبائل العرب (عبدة حاليا النازحة من الجنوب والتي سكنت عبر موجات متتالية أرض دكالة الحمراء سابقا).

 

استنساخ "السبعة رجال" بمراكش لمنافسة "ركراكة"

في سياق متصل تحدثت المصادر التاريخية عن فترة حكم المولى إسماعيل بالقول: "انتصر جيش المولى إسماعيل، وقتل المئات من الركراكيين، وانتقم للهزائم والتمرد الذي لحقه منهم، وأحرق كتبهم وأسفارهم.."، بل أنه أمر "بنقل وجلب رفات الرجالات السبعة المعروفين من كل أنحاء المغرب ودفنهم بمراكش بالقرب من قبيلة ركراكة" حتى يكونوا منافسين لهم من حيث "التأثير الروحي للرجالات السبعة بمنطقة ركراكة "، في نفس الوقت أمر "بمنع الطواف السنوي للركراكيين على قبور أسلافهم، و دام حرمانهم من إقامة جولاتهم السنوية "الدور" لسنوات، حتى توسط بعض النافذين لمشايخ ركراكة لدى السلطان المولى إسماعيل بمكناس"

وتؤكد بعض الوثائق والدراسات التاريخية أن انتصارات الركراكيين ترجع بالأساس إلى "بأسهم الشديد، و استماتتهم في القتال" دون الحديث عن كعبهم العالي في التنظيم العسكري من خلال " استعانتهم بجغرافية وتضاريس الجبل". وتناقلت الروايات بين الناس أن إنتصارات الركراكيين كانت "بفضل رجالهم السبعة"، فزاد تعظيم الناس لشأنهم وريادتهم، فضلا عن "الحافز المذهبي والديني و تميزهم بالتقوى والورع" ، مما شكل سببا في تحالف القبائل مع ركراكة.

وحسب العديد من الروايات فقد تم التفكير في "خلق (سبع رجال) منافسين لـ "ركراكة" بقبائل ركراكة و الشياظمة و حاحا و عبدة و شيشاوة .. حيث تم "اعتماد رجال سبعة منافسين في مدينة مراكش، يكون مشهودا لهم بالورع والكرامات و الجهاد والوقوف في وجه الباطل والدعوة إلى الحق "، فوقع الإختيار على هؤلاء الرجال (يوسف بن علي الصنهاجي ، القاضي عياض ، أبو القاسم السهيلي ، أبو العباس السبتي ، محمد بن سليمان الجزولي ، عبد العزيز التباع ، عبد الله الغزواني )". يتبع

 

رابط الفيديو هنا