محمد بوبكري: المغرب متشبث بوحدته الترابية وبحق الشعب الفلسطيني معا

محمد بوبكري: المغرب متشبث بوحدته الترابية وبحق الشعب الفلسطيني معا محمد بوبكري
لقد صعق اعتراف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه كل أعداء المغرب وكل الذين لم يرقهم ذلك لسبب مصلحي أو لآخر. وبعد تأملي في مختلف المواقف المناوئة للمغرب، قررت عرض خلاصات هذا التأمل في هذه الورقة القصيرة:
يعتقد بعض الناس وعلى رأسهم الروس والجزائريين أن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء المغربية كان مقابل قبول المغرب بتطبيع علاقته بإسرائيل. ولقد تأكد لي أن هذا الادعاء هو مجرد افتراء هدفه التضليل والتعتيم، حيث إن اتخاذ الولايات المتحدة لهذا القرار الذي وستليه قريبا قرارات مماثلة من دول الاتحاد الأوروبي، راجع إلى أسباب أخرى، في مقدمتها أن روسيا اتفقت مع جنرالات الجيش الجزائري والرئيس تبون على إقامة قاعدة عسكرية روسية في الجزائر. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث اتفق الطرفان على أن تقوم روسيا ببيع أسلحة لضباط الجزائر تقدر قيمتها بملايير الدولارات، كما أن الطرفان عقدا اتفاقا يهم الغاز وتجارات متنوعة أخرى...
وإذا كانت روسيا تدعي أن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء المغربية يشكل خرقا للقرارات الأممية، فهل احترمت روسيا هذه القرارات الوهمية التي تتحدث عنها الآن عند ما عقدت اتفاقية للصيد البحري مع الدولة المغربية تدخل فيها المياه الجنوبية للمغرب؟! ولماذا هذا الكيل بمكيالين؟ وهل أعمتها مصالحها إلى حد جعلها تنخرط في الافتراء على الآخرين؟...
تهدف روسيا من وراء إقامة قاعدة عسكرية في الجزائر إلى مراقبة أوروبا ومحاصرتها عسكريا جنوبا. كما أنها ترمي من وراء ذلك إلى عرقلة مرور أنبوب الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر المغرب. وهذا ما يفسر معارضتها العابرة لاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، حيث كانت ستدعي أن الصحراء المغربية إقليم متنازع عليه، بما لا يسمح أن يمر عبره أنبوب الغاز من نيجريا إلى أوروبا. هكذا، فإن روسيا تفعل ذلك حتى تتمكن من بيع غازها لأوروبا بأثمنة مرتفعة، حيث ستتمكن من محاصرتها على كل المستويات وفي كل المجالات بهدف إضعافها.
إضافة إلى ذلك، لا يتوقف طموح روسيا عند هذا الحد، بل إنها ترغب في التواجد في إفريقيا خدمة للمصالح الإستراتيجية الروسية. وبذلك، فإن ما تسعى إليه روسيا يهدد الأمن القومي لكل القوى العظمى في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والصين...
ونظرا لحقد ضباط الجزائر على المغرب ورغبتهم في إضعافه واستتباعه لهم، فإنهم اعتقدوا أن المقترح الروسي سيمكنهم من الريادة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث سيحاصرون المغرب شرقا وجنوبا، بحرا وجوا، ويتمكنون من السيطرة على كل من إفريقيا والشرق الأوسط تحت غطاء روسي وعبر عقد تحالفات مع كل من إيران وتركيا اللتان تتطلعان إلى ذلك. وبذلك، يبرهن حكام الجزائر على فقرهم الفكري السياسي، لأن طموحهم أعماهم وسقطوا في هوة لا قرار لها.
وبالمقابل، لقد قادت حكمة الدولة المغربية وعملها الدؤوب وصبرها ومثابرتها على تمكينها من جعل تطور الأحداث يؤكد الحقوق الوطنية المشروعة للمغرب، حيث إن الله تعالى يمهل ولا يهمل.
تبعا لذلك، ونظرا لكون روسيا تعمل على تهديد الأمن القومي للدول الغربية الكبرى، فإن قرار اعتراف هذه الدول بسيادة المغرب على صحرائه المغربية، كان في إطار دفاع الدول الغربية عن مصالحها الإستراتيجية درءا لأي تهديد روسي لأمنها القومي، وليس صفقة مقابل تطبيع المغرب لعلاقته بإسرائيل.
لذلك، إذا كان كل المغاربة مجمعين على الوحدة الترابية لوطنهم، ومستعدين للتضحية من أجله، فعلى بعض المغاربة الذين انساقوا بدون وعي وراء الدعاية الجزائية والروسية، أن يغيروا موقفهم، حيث تؤكد المعطيات أعلاه أنهم سقطوا، بوعي أو بدونه، في خدمة المصالح الإستراتيجية الأجنبية ضد المصالح العليا لوطنهم. فليعلم هؤلاء أن المواقف والبرامج السياسية لا تنهض على الفراغ، ولا على الجهل بالواقع، ولا على المزاج، بل إنها تقوم على المعرفة بالواقع، ما يقتضي جمع بيانات وقراءتها بواسطة عدة مفهومية ومنهجية ذات مشروعية داخل العلوم الإنسانية والاجتماعية. وبدون ذلك سيكون الخطاب السياسي لممارسي السياسة مجرد هلوسات وانطباعات تعبر عن رغبات جامحة لا تأخذ الواقع بعين الاعتبار، ما يجعلها عرضة للفشل، لأنها تنكرت للتاريخ، وأرادت القفز عليه. وللتدليل على ما أقول، فإن الدول العظمى لا تتخذ مواقفها وقراراتها السياسية عبثا، بل إنها تمتلك مراكز ومعاهد للبحث تساعدها على ذلك.
يعي كل الدارسين أن جماعات الإسلام السياسي لا تؤمن بالوطن، بل إن كل واحدة منها تضع جماعتها، أو طائفتها فوق الوطن، وذلك سيرا على نهج السيد قطب وحسن البنا اللذان لا يؤمنان بالوطن، لأنهما كانا يتوهمان قدرتهما على تأسيس خلافة إسلامية عالمية لا مكان فيها لغير أعضاء جماعتهم. وهذه هي نقطة ضعف جماعات الإسلام السياسي التي أسقطتها في الممارسات الإرهابية التي شوهت صورة الإسلام والمسلمين ودمرتها، حيث أصبحنا مجرد قتلة ومجرمين في نظر العالم، ما أضعفنا وتسبب في عزلتنا عنه.
إذا كانت "جماعة العدل الإحسان" تقول إنها لا تتوصل بأي توجيه من الخارج، وتنبذ العنف، فإنها بانتقادها للسياسة الخارجية للدولة المغربية تكون قذ ذهبت في الاتجاه المعاكس لالتزاماتها، حيث إن روسيا والجزائر لا تخدمان إلا مصالحهما الخاصة، وكل موقف سياسي مناوئ للسياسة الخارجية ينم عن مسايرة سياستهما، وإساءة للوطن. كما أن علاقتها بـ"حماس" تجعلها في موقف ضعف، لأن "حماس" تابعة لكل من وتركيا وبعض دول الخليج ولـ"جماعة الإخوان المسلمين". فلكل من تركيا وهذه الدول طموح في التخلص من العزلة المضروبة عليهما ولعب دور ريادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمر الذي دفعها للعب ورقة حماس والإخوان المسلمين من أجل التفاوض باسمهما في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، حتى لو تطلب الأمر إقصاء الشعب الفلسطيني منها. كما أن "جماعة الإخوان المسلمين" المصرية تريد العودة إلى السلطة في مصر، ما جعلها ترغب في أن تكون طرفا أساسا في مفاوضات السلام في منطقتنا، علما أن هذه الجماعات وأسيادها لا يعترفون في أعماقهم بشرعية السلطة الوطنية الفلسطينية الحالية.
وإذا كانت هذه المعطيات توضح خلفيات الصراع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فلماذا انخرطت جماعات الإسلام السياسي في المغرب في مواقف مناهضة للموقف الوطني المغربي، وسقطت في خدمة المصالح الإستراتيجية لدول معادية لوطننا؟ آلا يشكل ذلك معاداة للوطن؟
على جماعات الإسلام السياسي، التي ليس لها تاريخ وطني بالمناسبة، أن تعتذر للوطن لأنها لا تدرك أن إضعاف الوطن يؤدي إلى إضعافها هي ذاتها. فالوطني يتقوى بوطنه، واللا وطني لا يدرك ذلك، فيكون مآله الزوال. وإذا كانت هذه الجماعات تدعي الرغبة في بناء الديمقراطية، فهل يمكن بناء هذه الأخيرة بدون أرض، أي في الهواء، أو في عمق المحيط الأطلسي أو بحر الكاريبي أو البحر الميت... ؟!
وإذا كانت هذه الجماعات ترغب في تجريد اليهود المغاربة في المهجر من جنسيتهم المغربية، فإن الدولة والشعب المغربي يرفضان ذلك. بالتالي، ألا تكشف رغبة هذه الجماعات عن نزعة نازية هتليرية. وهل يقبل الرأي العام الدولي ذلك؟ وهل تقبله المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ وعلى أي أساس ديني تبني هذه الجماعات كراهيتها لليهود المغاربة؟ ألم يعترف القرآن المجيد صراحة بالديانة اليهودية وبأنبيائها؟! ألا يعترف بشرع هذه الديانة كذلك؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألا يعتبر موقف هذه الجماعات المعادي لليهود المغاربة موقفا ظالما ولا إنسانيا؟ ألا يتعارض ذلك مع النزعة الإنسانية المتضمنة في القرآن الكريم؟ ألا يشكل انحرافا كبيرا عن القيم الأخلاقية الإسلامية التي تعترف بالتعددية...؟
ونظرا لكون اليهود المغاربة في المهجر يحبون المغرب ويخدمون مصالحه في بلدان إقامتهم، فإنهم إخوان لنا في الوطن، ما يجعلنا نتشبث بمغربيتهم، ولا يمكننا أن نتخلى عنهم أبدًا، أو نقبل بأن يلحق بهم أي أذى، أو اعتداء.
هكذا، يتضح بجلاء أن الدولة والشعب المغربيين لم يعقدا أي صفقة على حساب أيكان، بل إنهما متشبثان بالوحدة الترابية المغربية حتى الموت. كما أنهما سيظلان متمسكين بمساندة الشعب الفلسطيني باستمرار حتى تحقيق حقه في إقامة دولته المستقلة.. ونظرا للحكمة السياسية للمغرب وقيمه، فإنه حظي باحترام دولي كبير جعله مقبولا من قبل الجميع لتنظيم مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. ومن الأكيد أن حكمته ونزاهته الفكرية ستمكنه من النجاح في هذه المهمة النبيلة التي ستقرب وجهات النظر المختلفة، ما يجعل المغاربة يتمنون لبلدهم النجاح في مهامه، بما يرضي جميع الأطراف، ويحقق للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة.