إن الفاعل السياسي المغاربي الرسمي مطالب بإعادة النظر في أمور كثيرة، ومنها الاتحاد المغاربي والتكتل الإقليمي وفتح تفاوض وحوار جاد ومسؤول لتجاوز الخلافات وطي صفحة الصراعات السياسية الرسمية نحو تحقيق طموحات التنمية والعدالة الاجتماعية والعيش المشترك خدمة لشعوب المغرب العربي. لأن العالم يتطور بسرعة ضوئية والفاعل السياسي المغاربي لا يساير هذا التطور وكأنه غير معني بذلك وخاصة في الجزائر.
لذلك، حان الوقت لاستدراك الوقت، لأن التحديات كبيرة ومنطق الانفصال والحرب أصبح متجاوزا. ومن ثم أصبحت الممارسة الديمقراطية وبناء المؤسسات في الدول المغاربية هما الحل الحقيقي، لتحقيق العيش الكريم لشعوب المغرب العربي والتوقف بالمتاجرة في المآسي، حتى لا تصبح دولا فاشلة. فالمغرب وبالرغم من المجهودات المبذولة ما زال مطالبا ببناء مؤسسات فاعلة وحقيقية تتخلص من شكليتها وتنفتح على المواطن قصد كسب ثقته بإصلاحات تعطي مضمونا حقيقيا لدولة الحق والقانون وربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد والاشتغال على الرعاية الاجتماعية، لمواجهة شبح الهشاشة والفقر بكل شجاعة، حتى يتم تكريم الإنسان وممارسة حقوقه المشروعة والمكفولة كونيا ودستوريا.
وبالموازاة، يتم العمل بشكل مكثف على التنمية المجالية برؤية استراتيجية وتنموية لتقليص الفوارق المجالية في إطار الجهوية المتقدمة بصلاحيات موسعة. تستوعب المتغيرات في الجهة الجنوبية للصحراء والحكم الذاتي الذي أصبح يشكل حلا موضوعيا وعادلا. ينصف الجميع تحت السيادة المغربية وبمضمون ديمقراطي يعطي للنخب المحلية المبادرة في حرية التسيير والقرار في إطار المصلحة العامة الجهوية والوطنية المغربية.
ومن شأن الانفتاح على المحيط المغاربي أن يزيد المغرب إشعاعا شرقا وجنوبا في إطار المصلحة الاقتصادية المتبادلة مع موريتانيا والتعاون وإقامة مشاريع مشتركة تعود بالتنمية على البلدين في إطار التكامل الاقتصادي. يجعل من المغرب وموريتانيا بوابة أساسية للاتحاد المغاربي نحو إفريقيا جنوبا من أجل التبادل التجاري وتفعيل الحركة الاقتصادية جنوب-جنوب.
لكن الوضع السياسي الجزائري يتطلب معالجة حتمية بالحوار الداخلي بين الفاعلين السياسيين ومكونات المجتمع المدني من أجل إرساء نظام مدني منفتح على المجتمع بجميع مكوناته ومتصالح مع جيرانه ويبحث عن عمق مغاربي قصد التعاون والاندماج المغاربي محترما السيادة الترابية والوطنية للدول. يعمل على التعاون مع المغرب لإيجاد حل عادل للمحتجزين المغاربة في تندوف من جحيم القبضة الحديدية للبوليساريو. ويفتح أبواب العودة للوطن الأم المغرب للاستقرار والعيش بكرامة والمساهمة مع إخوانهم الصحراويين في تسيير شؤونهم المحلية والجهوية في جو من الحرية وحقوق الإنسان قابلة للتطوير والإغناء في مناخ ديمقراطي يعمل الجميع على تحقيقه.
هذا في الوقت الذي تشق فيه تونس الطريق وبإصرار نحو الديمقراطية بالرغم من الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية. بحيث من شأن تونس الاستفادة من البناء المغاربي نحو أفق أوسع للتنمية الاقتصادية في الفضاء الإقليمي لدول المغرب العربي، لإقامة المشاريع والاستثمارات وتنقل الأشخاص والأموال. يساهم في الانتعاش الاقتصادي ويرفع من مؤشر التنمية.
أيضا، من واجب الدول المغاربية مساعدة ليبيا لإنجاح الحوار السياسي الليبي-الليبي بهدف التغلب على مشاكل الانقسام الداخلي وبناء مؤسسات ديمقراطية تبسط سيطرتها على كامل التراب الوطني الليبي وتعزيز سيادته. وتلتحق بالاندماج المغاربي وتكامله الاقتصادي لتجاوز مخلفات الحرب وتحقيق التنمية بعيدا عن الهيمنة الخارجية.
إن واقع العولمة وسياستها القائمة علي الهيمنة على الدول والشعوب وتعميم نموذجها الاقتصادي النيوليبرالي، يفترض العمل على التكتل الإقليمي والجهوي من أجل التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي للتفاوض مع تكتلات اقتصادية أخرى كالاتحاد الأوروبي في إطار التعاون المتكافئ والضغط في ملفات كالهجرة لتحسين أوضاع المهاجرين وحل النزاعات والاستفادة من امتيازات جمركية واقتصادية. كل ذلك يتحقق برؤية استراتيجية تستحضر حتمية متطلبات التنمية ومسايرة التطور والمتغيرات من موقع المساهم والفاعل وليس من موقع المتفرج الذي تفرض عليه القرارات والسياسات.
وعليه فإن الاندماج المغاربي حتمية تاريخية للإقلاع الاقتصادي والتنموي لتحقيق التنمية الاجتماعية والحد من الفقر والهشاشة لاستدراك ما فات. وهذا يتطلب مراجعة نقدية في السياسات الرسمية لدول المغرب العربي خدمة لمصالحها بنخب ذات مصداقية وتحترم إرادة شعوبها.
- المصطفى رياني، كاتب وأستاذ باحث