كريم مولاي: قادة الجيش الجزائري يلوحون بالحرب.. ضد من؟

كريم مولاي: قادة الجيش الجزائري يلوحون بالحرب.. ضد من؟ كريم مولاي
على الرغم من التحفظ الدائم الذي اختارته الدبلوماسية الجزائرية الرسمية تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وترديدها دوما لشعار احترام السيادة الوطنية ولرفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلا أن ظاهر القول ليس كحقيقة الأشياء..
فبعد التعديل الدستوري الذي يجيز للجيش الجزائري التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، جاءت مجلة "الجيش" في عدد ديسمبر الجاري لتؤكد بأن الوضع الإقليمي على طول الحدود الجزائرية مترد، وأن الجزائر معنية بهذا الوضع ويملي عليها واجب الاستعداد لمواجهته، بالنظر إلى الالتزامات الإقليمية التي يفرضها عليها دورها المحوري في المنطقة، إضافة إلى مبادئها التي ترتكز على نصرة كل القضايا العادلة.
وقالت المجلة في افتتاحيتها: "إن مواجهة هذه المخططات العدائية التي تستهدف بلادنا يستدعي بالضرورة أن يدرك شعبنا حقيقة الأهداف الخفية التي تحاول الجهات المعادية لبلادنا تحقيقها"، ودعت إلى "الالتفاف حول قيادة البلاد لإحباطها، وعلى هذا النحو سيكون بوسع شعبنا إفشالها كما كان عليه الأمر في كل مرة حاولت فيها هذه الدوائر المعادية النيل من بلادنا".
بذات الأسلوب الغامض الذي اعتدته القيادة الحاكمة في الجزائر، جاءت افتتاحية مجلة الجيش لهذا الشهر، مؤكدة ما كان بعض أزلامها المقيمين في عدد من العواصم الغربية عبر قنوات على اليوتوب، ترديده من أن جاهزية الجيش الجزائري عالية لمواجهة أي تطور عسكري في المنطقة، في إشارة إلى ما تعرفه الحدود المغربية الموريتانية على مستوى معبر الكركرات في الآونة الأخيرة..
ما يبدو أنه فات، ليس فقط على قادة النظام الجزائري من العسكريين والأمنيين على حد السواء، وأيضا على الدروع الإلكترونية الذين يتكلمون من خلف أجهزة جوال بعضهم لا يعرف حتى كيف يستعمل منجزاته، أن امتلاك القوة العسكرية وحدها لم يعد يكفي لتحقيق الغلبة في القضايا السياسية، وفي كسر إرادة الشعوب فضلا عن الدول.. فإذا كانت كل هذه القوة وهذه الوحدات العسكرية وقبلها الرشاوى الاقتصادية للشركات الدولية قد عجزت في التسويق للمشهد السياسي الجديد في جزائر ما بعد الحراك، فما بالك بدول توازن بين القوة العسكرية والرؤية السياسية الإستراتيجية.
إنها قوة صوتية ليس إلا، وإلا كيف نفسر الارتباك الذي أصاب القيادات السياسية في مختلف مستوياتها من بيان البرلمان الأوروبي الذي انتقد بشدة تصاعد الانتهاكات الحقوقية في الجزائر ضد النشطاء الحقوقيين والإعلاميين؟
التلويح بالحرب وإرهاب الشعب الجزائري في الداخل، ودول الجوار المنشغلة هي الأخرى ببناء نفسها كل حسب ظروفه، يأتي في زمن سياسي مختلف عن أيام خلت، كان يستطيع فيها النظام تضليل الرأي العام، وإقناعه بأنه يخوض الحرب باسمه دفاعا عن وحدة الجزائر وسيادتها.. وهو مبرر لم يعد بإمكان أحد من الجزائريين القبول به، بعد الدلائل المادية الملموسة، التي تأكد فيها أن ما يهم هذا النظام هو رأسه، حتى لو كان ذلك على حساب قوت الجزائريين، ولنا في ضحايا الحرقة وكورونا داخليا واستخدام الطائرات الفرنسية للأجواء الجزائرية لضرب مالي خير دليل..
والسؤال الذي يطرح هنا هو: ماذا تقصد مجلة الجيش بتأكيدها على دور الجيش في مواجهة كورونا داخليا واستعداده لمواجهة التطورات الإقليمية والقيام بدوره المحوري في ذلك؟
كثير من المتابعين اعتقدوا أن المقصود بذلك هو المغرب، بعد تحرك قواته العسكرية لتأمين المعبر الحدودي مع موريتانيا، وهو تأويل وارد، لكنني أعتقد أن المقصود باستعراض القوة ليس دول الجوار، وإنما داخليا جناحا الرئاسة والمخابرات، في ظل المصير المجهول للرئيس عبد المجيد تبون، الذي لم يسمع له الجزائريون صوتا منذ نحو شهر ونصف، ومع أنباء عن صعود جديد لجناح التوفيق.. وخارجيا عرض المؤسسة العسكرية الجزائرية لخدماتها على القوى المعنية بالنفوذ في المنطقة بعد أن أصبحت الطريق الدستورية سالكة..
ويعلم الاستعراضيون الحقيقيون والأدعياء من أنصار قادة العسكر الجزائري، أن خيار الحرب في المنطقة هو أقرب إلى الانتحار الذاتي منه لإثبات قوة الجزائر ودورها إقليميا ودوليا.. القوة وحدها لا تبني الدور، وإنما الحكمة والعقل وقبلها العدل واحترام حق الشعب الجزائري في اختيار حكامه.. ذلك هو ما يحتاجه الجزائريون وشعوب المنطقة لا تخزين سلاح نعرف جميعا أنه لم يستخدم على مدى عقود الاستقلال إلا ضد الشعب الجزائري الأعزل..
كريم مولاي، خبير أمني جزائري(لندن)