عبدالقادر فلالي: قراءة في السيرة الذاتية الجديدة لأوباما "أرض موعودة" لماذا النكرة!؟( 3 )

عبدالقادر فلالي: قراءة في السيرة الذاتية الجديدة لأوباما "أرض موعودة" لماذا النكرة!؟( 3 ) عبدالقادر فلالي

بعبارة أدق لماذا لم يكن العنوان مُعرّفا "الأرض الموعودة"؟ هل بسبب اليقين أن تلك الأرض الموعودة هي في حقيقة الأمر حلم "أرضٍ موعودةٍ" بعيدة المنال على الأقل في المستقبل القريب؟ أم هي الأمل والحذر معا اللذان يجسدان الوعد ب "أرض موعودة". "موعودة" هي الأقرب حين الترجمة الى اللغة العربية عوض "الميعاد" كون الأولى مبنية للمجهول وهذا ما تعنيه في الكتاب الذي لخصته عبارة أوباما حينما قال:" أمريكا كتجربة مهمة للعالم ليس بسبب حوادث التاريخ التي جعلتنا أقوى دولة على وجه الأرض، ولكن لأن أمريكا هي أول تجربة حقيقية في بناء ديمقراطية كبيرة متعددة الأعراق ومتعددة الثقافات. ولا نعرف حتى الآن ما إذا   يمكن أن تصمد." سوف نقوم في هذا النص بتلخيص لأهم نقاط السيرة الذاتية ثم بعد ذلك نقدم قراءتنا لهذا العمل مع الختم بتصور خلدوني لأمريكا اليوم.

 

حين أخلف الأفارقة الأمريكيون الموعد: أين "مالكوم إكس" و"جيمس بالدوين" في السيرة الذاتية؟

يتم عن قصد في الآلة الدعائية من إعلام وسينما إظهار "كينغ" الزعيم وخطاب الحلم هما البصمة الوراثية الجامعة ل أربعمائة سنة خلت، في حين يهمش الدور الهام لصوت آخر أو بالأحرى لأصوات أخرى. أخلفت هذه السردية المتعمدة موعدا حافلا مع التاريخ الأمريكي الحديث. "مالكوم إكس" وفي خطاباته تحدث عن مشروع يتجاوز التفكير الديني وعرض على "الزعيم كينغ" المضي نحو آفاق أرحب وأوسع من أجل حقوق مدنية كاملة غير مجزأة والتي يتجرع مرارتها الأفارقة الأمريكيون الآن. "جيمس بالدوين" اختار المنفى الطوعي على أن يبقى في أمريكا.  في 25 أبريل 1961، واجه "مالكوم إكس" و"جيمس بالدوين" بعضهما البعض في نقاش حول طبيعة العنصرية في أمريكا والحلول الممكنة مسلطين  الضوء على العديد من القضايا التي لا تزال تعاني منها البلد إلى حدود الساعة. 

ربما الوحيد الذي أعطى ل"مالكوم إكس" حيزا من الحقيقة والتكريم هو المخرج الأمريكي "سبايك لي" واختياره شخصية "دينزيل واشنطن" للعب دور الرجل. ولأن المناهج التعليمية بدورها تقصي "مالكوم إكس" وتركز أساسا على الزعيم "كينغ" وخطابه.  

 

البنية والفعل 

من الضروري استخدام إطار نظري نقدي يأخذ بعين الإعتبار تأثير البنية على الفعل وتأثير الفاعل الحيوي في البنيات خاصة أننها نتعامل هنا مع مفاهيم السلطة في الواقع الإجتماعي وترجمها "عملياتيا" في تطبيق تجريبي. وبالتالي يتسنى لنا معرفة تفسير تأثيرات بنيات السلطة (من سلطة داخلية، ومنتظم دولي) متسائلين عن حجم فضاء الصمود والمرونة في خلق الفعل السياسي. سعى "بورديو" لخلق علم اجتماع نقدي كشف عن طريقه علاقات السلطة المنتجة والمستنسخة من خلال التأثير على الموارد الثقافية الرمزية والعمليات والمسارت. السلطة كبنية لم تكن مجالا منفصلا. نجد أوباما تارة يلقي اللوم على البنيات (مؤسسات حزبية (الجمهوريون وحتى الديموقراطيون، القوى الضاغطة، المجمع العسكري الصناعي، مؤسسات الولايات المتحدة بما فيها حتى الدستور وجغرافيا وتاريخ البلد) والتي هي "أرض" مقابل عدم إقراره الضمني في ضعف إدارته للوصول إلى "موعودة". وتارة أخرى يمجد ويعظم من مؤسسة رئاسته وقدرتها على التحدي. من خلال هذه الزئبقية الهندسية نجد عنفا رمزيا يمارسه رئيس الأركان الحربية الأسبق من خلال تساؤل "كيف" و"الشروط التي أنتجت هكذا وضعا" والقدرة على كشف هذا العنف الرمزي يُحيلنا أن نغوص في أدبيات الدستور الأمريكي والمؤسسين الأوائل.

 

إصلاح أعطاب الشعبوية في الحزب الديموقراطي

 تزايد قوة نفوذ التقدميين والنسويين واليساريين المتشددين داخل الحزب الديمقراطي المتغير سريعا والذي أصبح ينسج خطابات الحرب الباردة المبنية على المؤامرة والتخوين. في مقال ب “ فورين بوليسي" للكاتب "ستيفن كوك": "أميركا تتدحرج نحو مستقبل عراقي"، توقع الكاتب أن تتجه الولايات المتحدة نحو مستقبل يشبه ما عليه العراق اليوم من تفكك.  خلال زيارة ميدانية له للسليمانية استنتج أن هناك أوجه تشابه مقلقة في طرق تفكير من تحدث إليهم في السليمانية والأمريكيين نظرا للإنقسام الكبير بين مكوناتهم الاجتماعية والعرقية ولضعفهم في التحاور وتقبل الآخر. عوامل تشكل الهوية الجامعة لأي بلد. التفكير وجب أن ينصب على إعادة الجودة للصحافة المتاحة للمجتمع، والمعلومات الموثوقة الخالية من الدعاية الضيقة لشخصيات تعمد تدوير أفكار حقبة الثمانينيات والمصالح الخاصة، والدعاية الانتخابية الشفافة وتوضيح سياسة نزيهة في جمع الأموال، والرعاية الصحية الجيدة بسعر معقول للجميع، ونهاية التلاعب في الدوائر الانتخابية بين الحزبين، والقيادة التي ترقى إلى أكثر من مجرد تهديد بإقصاء الآخر.  يجب التعامل مع هذه الأمور دفعة واحدة من خلال التركيز على جودة التعليم في المراحل الإبتدائية والإعدادية والثانوية. 

 

كيف سوف يرى ابن خلدون أمريكا اليوم؟!

سوف يجيبنا ابن خلدون بإيجاز تام كالتالي: أمريكا القبيلة. نعم إنها قبيلة وكل ما لديها شاشاتها الكثيرة الضخمة وأسلحتها الوفيرة لا غير. وتلعب الأحزاب والقوى الضاغطة والمؤسسات دور العصبية. إلا أن الورم الذي تسلل في عقر المجتمع الأمريكي اليوم زعزع الرأسمال الاجتماعي الذي من المفروض فيه أن يكون مبنيا على عنصري الثقة والتلقائية. واليوم هذه القبيلة الكبيرة تنتظر أفرادا آخرين بدماء جديدة لأن الترف والعيش الرغد والرعونة والغنائم السياسية والإقتصادية داخل الحزبين تسببت في الكثير من جراح العصبية واللحمة الجامعة لأمريكا ورؤيتها للعالم. هشاشة تفكير من هذا القبيل على سبيل المثال تعد نوعا من السذاجة حينما تعتبر أن الملف النووي الإيراني يختزل كل أزمات الشرق الأوسط والخليج. تقف هذه القبيلة الكبيرة أمام مفترق طرق حاسم: إما إعادة بناء لبنات الحزبين والتأسيس لعقد اجتماعي تصالحي منصف وإما تركر الأمور علي حالها والنتيجة يعلمها ابن خلدون.

يقع على كاهل الرئيس المنتخب "بايدن" مسؤوليات جسام. ليس فقط في إعادة الثقة أمام المنتظم الدولي أو إنعاش الإقتصاد الأمريكي بل تكمن في تعديل سكة الحزب الديموقراطي نحو الوسط بسبب تنامي اليسار بشكل غير مسبوق في الحزب. هذا اليسار الذي دفع بسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد أوباما "سوزان رايس" إلى تقديم مذكرة بشأن توسيع مهام "المينورسو" في صحراء المغرب. كتاب بحجم المجلدات الضخمة من ملخصات وموجزات سياسية ومبررات ذاتية سياسية، سيجد "المولعون السياسيون" ومناضلو الفضاءات الإلكترونية ومدمنو القدوة الغربية ومعجبو أوباما ما يبحثون عنه في هذه السيرة الذاتية. لكن القراء الذين ليس لديهم نفس التوجهات قد يواجهون صعوبة في إتمام حتى الفصل الأول لهذا المجلد. انتهى