طريقة ارتداء البرلمانيين للدراعة تثير نقاشا حول الهوية والعنصرية

طريقة ارتداء البرلمانيين للدراعة تثير نقاشا حول الهوية والعنصرية محمد النعمة بيروك يتوسط مصطفى عبد الدايم (يسارا) ومحمد سالم عبد الفتاح

انتشر خلال اليومين الماضيين "هاشتاغ" مفاده "خلي الدراعة لأهلها"، وجاء على خلفية الجلسة البرلمانية الأخيرة التي كان موضوعها التنمية في الأقاليم الجنوبية، حيث ارتدى النواب البرلمانيون الدراعة الصحراوية..

 

وتم انتقاء مقاطع فيديو بينت تعثر بعض النواب وهم يصعدون سلم القاعة الرئيسية، في حين لقي بعضهم صعوبة في جمع أطرافها، وهو ما أثار سخرية من البعض مطلقا هذا "الهاشتاغ" في حين اعتبرها البعض الآخر أمرا عاديا يبين التنوع والغنى الثقافيين بالمغرب بين شماله وجنوبه.

 

المصطفى عبد الدايم، اعتبر "هاشتاغ" عنوان معركة ابتدعها الموالون للبوليساريو، بديلا عن المعارك التي يُفترضُ أن البوليساريو تخوض في ساحات الوغى.. "أقول أن تتزامن معركة "خلي الدراعة لاهلها" هو للإلهاء والتغطية عن فشل البوليساريو في معاركها القتالية.. فقمة إفلاس أنصار البوليساريو خوضهم في مثل هذه التفاصيل كما الشيطان".

 

من جهته تمنى الباحث محمد النعمة بيروك، انتشار هاشتاغ "ما هكذا تُلبس الدراعة" مثلا، بدل هاشتاغ "خلوا الدراعة لاهلها"، فمن الغريب غير المفهوم أن يعترض عاقل على أن يلبس غيره لبسه، في الوقت الذي يسعى فيه العالم أجمع للتأثير في من حوله ومن هو بعيد عنه، عبر نشر ثقافته وعاداته وتقاليده ولغاته ولهجاته، هذا العالم الذي يعلم أن بقاءه وامتداده في غيره، وبأن التقوقع والانغلاق نوع من العنصرية التي لا تليق بنا مطلقا.

 

وتساءل الباحث بيروك، "ماذا نجني حين نستورد كل شيء، ونرفض أن نصدّر شيئا، حتى وإن كان هذا الشيء لمستنا في اللبس، أو عادة من العادات، ما دمنا لا ننتج شيئا.

 

إن الذين يقولون "خلوا الدراعة لاهلها" عليهم، بذات المنطق، أن يتركوا سراويل الجينز وقمصان لاكوست، وأحذية أديداس لأهلها في الغرب، أهلها الذين عرفوا كيف يتمدّدون حتى ذبنا فيهم، بينما نحن الذين لانلبس الدراريع إلا في المناسبات نطالب بمزيد من الحجر عليها، بدل نشرها، والانتشار معها".

 

محمد سالم عبد الفتاح، استرجع عددا من أنواع الألبسة التي كانت رائجة لدى مجتمع البيظان (موريتانيا، أزواد، الصحراء الغربية، تيندوف ووادنون) خلال القرون الماضية، بعضها كان يستقدم من شمال ووسط المغرب، وبعضها من أوروبا، خاصة من البرتغال التي كانت تجارتها منتشرة في فترات سابقة، فيما كان يستقدم بعضها الآخر من غرب افريقيا (بلاد السودان)، وهي الألبسة المعروفة بأسماء آفروال، السبنية، الگلمز، الكساء، الدكالي، الحنبل، والبرود، الإزار، البدم، أو أحايكْ..

 

ألبسة، حسب محمد سالم عبد الفتاح، كانت من صميم عادات المجتمعات المحلية، لكنها اندثرت بسبب عزلة تلك المجتمعات وطبيعتها البدوية غير المنتجة، قبل أن تستقر على لبس الدراعة والملحفة، المستقدمتين أيضا من الجنوب، خاصة عن طريق مركز "اندر" بجنوب موريتانيا الذي كان بمثابة العاصمة الادارية للمستعمر الفرنسي بالجنوب، وطريق تجاري رئيسي.

 

وأضاف، حتى الدراعة والملحفة، لم تكونا تخاطان بالأشكال المتعارف عليها اليوم، لكنها باتت هي الأخرى مهددة بالاندثار، نتيجة تأثيرات العولمة والاستلاب الثقافي، الناجم عن الاحتكاك والتأثر بالمستعمر الأوروبي والمجتمعات المجاورة.

 

وبخصوص حملة "خلي الدراعة لاهلها"، قال محمد سالم عبد الفتاح، أن بعض أبناء الأقاليم الجنوبية يستاؤون من مجرد لبس أشخاص من خارج هذه الأقاليم للباس التقليدي المحلي! لكنهم لا يجدون حرجا في أنفسهم من لبس الجلابية الشمالية، واستيراد الدراعة والملحفة المخاطة بالطريقة الموريتانية، وحتى من لبس العباءة والقميص الخليجي، أو الجينز الأمريكي والطقم الأوروبي!!

 

ليخلص بالقول، حين تعمل المجتمعات المتحضرة على التعريف بثقافتها ونشرها على أوسع نطاق، فتتمسك بموروثها الثقافي، وتسوق منتجاتها التقليدية.. يبدو أن البعض يمتعض من مجرد انتشار لباسه التقليدي المهدد بالاندثار أصلا، رغم تفريطه في موروثه وتخليه عنه.