يوسف لهلالي: هل وقع تحول في سياسة الهجرة واللجوء الفرنسي؟

يوسف لهلالي: هل وقع تحول في سياسة الهجرة واللجوء الفرنسي؟ يوسف لهلالي

لجأت الشرطة الفرنسية إلى الغاز المسيل للدموع لتفكيك مخيم جديد للمهاجرين وسط باريس أقيم لإيواء مئات اللاجئين الذين تم إجلاؤهم من مراكز إيواء مؤقتة في الضواحي دون توفير بديل. وساعد متطوعون في نصب نحو 500 خيمة زرقاء اللون في ساحة الجمهورية في قلب العاصمة الفرنسية، في وقت متأخر مساء يوم الاثنين الماضي، والتي سرعان ما امتلأت بمهاجرين معظمهم أفغان. وبعد نحو ساعة، وصلت الشرطة لتفكيك المخيم وإزالة الخيام التي كان بداخلها أشخاص في بعض الحالات، وسط تظاهرات من المهاجرين وصيحات الاستهجان من المتطوعين.

 

ويأتي تفكيك المخيم الجديد بعد أسبوع على إجلاء المهاجرين من مراكز إيواء مؤقتة في ضاحية سان دني شمال باريس دون نقلهم إلى مكان آخر. لكن عمليه الاخلاء بالقوة والعنف المبالغ فيه اثارت استياء كبيرا بفرنسا.

حتى  وزير الداخلية جيرال دارمانان الذي وصف مشاهد عملية تفكيك المخيمات بـ "الصادمة" أشار إلى أنه أمر شرطة المدينة بتقديم تقرير عما حصل، خاصة لأعمال العنف التي تخللت هذا التفكيك.

 

وتعد باريس محطة رئيسية في طريق الهجرة إلى أوروبا، إذ كثيرا ما تقام فيها مخيمات تفككها الشرطة بعد بضعة أشهر. وانتقل الآلاف من باريس إلى ميناء كاليه شمال فرنسا وحاولوا الاختباء في شاحنات تعبر المانش إلى انكلترا. وحاول عدد قليل منهم العبور بالقوارب نحو الشواطئ البريطانية. وخلال الأشهر الأخيرة، حاول عدد متزايد من المهاجرين بلوغ الشواطئ البريطانية عبر هذا الطريق الخطير والمزدحم، حيث سجل مصرع أربعة أشخاص في 2019 وسبعة منذ بداية العام الجاري. وشكل الملف مصدر توتر بين البلدين، إذ اتهمت بريطانيا فرنسا بعدم التحرك بشكل كاف لمنع عبور المهاجرين.

 

وبين الأول من يناير و31 غشت حاول نحو 6200 مهاجر القيام بالرحلة، مستخدمين قوارب مطاطية ومجاديف وزوارق وحتى سترات نجاة فحسب.

 

ويجتذب شمال فرنسا المهاجرين غير الشرعيين الراغبين في الوصول إلى بريطانيا على متن قوارب أو في واحدة من عشرات الآلاف من المركبات التي تعبر البحر على متن عبارات وقطارات يومي.

 

ويأتي تفكيك المخيم بسان دوني بعدما أقرت الحكومة الفرنسية قانوننا أمنيا معدلا يفرض قيودا على نشر صور وتسجيلات التقطت لوجوه عناصر الشرطة أثناء تأدية مهامهم في الأماكن العامة.

 

تحرك الشرطة الفرنسية في الأيام الاخيرة من اجل تفكيك المخيمات  المهاجرين أو اللاجئين التي توجد بضواحي العاصمة باريس  هو تعبير عن تحول في سياسة باريس في تدبير الهجرة القادمة.

 

مخيم سان دوني  الذي تم تفكيكه الاسبوع الماضي، كان يتميز بظروف غير صحية، حيث أقيمت مئات الخيام، في الغالب يرتادها رجال عازبين معظمهم من أفغانستان، ومن السودان وإثيوبيا والصومال كذلك. واقام العديد، ومعظمهم من طالبي اللجوء، في السابق في مخيمات أخرى في ضواحي باريس، وتمت إزالتها تباعا، ولكن تم إعادة إنشائها على مسافة أبعد قليلا،  في الضواحي الشمالية.

وأدانت نحو ثلاثين جمعية، بينها سيماد وسكور كاثوليك وسولاديريته ميغران ويلسون) "الحلقة المفرغة والهدامة". وذكرت الجمعيات في بيان "منذ خمس سنوات، تتكرر عمليات الإجلاء، رغم خلل نظام الإيواء المرافق لها. واليوم، تواصل السلطات تنظيم هذه العمليات بينما أثبت الـ 65 عملية السابقة للإخلاء عدم نجاعتها، وكان تأثيرها الوحيد هو تشتيت الناس.

 

وحسب السلطات الفرنسية أن وجود "هذه المعسكرات غير مقبول". وأوضحت أن هذه العملية تجري لضمان إيواء الأشخاص الذين هم في وضع قانوني وأن من هم في وضع غير قانوني لا يمكنهم البقاء في البلاد". الجمعيات الفرنسية المختصة في هذا المجال انتقدت حكومة بلدها لغياب سياسية واضحة للهجرة والإيواء.

 

هذه السياسة سوف تتحول اكثر في المستقبل، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون بقوله، بضرورة النظر بواقعية  للعلاقة بين الإرهاب والهجرة الغير النظامية، ومطالبته لشركائه الأوربيين بإعادة النظر في فضاء شنغن الذي ينظم الحدود الاوربية وتشديد الحراسة على الحدود الخارجية لأوروبا، وهو تحول كبير  في موقف باريس جاء بعد الاعتداءين الأخيرين  بضاحية باريس ونيس، هذا الموقف الرسمي  الجديد كان يشكل احد مطالب اليمين  المتطرف مند سنوات.

بمعنى أن الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون تبنى سياسة اليمين المتطرف في مجال الهجرة دون ان يثير ذلك  اية ضجة سياسية بفرنسا، باستثناء استنكار الجمعيات العاملة في هذا المجال. وهو موقف عبرت عنه باستمرار مارين لوبين وهو ربط الهجرة واعتبارها مسئولة عن الإرهاب التي تعرفه فرنسا، واعتبارها مصدر له، بالإضافة إلى مطالبة باقي البلدان الأوروبية بإعادة النظر في اتفاقية شنغن التي تجمعها بباقي الجيران الأوربيين والرفع من عناصر الشرطة على الحدود الوطنية والرفع من المراقبة على الحدود البرية بعد أن تم التخلي عن ذلك لسنوات طويلة، حيث أن الحدود الأوروبية أصبحت بعد اتفاقية شنغن هي الحدود الخارجية لأوروبا  وليست حدود أي قطر على حدة.

 

المتتبعون للحياة السياسية يبررون هذا التحول في موقف الرئيس الفرنسي الذي كان له موقف وسط وليبرالي في التعامل مع الهجرة، باقتراب الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية في أقل من سنتين. واتخاذ مواقف اقرب إلى ناخبيه من اليمين واليمين المحافظ، واعتبار أن ضعف باقي الأحزاب الكلاسيكية ستجعل الرئيس الفرنسي مرة أخرى في مواجهة ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبين. وهو ما يفسر هذا التحول في سياسة الرئيس وسياسة بلده في مجال الهجرة، والتي سوف تعرف صرامة في الفترة المقبلة.