حسن برما: القصة مرآة من ألم

حسن برما: القصة مرآة من ألم حسن برما

ناقد عزيز وسم نصوصي القصصية بـ "السرد الحر"، ونسي أني أحضن لحظة الكتابة كعاشق يصيبه مس فضح المفترس المتناسخ ويتماهى مع شخوص قصصه وينحاز لغصّاتهم.

 

وهي قالت: لماذا لا تمنح شخوص نصوصك أسماء معلومة؟

قلت: وما حاجتي لأسماء اعتباطية توحي بعكس ما أريد، عادة أترك للآخر لذة اختيار الاسم المناسب والنعت الذي يليق، فوق هذه الأرض القاسية متسع للأقنعة المعروضة لمن يسرق قلبك وعقلك ويخون أكثر!

 

لاعتبارات فنية جمالية، لا أعتقد أن القصة القصيرة كجنس أدبي "دخيل" على الثقافة العربية تحتاج لأن تكون كاميرا متنقلة تجوب المدن والشوارع وجغرافيا السطح المخادع، وليس عليها أن تلبس أسلوب المخابرات الجاف المعني بمتابعة حركات أشخاص مرصودين ورصد ظاهر علاقات إنسانية شديدة التعقيد، تلك مهمة سهلة تقوم بها عيون وآلات تصوير/ توصيف يهمها تقديم بروفايلات ناقصة مما يجعل الرصد أقل من استخبار بريء وأكثر من حكاية تشبع غريزة الفضول والتجسس على حيوات الآخرين...

 

الكتابة الإبداعية في عمومها والقصة القصيرة تحديدا التقاط سردي ذكي لإشراقات برقية لها بداية ونهاية في الزمن الواقعي، هي النص المتفرد كما قال فرانك أوكونور، مطية لتعرية حرائق الدواخل وحيرة المصائر البئيسة، عين شقية مهووسة بمحاولة ما يمور في أعماقنا، وهي فضح فني لغرابة كائن بشري يحارب طواحين هوائية تحرمه من إنسانيته المفترضة، للحكاية بأسلوبها التقليدي المتاح أمام الجميع وظيفة التدجين، وللقصة بتقنياتها العصية على من هب وذب رسالة التأمل والتحفيز والتحريض .

 

تلك غصتي قصتي أُلبِسُها ما أشاء، وتلك حكايتك، لك الحرية في أن تلبسها الكفن الذي تشاء! فكم ستحتاج من الوقت لتصرخ ضد من سرقوا إنسانيتك؟ كم تحتاج من الغضب لتعترف بحملك لحبل المشنقة وإعدام ما تبقى من حلمك الأكبر؟

 

لكن انتبه، الجحيم أن تتورط في أحزان تجهل السباحة في بحرها، وتفشل في إنقاذ ما تبقى من حياتك من الغرق في دوامة آلامها !

 

بعيدا عن التعصب وادعاء المقامات كفن حكائي مسجوع يشكل إرهاصات جنس القصة العربية، جاءت الخطوات الأولى وبدايات الحبو السردي القصصي في القرن العشرين، ظهرت القصة بمفهومها الكلاسيكي مع الكاتب اللبناني الرائد ميخائيل نعيمة والمصري محمد تيمور ومحاولات مصطفى لطفي المنفلوطي وترجماته غير "الأمينة" لنصوص عالمية حين كان يكتفي باستعارة الفكرة وتقديمها للقارئ العربي بتوابل شرقية تحتفي ببلاغة اللغة ومحسناتها البديعية.

 

مع هؤلاء وغيرهم كانت القصة كما قال القاص المغربي إدريس الخوري ذات مقالة بمثابة نميمة إبداعية محببة، تهتم بتقديم الواقعي المعيش والتقاط الإشارات وفق سرد خطي يغلّب الوصف ويشبع غريزة الفضول المشار إليها أعلاه .

 

لكن الشعر ظل الشبكة العنكبوتية التي تصطاد كل الاجناس الادبية، فيما بعد ظهر أن القصة القصيرة هي توأم القصيدة الشعرية بالنظر إلى تمردهما على اللغة المهادنة المتواطئة مع السائد المألوف وانسياقهما نحو تعرية المسكوت عنه وفضح الوعي الشقي بالكتابة عن الأوهام والأحلام وجراح الخيبات الدفينة وسلاسل النكبات المتلاحقة مع يوسف إدريس وزكريا تامر وإلياس خوري وحيدر حيدر ومحمد عز الدين التازي وأحمد بوزفور ومحمد برادة.